نقطة إدراك وتشخيص قبل الانتخابات الفلسطينية

نقطة إدراك وتشخيص قبل الانتخابات الفلسطينية
بقلم: كريم جودة

دعونا نتفق على أن المـقاومة هي مقدّس الكل الفلسطيني بإختلاف توجهاته الفكرية والسياسية والدينية، وأن شعبنا قد مارسها على الأرض قبل كل الفصائل وما زال يمارسها بشكل يوميّ بكافة الوسائل، لهذا فإنه لا يحق لأحد كائنًا من كان أن يحتكر المقاومة قولاً أو فعلاً لحزبه أو جماعته، ولا أن يستخدمها كـورقة للمزايدة في حلبة الصراعات السياسية في الساحة الفلسطينية، فالمـقاومة فكراً وممارسة هي أسمى من كل ذلك.

ولـكنها في الوقت نفسه لم تكن يومًا الغاية القصوى لطموح وآمال شعبنا، بـل هي كما كانت على الدوام وسيلة الشعوب للوصول إلى مرادها في التحرر الوطني، يلتفّ الشعب حولها ويوفر لها حاضنة وهو مؤمن بأن مسارها لن يكون مزروعًا بالورود، وأن تضحياته في هذا الطريق سوف تتعاظم يومًا بعد يوم، ومع هذا فهـو يقدّمها عن طيب خاطر أملاً في تحقيق أهدافه وطموحاته الوطنية.

ولأنها وسيـلة وليست غاية فإنه من الطبيعي أن تخضع للتقييم والمراجعة بناءاً على قدرتها العملية على تحقيق الإنجازات، كما أنه من الطبيعي جداً أن يشارك الشعب - وهو صاحب السجل الأكبر في دعمها ودفع الأثمان المترتبة على ممارستها – في عملية التقييم هذه، بل من حقه أيضًا أن يحصل على خطة عمل واضحة وأجوبة محددة عن كل ما يشغل همّه من قضايا وطنية و معيشية.

وعلى الرغم من بديهية طرحنا هذا، إلا أن هناك مَن يُريد أن يحرمنا كـ شعب من أبسط حقوقنا في الحصول على شرح كامل عن البرامج السياسية والاقتصادية لفصائل المـقاومة خاصة ونحن مقبلون اليوم على استحقاق انتخابي طال انتظاره ونعلّق عليه آمالاً كبيرة لدفع عجلة الإصلاح خطوات للأمام، وترى بعض الفصائل بأن المطلوب اليوم من المواطن أن يعطي صوته لهم بلا نقاش لأن برنامجهم هو برنامج المـقاومة، وإن سألت عن تفاصيل هذا البرنامج وعن ١٥ عاما من الأزمات المتراكمة في كل جوانب الحياة، وعن حلول إقتصادية تُخرج الشعب الغزي من عنق الزجاجة، أو عن خطتهم لحلّ وعلاج المشاكل الحياتية التي قد ترافق تطبيق برامجهم في الضفة الغربية، فإن اتهامات كثيرة سوف تصيبك وتهوي بك في قاع النفاق والخيانة، فلسان حالهم يقول "نحن لم نخلق لنعيش حياة كريمة، وعليك أن ترسّخ في ذهنك أن المقاومة والحياة الكريمة حتى لو كانت بالحد الأدنى هما نقيضان لا يلتقيان، فإما أن تكون مقاوما يدعم نهجنا ويقبل كل ما يترتب عليه دون سؤال أو نقاش وإلا فأنت عميل مثبّط منافق لا تقوى على دفع ضريبة الجهاد".

ولأن هذا المبدأ هو الأساس الذي مكّن فصائل المقاومة في غزة طيلة الأعوام الماضية من قمع كلّ صوت مخالف لنهجهم في الحكم فإنه حتما سيكون كذلك في حال فازت مجددا في الانتخابات المقبلة، ولأننا نسعى كغيرنا ممن يتوقون لغدٍ أفضل إلى تجنّب أخطاء الماضي فإنه من حقنا أن نسألكم عن كل التفاصيل المتعلقة ببرنامجكم والتي ستضمن لنا حياة كريمة وعيشا هنيئا، خاصة وأننا عشنا معكم تجارب كثيرة حاولتم من خلالها تحقيق إنجازات سواء على الصعيد الوطني أو الإقتصادي وكنا وحدنا من دفع ثمنها من دماءنا وأعمارنا ولكنكم فشلتم بسبب عوامل عدّة يضيق المقام بذكرها، ووصلتم إلى قناعة بعدم جدوى كل خياراتكم واتجهتم نحو السلطة وقطر للتخفيف من أزماتكم الداخلية.

إذا، وفي ظل واقع كهذا يصبح فرضا عليكم طرح برامج إقتصادية واقعية وعملية تقدّم للناس إجابات عن كل تخوّفاتهم ومطالبهم وحقوقهم المشروعة، وخاصة لأهلنا في الضفة الغربية الذين لا أظنّهم يقبلون بسيناريو تدمير الخليل ونابلس وجنين وتقطيع أوصالهن وعزلهن عن باقي مدن الضفة مقابل هدنة هزيلة وهدوءا دائما عبر العمادي ومبلغ ١٠٠ دولار أو راتب ٤٠ في المئة على حساب دماء الآلاف من الشهداء.

أما أن يتم إشهار سلاح المقاومة كسيف لقمع الرأي وإخراس ألسنتهم وصوتهم في كل مرة يسألونك عن مستقبل أطفالهم أو حتى خبزة تقضي جوع بطونهم، وتعليمهم وساعات كهرباء قليلة تحميهم من الموت حرقاً بفعل شمعة، فإن هذا يُسيء للمقاومة كفكرة وممارسة أكثر مما يسيء لها الأعداء، لأن المقاومة كفكرة لا يجب أن تتعارض بأي شكل من الأشكال مع وجود حياة كريمة تضمن الأحد الأدنى على الأقل من كرامة المواطن، ولا يجوز وضعها في مواجهة مع مطالبنا الحياتية البسيطة، وأي خلط بين المصطلحين ومحاولة تصوريهما ك متناقضين فيه إساءة كبيرة للمقاومة ولرجالها خاصة في ظل كلّ ما نشهده في قطاع غزة من تفاوت اقتصادي كبير بين قياداتكم وباقي الشعب الذي بات لا يجد قوت يومه ووصلت نسبة الفقر بينه إلى أعلى مستوياتها في السنوات الأخيرة.

أخيراً، لم يتبقى الكثير من الوقت للانتخابات، والإبتعاد عنها بدافع اليأس مرفوض، كما أن الانتخاب بمنهجية مؤدلجة لن يؤتي الثمار جيداً، ف المطلوب اليوم هو ضبط المعايير نحو بناء الإنسان الفلسطيني وتعزيز ذاته وكرامته، فيكفي ما طالته يد الاحتلال من سحق لحقوقنا وطحن لآمالنا ولا يجوز أن تكون مخرجات السياسة الداخلية عامل سحق آخر لنا، ولندرك أن العمل المقاوم يحتوي كل ما يمكننا من تعزيز صمود الإنسان وبقاءه على هذه الأرض لاستكمال مشروع البناء والتحرير.

التعليقات