مناقشة كتاب "الاقتصاد السياسي الأردني: بناء في رحم الأزمات" في شومان

رام الله - دنيا الوطن
ناقش مختصون في الشأن الاقتصادي كتاب "الاقتصاد السياسي الأردني: بناء في رحم الأزمات" الذي صدر مؤخرا للدكتور جعفر حسان، رئيس معهد السياسة والمجتمع، في جلسة حوارية نظمها منتدى مؤسسة عبد الحميد شومان الثقافي، ذراع البنك العربي للمسؤولية الثقافية والاجتماعية، مساء أمس، بمشاركة الكاتب والعين الدكتور مصطفى حمارنة، والكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية سلامة الدرعاوي، وأدار الحوار مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية أحمد عوض، وذلك من خلال تطبيق (زووم) وصفحة المؤسسة على (الفيس بوك).

 وتناول الكتاب مجموعة من الموضوعات تمثلت في مقدمة تاريخية لتطور الاقتصاد الوطني، والعلاقات مع صندوق النقد الدولي، واستمرار العمل بنهج الاتكالية مقابل الاعتماد على الذات، وتأثيرات الأزمات الدولية والإقليمية على مسار تطور الاقتصادي، ومناقشات للتحديات والفرص المتاحة.

وقال الدكتور جعفر حسان والذي شغل سابقا منصب وزير التخطيط والتعاون الدولي، ان الكتاب يوضح منطق القرار وتحديات السياسة والأرقام امام المواطن، حيث يستهدف الكتاب المواطنين وليس النخب المتخصصين في الشأن الاقتصادي، لأنه لا بد من بناء توافق بين أصحاب القرار والمجتمع حول السياسة الاقتصادية، وهو أمر أساسي وضروري من أجل النجاح في أي عملية إصلاحية.

ونوه الى أن الحوار والنقاش والاختلاف حول الكثير من الموضوعات تحت بند الاقتصاد السياسي، أمر ضروري وهام حتى نخلص الى حالة من التوافق على الأهداف، مبينا أنه لا يمكن أن نعمل ونمضي الى الامام دون النظر الى الماضي وتحليل الاقتصاد السياسي الأردني وتطوره خلال العقود الماضية، حتى نستطيع أن نأخذ بعض العبر ونستفيد منها في نظرتنا المستقبلية آخذين بعين الاعتبار الثابت والمتغير خلال كل تلك السنوات.

وأشار الى أن الأردن تميز بشكل خاص في مرونة وسرعة تعامله مع الازمات، مبينا أن الاقتصاد الأردني بدأ باقتصاد بسيط، وكانت الدولة هي المصدر الأساسي في الانفاق والتوظيف وفي تحريك القطاع الخاص والانفاق الرأسمالي، والاستثمارات معظمها من الخارج كانت على شكل تحويلات من المغتربين وكانت المساعدات تزيد في حجمها عن الإيرادات المحلية طوال عقود طويلة منذ نشأة الدولة، وهذه هي الحالة الاتكالية، حيث يتكل المجتمع والقطاع الخاص على الدولة في إنفاقها وفي المقابل فأن الدولة تتكل الى حد كبير على المساعدات الخارجية.

وأكد أن الحالة الاتكالية لم تكن سياسة مخطط لها، مشيرا الى ان جميع الخطط التنموية خلال تلك الفترة كانت تتجه الى الاستغناء عن المساعدات تدريجيا والاعتماد على الذات ولكن هناك ما اسماه الكاتب بـ "الاستثناء الأردني"، وهو متعلق بطبيعة اقتصاد الازمات الذي بدأ منذ نشأة الدولة الأردنية، وهو الذي فرض الحالة الاتكالية، موضحا أنه كلما نظرت الخطط الحكومية الى المستقبل والى سبل الخروج من الحالة الاتكالية، كانت الأزمات المتتالية تدمر هذه الخطط وتعيدها الى الوراء، إضافة الى نواح أخرى تتعلق بموضوع الإدارة والإرادة وطبيعة تنفيذ السياسات الاقتصادية المتعددة.

