الستالينية "الناعمة"

الستالينية "الناعمة"

بقلم: الدكتور نزار محمود

كثير منا يعرف من هو "ستالين" الجورجي الأصل، ذي الشارب المعكوف والشعر الثخين، ببدلته العسكرية ونظراته المتحدية الآمرة. "ستالين"الذي حكم الاتحاد السوفيتي وقاد المعارك ضد النازية أبان الحرب العالمية الثانية، منتصراً عليها بعد أن فقد الملايين أرواحهم ثمناً لها. كما شكل أسلوب إدارته للحزب الشيوعي السوفيتي وتعامله مع معارضيه وتصفياته لكثير من رفاق حزبه علامة مميزة في تاريخ العالم ومعسكره الشيوعي، حتى غدا اسمه نعتاً للقبضة الحديدية الدكتاتورية بلونها الشيوعي.

واذا كان هناك من يبرر ذلك الأسلوب، هنا وهناك، متعللاً بظروف الزمان والمكان وضرورات الحرب ودرجة التطور الاجتماعي والوعي السياسي، فإن " ستالين" سيبقى فكراً وسلوكاً حالة مرفوضة إنسانياً وسياسياً في العموم.

ان انعكاسات الفكر الشمولي والممارسات المركزية خانقة الحريات الفردية قد وجدت تطبيقاتها في عقول ونفوس كثير من الأحزاب الايدولوجية في العالم ومنه البلدان العربية، بغض النظر عن بنياتها الفكرية، يسارية أو قومية أو دينية، وحتى ليبرالية!! وبالطبع، لكل تبريراته في خصوصيات عمله وبيئته. وفي ذلك لا أستثني ابرز الأحزاب " العربية": الشيوعية والبعثية والناصرية والاحزاب الدينية والطائفية، وبالطبع على اختلاف درجات ممارساتها. وبعد ما حصل من تغيرات عالمية في خرائط السياسة، وبالخصوص منذ العام ١٩٩٠، وما صاحب ذلك من تغيرات في عقول ونفوس العامة من الناس وانماط تقبلهم للأنظمة والسلوكيات السياسية، لم تعد أساليب الفكر الشمولي والقبضة الستالينية لتتماشى مع المستجدات. وعلى أثر ذلك انهارت أحزاب وتقوقعت أخرى، وتمرد زيد وتصادم عمر في صفوف ما تبقى من تلك الأحزاب الشمولية فكراً وسياسة وممارسة.

تحاول اليوم، وتسعى شخصيات سياسية من تلك الأحزاب إلى التعايش والمناورة والتظاهر بتقبل الثقافة والقيم السياسية الجديدة، على الأقل في الظاهر لتخفي تحت جلدها ستالينية "ناعمة"، ترفع برأسها تارة، وتخفيه تارة أخرى! لقد تركت الستالينية وطبعت بآثارها عقول الكثيرين وغارت في نفوسهم، لتتحول إلى حاجات ودوافع مطمورة في اللا شعور ومؤثرة على وعيهم ومحددة لسلوكهم ومواقفهم. تراهم لا يزالون يتصرفون، ويصرون على الآخرين أن يتعاملوا معهم، كمسؤولين من ذوي الحظوة السياسية والكلمة المسموعة.

ان ما عرضته بنبغي أن لا يتناقض مع ضرورات القيادات التنظيمية، عندما تتسم تلك القيادات بفكر جامع، وعقل نير، ونفس طيبة، وسلوك متواضع، وقرار رشيد!

التعليقات