ظاهرة محبي القاتل و "فانزات" السفاحين!

ظاهرة محبي القاتل و "فانزات" السفاحين!
ظاهرة محبي القاتل و "فانزات" السفاحين!
بقلم: د. جمال نزال

لو لم يكن معظم الأدوار الرئيسية في التاريخ من نصيب القتلة والسفاحين الطغاة لتعذر على كثيرين فهم ظاهرة الاعجاب بالقتلة! هذه علامة عدم النضوج في الوعي واختلال سلم القيم عند أناس اصطفوا عبر التاريخ مع البكايات والنواحين في فيلق المطالبين بالرأفة بالقاتل لأنهم مرشحون ليحذوا حذوه في القريب كما فعلوا بالأمس.

الإعجاب الغامض!

في أفلام الكاوبوي أو ما أسميناه في صبانا "فلم طخ" لا يهم بتاتا أن يكون القاتل على حق أو باطل. المهم أن يكون رشيقا في حركاته أنيقا في مظهره حاسما في غارته بارعا في مناوراته. وكلما خلا قلبه من الرحمة وتعاظم مقدار بطشة وفجوره واستحمكت في كيانه السقيم مظاهر الوحشية وقسوة وتعاظم الوسخ تحت أظفاره ازداد إعجاب الجاهلين به عجبا لا ينم عن احترام وإنما عن توق مبطن في النفس أن تنعتق مثل "انعتاقه" (ولو للحظة) من براثن التقيد بالرحمة والخلق والشهامة. فهذه عند الجاهلين قيود تتوق النفوس الأمارة بالسوء لتحطيمها.

ظاهرة "الفتوات" و مسلحيهم جديدة علينا.

ذات يوم خلال الانتفاضة الأولى كان المجتمع الفلسطيني طاهرا من السلاح الفردي المشبوه. وقد حرمت منظمة التحرير الفلسطينية استخدام السلاح في الانتفاضة الأولى لحماية الشعب من بطش المحتلين. ظل المجتمع نقيا من تأثير سرطانات وأدران المجموعات المسلحة والخارجة على القانون إذ سرعان ما انزلق مخاترها الأغبياء إلى التملك والتربح والاتجار بينما انشغل الوطنيون بالمقاومة النظيفة غير الدنيوية فاستشهدوا أو سجنوا. رؤساء العصابات ممن كرهوا المدارس في صباهم واشتهرو بالعنف وحب المشاجرات وقسوة القلب وغلظة الطبع صاروا "جدعانا" يستأسدون بوسائل النذالة على مستضعفين. كلنا يعرف هذه الظاهرة وما ينتج عنها من أوضار ومضار.

قبل الانتفاضة لم يسمح الاحتلال بالسلاح وبعدها صار يورده للفاسدين!

عندما كان الاحتلال هو الذي يحكم كانت الادارة المدنية تحبس الناس على امتلاك رصاصة واحدة. و لكن عندما صار الحكم وطنيا فلسطينيا صار الاحتلال يورد السلاح للزعران والفاسدين الذين يحمونهم وذلك بهدف إيجاد أشكال من التهديد للحكم الفلسطيني وتعقيد مهمة الأمن الفلسطيني. المنفذ الذي تدخل منه إسرائيل هو فئة المنحرفين الفاسدين المشبوهين وهم قطاعها المريح لتشكيل حالة فلتان تهدد السلطة الوطنية وبرنامجها لا بل صورتها أحيانا. متفقون؟ فاهمون؟ عظيم. والعياذ بالله من جائع شبع فجأة ومن معدم وجد ثراء غامض المصادر و الأسباب ومن طهموس قوم صار من أسياد السفاهة عربيدا ذا مال وجاه. ظاهرة مقرفة يقف وراءها أحيانا أشخاص بديعو المظهر ولهم "عم" لاسمه رنة وحضرة لها طنة وطبول.

لندخل بالموضوع. ظاهرة الإعجاب بالبلطجي كبير ال"عرصات".

لو لم يكن في باطن نفوسنا شيئ من هذا فكيف نكون في مجتمع يحتضن التسلح الفردي غير القانوني؟ وكيف نعتبر الأبهة في اقتناء السلاح الشخصي غير المرخص للزهو بحمله والتباهي بحيازته والتلويح باستخدامه؟ مفاجأة أن نكون كذلك! صح؟

شباب الانتفاضة الأولى طلبوا شيئا واحدا: الشهادة. فتوات الفلتان طلبوا شيئا آخر: سيارة فارهة. بارودة زعران طويلة. بناء شاهقا كالقصر تظنه من بعيد دار الدولة.

هل يعجبنا القاتل سرا ونحن نلعنه علنا؟

"البطل النذل" ومعجبوه

البطل الشهم ممل. البطل النذل مثير.

