القضية الفلسطينية ترسم الخارطة السياسية في إسرائيل

القضية الفلسطينية ترسم الخارطة السياسية في إسرائيل
د.علي الأعور
القضية الفلسطينية ترسم الخارطة السياسية في إسرائيل

بقلم: د. علي الأعور

عشية الرابع من حزيران1967م عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية و شرقي القدس و قطاع غزة، كان السؤال المركزي الذي يؤرق القيادة السياسية و العسكرية و الأمنية في إسرائيل " ما هو مصير الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ مادا نفعل بسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ كيف نواجه دول العالم الحر التي اقرت ميثاق روما 1998 و محكمة الجنايات الدولية واتفاقيات جنيف الرابعة عام  1949 والقانون الدولي الإنساني؟

وقتها طرح حزب العمل الإسرائيلي للخروج من هذه الورطة السياسية و العسكرية الدولية" حل الدولتين" وبقي هذا الحل مطروحا حتى فترة ايهود براك عام 2000 و بعدها تسلم نتنياهو و شارون وحزب الليكود تحديدا واستمر في طرح أيديولوجيا حزب العمل حتى جاء ترمب  وذهب بلا رجعة اعلن نتنياهو" لا يوجد هناك شعب فلسطيني بل يوجد اقلية فلسطينية لها حقوقها المدنية و الاقتصادية وكتب مع صديقه ترمب سيناريو ما يعرف بصفقة القرن التي أيضا ذهبت الى مزابل التاريخ بلا رجعة ومعها مشاريع التطبيع .

واصر نتنياهو على رفضه لحل الدولتين عندما اعلن  ترمب نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس واعلن بومبيو ان المستوطنات شرعية ولا تنتهك القانون الدولي و رفع  نتنياهو هذا الشعار المزيف في حملاته الانتخابية السابقة حتى جاءت الجولة الرابعة من انتخابات الكنيست في الأسبوع الماضي لتحدد وترسم الخارطة السياسية الحزبية في إسرائيل والتي رفضت طرح نتنياهو وعادت الى المربع الأول من خلال طرح زعيم حزب " يوجد مستقبل" يائير لبيد بان"  حل الدولتين" هو الاطار الصحيح لتسوية القضية الفلسطينية.

وفي ضوء نتائج الجولة الرابعة من الانتخابات الإسرائيلية في الأسبوع الماضي يمكن قراءة النتائج و تحليلها على النحو التالي من خلال مجموعة من الأسئلة المهمة : ما هي اهم المتغيرات السياسية في الخارطة السياسية الإسرائيلية ؟ كيف اعادت القضية الفلسطينية رسم الخارطة الحزبية الإسرائيلية من جديد؟ ما هو موقف الناخب الإسرائيلي من القضية الفلسطينية رغم تغييبها في البرنامج الانتخابي الإسرائيلي؟

أولا على مستوى اليمين الإسرائيلي:

كانت الانتخابات الإسرائيلية السابقة ونتائجها و تشكيل الحكومة الإسرائيلية بين حزب الليكود بزعامة نتنياهو و حزب ازرق ابيض بزعامة غانتس تمثل اليمين الصهيوني الذي رفض حل الدولتين وتمسك بطرح ترمب الفاشل سياسيا وكانت النتيجة في الانتخابات الحالية تراجع اليمين على الرغم من انضمام اليمين الصهيوني المتطرف بزعامة سموتريتش و ايتمار بن غفير ولكن انخفض تمثيل نتنياهو وحزب الليكود من 36 مقعدا الى 30 مقعدا مع استمرار اليمين المتطرف الذي كان موجودا في الانتخابات السابقة ورفض حزب الليكود سواء بعدم اعتماد حل الدولتين او بسبب رفضه لمشروع الضم و التوسع لانه يعلم ان قرار الضم يصدر من البيت الأبيض وليس من تل ابيب لأنه لا يستطيع مواجهة المنظمات الدولية التي تعني بحقوق الانسان وفي مقمتها محكمة الجنايات الدولية في لاهاي و القانون الدولي الإنساني.

