السلطة.. ما بين قاتل أبو عمار وقطع رواتب الموظفين
عبد الله عيسى
رئيس التحرير
ابتدعت السلطة الفلسطينية، سُنة سيئة، وهي قطع رواتب الموظفين، بدون وجه حق، وبمزاجية، رغم أن الرئيس الراحل ياسر عرفات، لم يقطع راتب أي موظف على الإطلاق، حتى إنه كان يتعامل مع من يُضبط بتهمة التخابر مع الاحتلال الإسرائيلي بعدم قطع راتبه، فكان أبو عمار يردد عبارة واحدة دائماً، عندما يطرح هذا الموضوع: "وما ذنب أولاده؟".
ذات مرة في عام 1996، جند الاحتلال الإسرائيلي، أحد حراس أبو عمار، وكان يقود الدراجة النارية في موكبه، واكتشفت المخابرات الفلسطينية، أمره، واعتقلته، وكان قد شوهد أثناء أحداث النفق، والاشتباكات مع الاحتلال، يرتدي زي الجيش الإسرائيلي، ويطلق النار على الفلسطينيين، وعندما أبلغوا أبو عمار بالموضوع، لم يقم بقطع راتبه، بل كلف العميد محمد الداية، من الحرس الرئاسي الفلسطيني، بأخذ راتبه كل شهر وتسليمه للعميل في السجن، وفعلاً بقي العميد الداية، لسنوات يقوم بهذا العمل، وكانت السلطة حينها تسلم رواتب الموظفين باليد، وبعد ذلك تحولت إلى البنوك.
وفي حادثة أخرى، سبقت هذا الموضوع، بعد اعتقال العميل عدنان ياسين، قام أبو عمار بتوظيف أولاده في السلطة، وقال نفس الكلمة: "ما ذنب أولاده فيما فعله هو؟".
كان موضوع رواتب الموظفين يحتل أولوية لدى أبو عمار، حتى إنه في أيامه الأخيرة، اتصل بالدكتور سلام فياض، وكان وزيراً للمالية حينها، يوصيه بالاهتمام برواتب الموظفين، وكانت آخر كلماته لمسؤول فلسطيني، بحسب شهادة الدكتور فياض.
أما الآن، فاتبعت السلطة سياسة قطع الرواتب، أحياناً بتقارير كيدية، وأحياناً بتهمة التعامل مع حماس، أو التعامل مع دحلان، وفي الحقيقة، أنه لم يقطع راتب الموظفين بهذه التهم، حتى قال أحدهم، من لا يتعاون مع حماس أو دحلان، تقوم السلطة بالانتقام منه، وهنا يُطرح السؤال، من هو الحاكم الفعلي للسلطة الفلسطينية، هل هي حماس أو دحلان؟
وهذه السياسة الظالمة، لا تتبع في أي مكان في العالم، إلا في السلطة الفلسطينية، حتى في أكثر الدول فساداً وجمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية، فنجد دولاً فقيرة تعتبر رواتب الموظفين مقدسة، ويكون ولاء الموظفين بالكامل لها، على عكس السلطة الفلسطينية، فلا تجد ولاء موظفيها إلا في أدنى مستوياته بسبب سياستها تجاههم.
ومنذ اغتيال الرئيس الراحل أبو عمار، والأجهزة الأمنية الفلسطينية، تعمل بكل جهدها وطاقتها لإحباط أي نتائج في التحقيق باغتياله، لدرجة أنها طاردت فريق قناة (الجزيرة) عندما جاء يصور في مدينة رام الله، وقامت بمضايقات شديدة لهذا الفريق التلفزيوني، وحتى إن الصحفي الإسرائيلي، يوني بن مناحيم، في قناة (كان) الإسرائيلية، نشر منذ أيام، مستغرباً من عدم نشر نتائج التحقيقات الفلسطينية في اغتيال أبو عمار، حتى اليوم.
منذ عدة سنوات، اعتقلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ضابط في الحرس الرئاسي، بتهمة قتل أحد المشتبه فيهم باغتيال أبو عمار، وحينها، حقق معه في السجن، عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح، وأفرج عنه بعد ثلاثة شهور، بدون اتخاذ أي إجراء ضده، وتمت ترقيته لاحقاً، وعندما سألت عضو المركزية عن الموضوع، قال لي: اكتشفت أنه يكذب، ولكن لست من أفرج عنه، إنما رئيس جهاز أمني، هو من أفرج عنه.
أقيمت للمتهم، زفة في قريته، وأطلقوا النار ابتهاجاً بإطلاق سراحه، وتكتمت السلطة على هذا الموضوع أشد التكتم، ولم تذكر اسم القاتل ولا اسم عائلته، لأن عائلته من المتنفذين في السلطة، فأحدهم وزير سابق، ومن أصحاب الأموال.
ما يجري في السلطة الفلسطينية، وإذلالها لموظفيها، تارة بقطع رواتبهم، وتارة بخصومات رواتب موظفي غزة دون وجه حق، لا يؤكد إلا أن بوصلة السلطة، انحرفت عن بناء الدولة، كما حلم أبو عمار، وأننا نتجه نحو إقامة "جمهورية موز".
التعليقات