ولمن شاهد افلام الكاراتيه فإن البطل الشهم يضبط نفسه ولا يثير الاعجاب لأنه يتقي الله. ولكن البطل النذل يضرب شلوتا على الخصيتين. لانه غادر خسيس. و هذا ما يجعل منه نجما مؤقتا يصول ويجول حتى تدوس سلطة القانون على رأسه وتحبسه في مرتبان كذبابة تحوم بلا طنين. في الفلم تجدن الخير ينتصر في النهاية ولكن بعد أن يتمرمط ثمانين ألف مرة ومرتين اثنتين حتى تسقط بغلة من السماء على رأس كبير الأنذال فيموت. وعندها تكون نهاية الفيلم. لماذا ينتهي الفيلم عندما يبدأ السلام وتحل السعادة؟ أحسنتم. لأن التسالي لا تتم إلا برؤية صروح الحق مهدومة والصواب جثة والعدل مسحولا وكرامة الحق مهينة وراية الأخلاق منكسة وجادة الصواب مهجورة. التسالي تتطلب (لدواعي الإثارة) أن يتسيد النذل حتى يأتي حمزة بن عبد المطلب ويصفع أبا جهل حتى يسيل لعابه على لحيته, وحتى يأتي جيمس بوند ويجعل النذل مهروسا تحت قطار ويسقيه من كأس الحمام (بكسر الحاء). الإثارة هي ما نريد. البطل والبطلة في مغايظتها له وملاحقته لها طوال الفيلم. هي تريده هي لا تريده. هي تريده هي لا تريده. هي تريده هي لا تريده. هي تريده. الحمد لله. الفيلم ينتهي عندما تقرر هي أنها تريده فيكتب المؤلف النهاية: وعاشا بسعادة وهناء. ولكن الفيلم يتألف من مشوار التقائهما عبر ألف وادي وقارة وهجران وعذاب. نحن نريد الإثارة في كل شيء. نريد النذل سيدا. نريد كبير قوم ذليلا حتى نرغب بمتابعة الفلم. لهذا نعير قلوبنا للقاتل مؤقتا كي نعذب أنفسنا؟ لا بل لكي نمنح أنفسنا ساعة من التحرر فنسافر في ركابه نتذوق خمور تخطي الممنوعات. نتحرر برهة مما سمعنا في المسجد ومن آبائنا ومن المدرسة. فالخلق عبىء كبير. أما النفس أمارة بالسوء؟ خمس علامات أخرى.

هل ستصير تبعات وعواقب القتل أرخص من الفجل؟

تخيلوا لو لم يكن في الأرض حماة للقانون وجهازا أمنيا وجهازا قضائيا للفصل في النزاعات وتحصيل الحقوق إذا لسال شلال من الدماء بين الناس. الأمن الفلسطيني هو السور الأخير الذي يقينا من الانزلاق النهائي في هذا الوادي السحيق. وادي الفوضى والحروب القبلية العشائرية أحيانا!

أين موطن المشكلة؟

لا يوجد في الإسلام ولا في غيره من الديانات نوازع للرأفة بالقاتل. فخيارت القاتل إما الرجم وإما الشنق وإما قطع الرقبة وذلك من شريعة الإسلام. والرجم في أديان سماوية أخرى أيضا. الرومان عاقبوا بالقتل من خلال إلقاء القاتل فريسة للأسود. فتفترس منه الأحشاء والأعضاء التناسلية أولا وهو يشاهد ويرى بذهول. عقوبة الرجم قديمة أيضا. فيصيب الحجر الأول الكاحل. والحجر الثاني يصيب الركبة. ثم تتسارع الحجارة. أحدها يصيب الأنف. وآخر يصيب الأسنان. وأخر يفقأ العين. ثم العين الأخرى. وهكذا دواليك. ذلك في الأديان السماوية الرحيمة للكل إلا للقاتل. وبعودة للرومان فقد استخدموا الصلب وما أدراك ما الصلب! وفي الغرب استعمل في الولايات المتحدة الكرسي الكهربائي. ذلك موت بشع جدا يستحقه قاتل تعمد القتل. هذه العقوبات من صميم الفطرة السماوية والأنسانية كي تحقق الردع. ليس أقلها قطع الرقبة وجز الرأس. ليس انتقاما بل ليكون عبرة ودرسا مخيفا مؤلما ومروعا رادعا وجزاء يحقق الصدود عن كبائر الذنوب. (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).

وفي الحديث الشريف:

يأتي المقتول متعلقا رأسه بإحدى يديه، متلببا قاتله بيده الأخرى يشخب أوداجه دما، حتى يأتي به العرش، فيقول المقتول لله: رب هذا قتلني، فيقول الله عز وجل للقاتل: تعست، ويذهب به إلى النار".

هذا مع أنني جمال يحافظ على صلاة ويصوم رمضان في حياتي الشخصية إلا أنني أعتز بتقديري للمنهج العلماني في الحياة العامة والسياسات والحكم. ولكني في عقاب القاتلين أصولي متزمت متطرف غير متسامح ولا رحيم أو متفهم ولا متعاطف ولا باحث لأحد عن عذر مخفف بل عن عقاب يهدم من النفوس كل نوازع الشر ومؤصلات الفجور.

القاتل سيشرب من قبل وبعد الحكم عليه فنجان قهوة مدخنا سيغارة من النوع المفضل لديه. سيشاهد التلفاز ويسمع نشرة الأخبار وقد يفتح على روتانا. وسينعم بوجبة ساخنة ومشروب غازي ثم يتجشأ بارتياح ويمط أطرافه تحت لحاف وينام. وعندما يصحوا سيجد في جواله الثمين رسائل من اصدقاء.

في هذه الاثناء سيكون جثمان القتيل تحت الأرض. رطبا. ثم يابسا. ثم جافا. ثم متحللا. ثم متلاش عدما. وفي عيون أطفاله دموع.

هذا سيء. جدا.

استتباب الأمن يستوجب العدالة. فقط

التعليقات