وقال أنه عندما ثبت عدم القدرة على استدامة النموذج الاتكالي أتجه الأردن مضطرا الى إعادة ترتيب نموذجه الاقتصادي والعمل بسرعة نحو نموذج إنتاجي يعتمد على القطاع الخاص أكثر من الدولة في توفير الموارد الضرورية لتحريك الاقتصاد وتشغيل المواطنين، وهذا النموذج بدأ في نهاية الثمانينات بعد الانهيار الاقتصادي وتسارع مع مطلع التسعينات، وبدأت في تلك الفترة برامج صندوق النقد الدولي للخروج من أزمة المديونية التي وصلت آنذاك الى حوال 200 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وعملت الحكومات بتسارع منذ التسعينات في ذلك الاتجاه وقبل ذلك كانت في منتصف الثمانينات بدأت بخطط الخصخصة وتحويل بعض المؤسسات الإنتاجية الى القطاع الخاص وتسارع هذا الامر حتى مطلع القرن الحادي والعشرين حيث بدأ جلالة الملك بسلسلة من الإصلاحات .
وأشار الدكتور حسان الى النجاح الكبير خلال عدد من السنوات، والتي تظهر من خلال المؤشرات الاقتصادية الإيجابية والقياسية، ولكنها لم تترجم بشكل كاف على المؤشرات الاجتماعية المتعلقة بالفقر والبطالة، مؤكدا أنه لو تمكن الأردن من الاستمرار بنسب ومؤشرات النمو التي بدأ فيها مطلع القرن الحادي والعشرين لكان بالإمكان معالجة التشوهات والاستمرار في هذا المسار التنموي، ولكن الواقع أن الازمات المتتالية التي أثرت على الأردن خلال تلك الفترة حالت دون ذلك.

كما تطرق الى موضوع الإدارة وكيفية وآلية عمل الحكومات وتعاملها مع الخطط التنموية والتنفيذ ودور القطاع العام، الذي أعتبره الدكتور حسان،" الحلقة الأضعف"، خلال العقدين الماضيين فيما يتعلق بموضوع الإصلاح الاقتصادي بشكل عام.

من جانبه العين مصطفى حمارنة، الجهد الذي بذله الدكتور حسان لإصدار الكتاب الأمر الذي يثري المكتبة الأردنية وخاصة الجامعية التي تفتقر لمثل هذه المؤلفات التي تتحدث بعمق وتأخذ بعين الاعتبار التسلسل التاريخي للأحداث.

وأشار الى أن الكتاب تناول العديد من القضايا في غاية الأهمية ومنها التقدم الأمني والسياسي على الاقتصادي وكيف أنه تم اتخاذ مجموعة من القرارات في مفاصل أساسية أثرت سلبيا على النمو وبالتالي على نوعية معيشة المواطن.

وبين الدكتور حمارنة ان المشكلة الأساسية التي لدينا الان هي مشكلة الإدارة وضعف مؤسسات الدولة، مشيرا الى أن الدول الحديثة لا يمكن أن تتقدم لأن أحد الشروط الأساسية لبناء الدولة غير موجود وهو المؤسسات القوية.    

وقال الكاتب الصحفي سلامه الدرعاوي في مداخلاته، أن الكتاب تناول عناصر تاريخية عدة، ويوضح بأن الاعتماد على الذات في السابق كان أعلى بكثير، وذكر العديد من الأزمات، وترك الكتاب فينا رغبة في طرح العديد من الأسئلة، مثلما انه يحوي الكثير من الشجاعة والجرأة.

وبين أن الكتاب تناول حجم المساعدات ودورها في الاقتصاد الوطني منذ تأسيس الامارة، حيث تناول بشكل إحصائي ورقمي حجم المساعدات وربطها في نمو الدولة ونمو القطاع العام بشكل طردي، فكلما زادت المساعدات كلما كان النمو أسرع في القطاع العام بشقيه المدني والعسكري.

وأشار الى أن الكتاب بين أهمية المساعدات في تطور القطاعات الأخرى مثل القطاع الخاص واعتماده على التطور الحاصل في القطاع العام وكانت الاتكالية واضحة بأن المساعدات هي العنصر الرئيسي لاستقرار الدولة لدرجة أن المساعدات استمرت بالتدفق بشكل أكبر من إيرادات الدولة حتى منتصف الستينات تقريبا.

وأوضح ان الكتاب رصد التحديات التي يعاني منها الاقتصاد الأردني مثلما كشف عن أزمات مزمنة منذ نشأة الدولة كتضخم الجهاز الإداري والبطالة.

وكان عوض قد أشار في بداية الجلسة الى أهمية الحوارية التي تأتي في سياق النقاشات التي تجري في مختلف الأوساط حول الخيارات والسياسات الاقتصادية في المملكة، مبينا أننا في أمس الحاجة الى مثل هذا النوع من الحوارات العلمية حول أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية، خاصة وأن أدوات الحوار السياسي والاجتماعي والاقتصادي ضعيفة، ويغلب طابع التقدير الشخصي للوزراء ومصالح بعض القطاعات الاقتصادية على طبيعة الخيارات والسياسات والاقتصادية، مثلما أن هنالك غياب لمراكز خبيرة ومتخصصة في صناعة الخيارات والقرارات الاقتصادية.

التعليقات