مسجد خليل الوزير بغزة.. ما بين "البذخ" و"سوء الفهم"

مسجد خليل الوزير بغزة.. ما بين "البذخ" و"سوء الفهم"
دنيا الوطن - عوض أبو دقة
أثار مخطط بناء مسجد خليل الوزير بحي الشيخ عجلين جنوب غرب مدينة غزة، والمبلغ الكبير الذي رُصد لإعادة إعماره، جدلاً كبيراً في أوساط رواد شبكات التواصل الاجتماعي.

جدل طبيعي

وقال أستاذ الفقه المقارن بالجامعة الإسلامية بغزة الدكتور ماهر السوسي: "من الطبيعي أن يحتدمَ مثل هذا الجدل، كون المخطط غريب، والمبلغ الذي يتم الحديث عنه ضخم".

وتابع السوسي في حديث لـ "دنيا الوطن": "معظم عائلات غزة دخلها الشهري لا يتجاوز 1200 شيكل، وهي لا تساوي شيئاً، وقد يكون هذا المبلغ مصروفاً لطفل صغير في دولة من الدول الغنية".

ومضى يقول: "الواقع المُعاش في غزة لا يحتاج من أحد لتوصيفه، وهنا أقصد واقع الحصار الذي نتج عنه أوضاع اقتصادية سيئة للغاية، ترتبت عليها بطالة وفقر ومشاكل اجتماعية كبيرة جداً، أدت إلى إضعاف لُحمة المجتمع".

ولفت السوسي إلى أنه "لا يوجد أحد على الإطلاق يُمانع بناء المساجد، وإن كانت غزة بفضل الله تعالى مزدحمة بالمساجد، لكن أما وأن المسجد دُمِّر فإعادة إعماره أمر يتحمل أعباءه المسلمون كافة سواءً كانوا داخل غزة أو خارجها".

ونوه إلى أن "القضية تتخلص في المبلغ المرصود لإعادة بناء المسجد، فإذا كان بالحجم المتداول فعلاً، فهذا يعني أننا أمام قضية بذخ وإسراف".

وبيّن السوسي أن "الشرع نهى عن البذخ والإسراف في بناء المساجد، لأن المسجد يمكن أن يُبنى بأقل من نصف المبلغ المرصود، وخصوصاً في الوقت الحالي، حيث الأيدي العاملة ومواد البناء رخيصة الثمن".

وأورد السوسي نصوصاً شرعية تدلل على ما تحدث به، منها قول الله تعالى "وآتي ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً .."، وهذا نص عام ينهى عن التبذير بشكل عام.

أما النصوص الخاصة في موضوع المساجد، فذكر منها حديث رواه أنس بن مالك (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد"، وهذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن النبي (صلى الله عليه وسلم) جعل التباهي بالمساجد شرطاً من أشراط الساعة، وهذا الأمر على أقل تقدير في الحكم الشرعي، مكروه، والحديث الثاني الخاص بهذا الموضوع، فهو حديث رواه ابن عباس (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال فيه: "ما أُمرتُ بتشييد المساجد"، وهذا الحديث يُبيِّن أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يُؤمر بالتشييد، والتشييد هنا له معنيان، الأول: التبييض والزخرفة، والثاني: إعلاء ورفع بنيان المساجد، والزخرفة قد تلهي المصلين، وتخرجهم عن الخشوع، الذي هو روح الصلاة.

وعاد السوسي للحديث مجدداً عن الواقع المُعاش في غزة، قائلاً: "سنجد أن مثل هذا المسجد في قطاع غزة، الذي يُدَّعى أنه منكوب، ومُعدم، وأن الفقر قد أكل عليه وشرب، هذا المسجد بهذا الشكل، قد يُكذِّب الواقع الذي يُدعى، وقد يجعل الناس تصرف الأنظار عن دعمنا".

وزاد: "نحن لا نقول هذا من أجل التسول، وإنما الواقع أن غزة ليست مكاناً مُنتِجاً، وإنما هو مكان يعيش على المعونات الخارجية، وهذه قضية لا تخفى على أحد، ومثل هذا البنيان الآن قد يوحي للناس على عكس المتعارف عليه، وهذا الأمر يُلحق الضرر بسكان قطاع غزة"، وفق رأيه.

واستطرد السوسي "لو أن هذا المسجد بهذا التصميم، وبهذه التكلفة بُني في بلد غني كدول الخليج أو في ماليزيا أو تركيا، لكان الأمر مختلفاً تماماً عما عليه الحال في قطاع غزة".

ورأى أن "المبلغ الذي سيُصرف في بناء المسجد لو أن جزءاً منه أدخر في إيجاد مشاريع تنموية لتشغيل بعض الأيدي العاملة ليَدر عليها أرباحاً ودخلاً يقتاتُ منه الناس لكان هذا أفضل وأسلم، لأن الإسراف في هذا الحال يُخرِج المسجد عن الهدف والمقصد الذي شُرع له".