ثانيا: اليسار الإسرائيلي ووسط اليسار:

لقد راهن نتنياهو على وفاة حزب العمل بعد انضمام عمير بيرس الى حكومته و الفاشل أيضا سياسيا ولكن حزب العمل عاد بقوة وحصل على 7 مقاعد في الانتخابات الحالية بعد تمثيله 3 مقاعد في الانتخابات السابقة كما راهن على زوال حزب ازرق ابيض وعدم تجاوز حزب ميرتس اليساري نسبة الحسم و لكن النتائج جاءت على عكس توقعات نتنياهو وكانت نتيجة صادمة له حيث ان جيل الشباب الجديد ذهب الى اليسار و كان مجموع الناخبين الجدد من الشباب 143 الف صوت  و قد حصل حزب العمل و ميرتس من أصوات الشباب ما يعادل 100 الف صوت وهذا يعني ان القضية الفلسطينية عادت من جديد الى الواجهة السياسية الإسرائيلية ورغبة الشباب الإسرائيلي في تطبيق حل الدولتين. اما بيني غانتس زعيم ازرق ابيض ومعه اشكنازي الغائب عن المشهد السياسي الجديد فقد تراجع عن قبوله بطرح نتنياهو واعلن قبوله مع اشكنازي وزير الخارجية الحالي بحل الدولتين و عرف ان الحلول السياسية لا تفرض على الشعوب الثائرة و المناضلة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني بقوة ترمب وعصاه الغليظة التي استعملها ضد دول التطبيع.

ثالثا: الفريق اليميني المعادي لنتنياهو:

وهذا الفريق ممثلا في ليبرمان و جدعون ساعر ويتزعمهم نفتالي بينت فانهم جميعا و في مقدمتهم بينت يعلم تماما اذا  ما أراد ان يكون رئيسا للحكومة الإسرائيلية القادمة عليه ان يتخلى عن أفكاره الصهيونية و يعود الى القضية الفلسطينية وحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال حل الدولتين وهناك الكثير من الإسرائيليين الدي يؤكدون ان نفتالي بينت اقرب الى حل الدولتين من طرح نتنياهو اذا وصل الى رئاسة الحكومة الإسرائيلية.

رابعا : الأحزاب العربية:

ربما كانت القضية الفلسطينية وانهاء الاحتلال ورفض التطبيع اهم الشعارات التي رفعتها القائمة المشتركة في الانتخابات الماضية وحصلت على خمسة عشر مقعدا وكانت الجماهير العربية خلف الهوية الوطنية الفلسطينية و الانتماء الى الرواية الفلسطينية الحقيقة التي تؤكد على فلسطينية الأرض و الانسان الفلسطيني  بموروثه الثقافي و الاجتماعي و السياسي لهذه الأرض المقدسة وعندما ارادت القائمة العربية الموحدة طرح مشروع احتياجات العرب المدنية وتوفير بعض المكاسب عبر مجموعة من الوعود من قبل نتنياهو في مواجهة الجريمة المنظمة وعصابات السلاح في المجتمع العربي في إسرائيل انقسمت الجماهير بين عزوفها و مقاطعتها للانتخابات و بين الانقسام بين الأحزاب العربية وكانت النتيجة خسارة الأحزاب العربية أربعة مقاعد في الانتخابات الحالية.

وأخيرا ... يبدو ان القضية الفلسطينية هي من ترسم الخارطة السياسية في المرحلة القادمة في إسرائيل ولأول مرة تحدد احدى الأحزاب العربية من يرأس الحكومة الإسرائيلية الجديدة وشكل الحكومة الإسرائيلية الجديدة ،  اما انضمام منصور عباس الى اليمين الإسرائيلي و الصهيونية الدينية المتطرفة وهذا مستحيل واما الانضمام الى اليسار ووسط اليسار وهذا أيضا مستحيل امام السياسة الإسرائيلية تجاه الجماهير العربية التي لا بد من تغييرها و الاعتراف بالعرب قوة سياسية اجتماعية جزء من المجتمع الإسرائيلي او الذهاب الى انتخابات خامسة وهذا ما يطمح له نتنياهو حتى يستمر في رئاسة حكومة انتقالية لمدة عام اخر ينتظر معجزة من السماء تنقذه من المحاكمة.

التعليقات