أصالة الجزائر

أصالة الجزائر
عمر حلمي الغول 

الأخوة العربية العربية، أو الصداقة الأممية بين الدول والشعوب تقاس بمدى قوة التضامن والتكافل بين أبناء الشعبين في الملمات والصعوبات والمصائب، التي تصيب هذا الشعب أو ذاك في السراء والضراء. نعم المصالح المتبادلة بين الشعوب والدول والقوى تشكل رافعة لمتانة أو ضعف العلاقات المشتركة، وتنظم العلاقات الثنائية، بيد أن هناك طرازا آخر، يرتكز على العلاقات الكفاحية بين الشعوب، والتي لها التجربة نفسها، وذاقت مرارة وبشاعة ووحشية الاستعمار، مثل هذه الشعوب وقياداتها السياسية لا تنسى تعاضدها وتكافلها، وتلاحمها مع الشعوب المظلومة والمستعبدة، وتقف موقفا مبدئيا في حال وجدت قيادة وطنية وقومية أصيلة. فضلا عن علاقات الأخوة الصادقة والنبيلة والبعيدة عن الحسابات الصغيرة لهذا القائد أو ذاك، أو هذا النظام أو ذاك، هذه العلاقات لا تتوقف أمام المصالح المتبادلة، ولا تنتظر ثمنا لمواقفها تجاه شعب شقيق مظلوم، ويواجه الفناء والتآمر من الأعداء وبعض الأشقاء وعلى مرأى ومسمع العالم كله.

الشعب والقيادة الجزائرية تاريخيا وقفا، وما زالا يقفان وقفة رجل واحد مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، كما قال الرئيس الأسبق هواري بومدين، وكما أكد على ذلك كل الرؤساء الجزائريين من بن بلا حتى الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، جمعيهم وقفوا ببطولة وعلى أرضية الأخوة الصرفة، ومن موقع الكفاح التحرري الواحد، ومن ذات المعاناة، واستنادا إلى الأصالة القومية، والعلاقات الأخوية على الصعد والمستويات كافة. لا سيما أن القيادة والشعب الفلسطيني لا يميزان بين جزائري وجزائري، لأن فلسطين تنظر للجزائر كشعب واحد، من ذات الانتماء والثقافة والمرجعيات الكفاحية والقومية والدينية.

مع أن الشعب الفلسطيني وقيادته لا يميزان بين عربي وعربي، وبين مسلم وآخر وبين صديق أممي وصديق إلا بمقدار تضامنه ووقوفه إلى جانب الحق والقانون والعدالة السياسية، ودعم كفاح الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه السياسية كاملة غير منقوصة. رغم أنها (القيادة) تُدور زوايا، وتتعامل مع الكل العربي من خلفياتها القومية، وعلى أرضية القواسم المشتركة، ومحددات السياسات العربية الرسمية، وتحترم قوانين ومعايير تلك الدول، بيد أنها في الحساب الأخير، تميز بين نظام وآخر، ولا تساوي بين الأنظمة، ويخطئ من يعتقد أن القيادة الفلسطينية لا تميز بين الغث والسمين، وبين السياسات الصائبة والسياسات المجحفة والخاطئة، بين من يدعم فلسطين من موقع الانتماء، ودون حسابات صغيرة، أو بهدف السيطرة والسطو على القرار الوطني. طبعا في العلاقة مع الشعوب تنتفي هذه المعادلة، وتتعامل مع الأشقاء بذات السوية، وعلى أرضية التكامل، حتى لو وقع نفر منهم لاعتبارات المال السياسي أو حسابات ضيقة، فلا تعتبر تلك المجموعات الصغيرة والمتناثرة هنا وهناك أنها تمثل مجموع الشعب هنا أو هناك.  

الشعب الفلسطيني أسوة بكل الشعوب العربية وفي العالم، هو شعب تعددي، وفيه مختلف التلاوين الفكرية والعقائدية والسياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، هذا إن بقي لهذه التوصيفات مكانة بالمعايير العامة، وبالتالي الفلسطينيون ليسوا استثناءً عن الشعوب، وعلى الأنظمة العربية التعامل معهم، إذا كانوا حقيقة يعترفون بالهوية وبالدولة الفلسطينية، ويعتبرون القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية فواجبهم إذاً السماح للفلسطيني بالدخول أو الخروج من مطاراتهم أسوة بكل العرب والأجانب، والآن أسوة بالأعداء الإسرائيليين، الذين يجوبون مطارات الدول العربية بامتيازات وحفاوة غير مسبوقة. لكن الغالبية العظمى من الدول العربية لا تتعامل مع الفلسطيني على هذا الأساس، بل إنها تعتبره من الدرجة الثالثة أو الرابعة، وتمارس ضده أبشع صنوف التمييز والتحقير في مطاراتها بذرائع واهية ومفبركة وغبية، لا تمت لحقوق الإنسان بأي معيار من المعايير. مع أن الفلسطيني وبغض النظر عن المكان، الذي يقيم فيه يهتف بحياة العرب جميعا، ويحرص على العلاقات الأخوية الطيبة معهم، وينظر لأشقائه ولمن يعيش بين ظهرانيهم بعين الاعتزاز.

لكن الجزائر الشعب والنظام والثورة لم تقع يوما في هكذا سياسة تمييزية، لا بل تعاملت مع الفلسطيني بمنتهى المودة والاحترام والتقدير. ومن المواقف المشرفة والرائعة، التي تعكس أصالة ونبل الشعب والقيادة الجزائرية وعلى رأسهم الرئيس عبد المجيد تبون، الذي رفض مهانة أبناء الشعب الفلسطيني في مطار القاهرة الدولي، وقام بنقل الفلسطينيين وعلى نفقة الدولة إلى الجزائر، وأصدر أمرا بإقامتهم في فنادق خمس نجوم وعلى نفقة الجزائر أيضا، واتخذ إجراءات عقابية ضد شركة الطيران المصرية ردا على الخطيئة، التي ارتكبوها. كيف للشعب الفلسطيني أن ينسى هذه اللمسات الصغيرة، والكبيرة في دلالاتها السياسية والقومية والإنسانية، كل الحب والتقدير والاحترام للجزائر الشقيقة شعبا وحكوما ورئيسا، وكل المحبة والتقدير لكل عربي وقف ويقف ويتعامل بود واحترام أخوي مع المواطن الفلسطيني في المطار أو في أي مكان. وأتمنى على الأنظمة العربية الأخرى، التي تخشى “البعبع” الفلسطيني أن تعيد النظر بسياساتها، وأن توقف مهزلة الإجراءات اللاإنسانية تجاه المواطن الفلسطيني، وامنحونا فرصة لأن نحبكم، ونعمق روابطنا القومية الأخوية معكم، ولا تكفرونا بأنظمكتم. رحمة الله على زعيم الأمة الخالد، جمال عبد الناصر وعلى كل زعيم عربي وقف إلى جانب فلسطين الأرض والشعب والقضية، وحارب الاستعمار من أجل تحررها، وتحرر الأمة، وحماية أمنها القومي.

التعليقات