وشدد السوسي على أنه "ليس ضد المشروع، لكنه يطالب بترشيده"، مقترحاً على "المتبرع أن يبني المسجد بشكل لا إسراف فيه، ولا بذخ، ثم أن يقوم بإنفاق ما تبقى من مبلغ في أمر آخر من أمور المسلمين كي يستفيد مرتين، المرة الأولى أنه بنى مسجداً لله سبحانه وتعالى، وسيبني له بيتاً في الجنة، والمرة الثانية أنه أطعم مساكين، وهذا أيضاً يزيد من أجره وثوابه عند الله تعالى، وهذا خير له من بناء المسجد بهذا المبلغ الذي ذُهل له الكثير من الناس".

سوء فهم

ورأى المتحدث باسم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة الدكتور عادل الهور، أن هناك سوء فهم لدى البعض، فيما أُثير حول إعادة بناء المسجد.

ونوه الهور في تصريح لـ "دنيا الوطن" إلى أن وزارة الأوقاف تقوم على رعاية الأسر الفقيرة بالقطاع، وتهتم بهذا الجانب اهتماماً كبيراً، مبيِّناً أنها أنفقت في العام المنصرم حوالي 10.5 ملايين دولار ما بين مساعدات عينية ونقدية.

وفيما يتعلق بملف المساجد، أشار إلى تعرض أكثر من 150 مسجداً للهدم خلال الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، لافتاً إلى أنه تم إعادة إعمار الكثير منها، لكن بعضها بقي مهدوماً مثل مسجد خليل الوزير.

وتابع الهور "المساجد إما يتم إعادة بنائها بجهد وتبرع داخلي أو عن طريق تسويق مشاريع عبر مؤسسات خارج قطاع غزة".

وبحسب الهور فإن "هذه المؤسسات تعرض مجموعة من تصاميم المساجد على المتبرعين ليختاروا إحداها"، موضحاً أن "بعض الممولين يضعون شروطاً فيما يخص التصميم سواءً الداخلي أو الخارجي، وهل هو طابق أم عدة طوابق؟، وهل له مئذنة أم عدة مآذن؟.. وهكذا، وكذلك يحددون المبلغ لإتمام هذا البناء".

ولفت إلى أن "الوزارة لا تجعل هذه الشروط عائقاً أمام إعادة إعمار أي مسجد، بالذات عندما تكون هذه الشروط أو الميزات غير مخالفة للقواعد والفروع الشرعية، ولا حتى العُرف الوطني".

واعتبر الهور أن موضوع إعادة بناء مسجد خليل الوزير "تم ترويجه بشكلٍ غير مناسب"، مضيفاً "لو قمنا برفض هذا المشروع، سيُحول هذا التبرع لبناء مسجد في مكان آخر، ونكون قد خسرنا بناءه، ولم نُطعِم الفقراء بنفس الوقت".

ومضى يقول "هذا المتبرع رصد هذه الأموال فقط لبناء مسجد، وليس للتبرع للفقراء، فقد تجده قد تبرع سابقاً للفقراء، ولكن هذا المبلغ تحديداً يريد أن يبني فيه مسجداً".

وشدد الهور على الوزارة "لو معها مبلغ من المال وخُيِّرت، هل تعطيه للفقراء والمحتاجين أم لبناء مسجد، فإنها ستعطيه دون تردد للفقراء، وستُلحِقه بمبلغ 10.5 ملايين دولار التي أنفقتها بهذا الجانب عام 2020".

المُمول فرض المخطط

بدور، أكد النائب في المجلس التشريعي الدكتور يونس الأسطل، أنه من خلال متابعته للقضية، يتبيَّن أن المتبرع قُدِّم له مخطط من طرف  وزارة الأوقاف بغزة تكلفته أقل بكثير من المخطط الحالي، ولكنه طرح مخططاً لمسجد من نماذج المساجد عندهم، ويريد أن يُشيَّد في القطاع، ليكون معلماً أندونيسياً.

وقال الأسطل في تصريح لـ "دنيا الوطن": "الممول هو الذي فرض هذا المخطط، واستعد لتمويله، من هنا كانت وزارة الأوقاف مُخيرة إما أن تقبل المشروع على عِلاته التي تُوقعنا في حرج، وإما أن نرفض فنخسر المشروع بالكلية، ويظل أهل الشيخ عجلين يُصلون في مسجد من البلاستيك".

وشدد على أن "الأوقاف مفروض عليها فرض أن تقبل هذا المخطط أو يُلغى المشروع بالكلية".

وخاطب الأسطل من يلوم الوزارة، قائلاً: "كان يجب أن تلوموها ألف مرة فيما لو رفضت المخطط، بدعوى البذخ والإسراف"، على حد قوله.

التعليقات