ترميم البيت الداخلي أولاً

ترميم البيت الداخلي أولاً
ترميم البيت الداخلي أولاً
مهند عبد الحميد

تتواصل مساعي رأب الصدع في البيت الفلسطيني، ويبدو ان اتفاق «فتح» و»حماس» هو الأساس الذي سيتم البناء فوقه عملياً. في هذا المجال  تقول المعلومات المتداولة أن اتفاق التنظيمين على إجراء انتخابات  متعاقبة للمجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني خلال الشهور الستة القادمة، والاتفاق على قوائم انتخابات نسبية. لكن نقطة الالتقاء الاهم بين التنظيمات الفلسطينية هي مواجهة خطر صفقة القرن واتفاقات التطبيع بين دول عربية ودولة الاحتلال بغطاء من جامعة الدول العربية. تلك الاتفاقات التي تشكل جزءا من صفقة ترامب والتي وضعت الشعب الفلسطيني في ظل شروط بالغة التعقيد والخطورة، ووضعت كافة التنظيمات السياسية أمام تحديات خارجية وداخلية غير مسبوقة.
تجربة الاتفاقات السابقة غير مشجعة وما زال فشلها المتكرر يُخيم على المسعى الجديد، حيث تسود  شكوك او عدم يقين بجدية الاتفاقات والاجتماعات الحالية، ما لم تنتقل الى حيز التطبيق. هذا هو لسان حال الرأي العام الفلسطيني. ولا شك، يوجد وجاهة في مواقف المتشككين بعد سلسلة الاخفاقات، سيما  وأن المتدخلين في الشأن الفلسطيني كثر ويملكون وسائل التعطيل اذا كان لم الشمل الفلسطيني يمس أجنداتهم. رغم وجود احتمالات التعطيل الخارجي، إلا ان الخطر الذي يستهدف الكل الفلسطيني ويستدعي تنظيم الجهود المشتركة لتقوية الصمود من المتوقع ان يتغلب على محاولات الكبح الخارجي. في كل المرات السابقة كان هناك طرف فلسطيني يستجيب للضغوط والتدخلات الخارجية، ما أدى الى فشل الاتفاقات. في هذه المرة وأمام خطر تصفية القضية الوطنية، لا أعتقد نشوء استجابة فلسطينية. المهم بقاء الموقف الفلسطيني  موحداً وصلباً ومتماسكاً، وسيكون قادراً على مواجهة الكبح سيما وانه سيحظى بتأييد شعبي فلسطيني واسع.
كي لا تكون الوحدة في إطار المؤسسة الفلسطينية بلا مضمون، سيما وان تجربتي الانتفاضتين 1987 و2000 لم تكونا ناجحتين وبخاصة بعد  دخول التنظيمات الإسلامية (حماس والجهاد) على خط النضال المشترك. وكان سبب الفشل عدم التمييز بين البرنامج الخاص بكل تنظيم، والبرنامج المشترك الذي غالبا ما يتراوح بين الحد الأدنى بالنسبة للبعض والحد الأقصى بالنسبة للبعض الآخر. برنامج الحد الأدنى المشترك لا يكون حصيلة قاسم مشترك معزول عن الواقع وعن إمكانيات تحققه في المدى المباشر والمتوسط، كما لا يكون مرفوضا من الشرعية العربية  - رغم أنها مثلومة الآن- والشرعية الدولية رغم عمليات تعطيلها وتجاوزها من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة وبخاصة إدارة ترامب التي وجهت لها ضربات شديدة. ومن المفترض أن لا يكون البرنامج المشترك متناقضا مع القانون الدولي والاتفاقات والمعاهدات المنبثقة عنه، كاتفاقيات جنيف وشرعة حقوق الإنسان واتفاقية سيداو وغير ذلك. ومن الطبيعي ان لا يخضع البرنامج المشترك لايديولوجيا تُحَرِّم هذا ولا تجيز ذاك، فالايديولوجيا وتحديدا الدينية تقيد السياسة وتشكل عائقاً أمام تفعيلها وانطلاقها. فالحديث مثلاً ان فلسطين «أرض وقف اسلامي» يحول الصراع الى صراع ديني لا حل له. كما أن رفض القرارات الدولية المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يُخرج النضال الفلسطيني من الإطار الشرعي، الى إطار معزول ومحاصر وغير مدعوم.
السؤال، ما هو البرنامج المشترك الذي تقبل به جميع القوى السياسة المؤتلفة في إطار جبهة متحدة، هي في الواقع (م.ت.ف)؟. لا يمكن الحديث عن وحدة ونضال مشترك بدون تحديد برنامج الحد الأدنى المشترك. وفقاً للمعايير السابقة، أعتقد ان ما حددته وثيقة إعلان الاستقلال الصادرة عن المجلس الوطني في العام 1988 ما زالت تحتفظ بصلاحيتها كبرنامج مشترك، في الوقت الذي تستطيع فيه التنظيمات العمل على برامجها الخاصة والاستقطاب على أساسها، انسجاما مع التعدد السياسي والديمقراطية.
الانتخابات عنصر أساسي من عناصر الديمقراطية وليست عنصراً وحيداً بالطبع، كما يجري التعامل معها لغاية السيطرة. هناك عناصر اخرى اهمها احترام البرنامج المشترك والعمل على انجاحه، واحترام النظام والقانون والمؤسسات العامة، والتبادل السلمي للسلطة، والحق في التعبير والاختلاف. على سبيل المثال أجهزة الامن والشرطة المعنية بالدفاع عن النظام وتطبيق القانون من المفترض ان لا تؤتمر من التنظيمات خارج المؤسسة وان لا تكون متعصبة تنظيميا، وان تكون مستعدة لنقل السلطة لتنظيمات اخرى فائزة في الانتخابات. ان تجربة الاستلام والتسليم  للمؤسسات في انتخابات 2006 كانت فاشلة، والمسؤول عن فشلها أولاً حركة فتح. وقبل ذلك كان التعامل مع المرجعية (م.ت.ف) وقراراتها  فاشلا والمسؤول عن فشلها حركة حماس، وكان التعامل بين الرئاسة والحكومة والمجلس التشريعي فاشلاً والمسؤولية تقع على التنظيميين مع رجحان كفة «حماس» التي اعتقدت ان حصولها على أكثرية المجلس التشريعي يخولها لفرض برنامجها الخاص ويمنحها سلطة القرار، علماً ان التراجع عن اتفاق أوسلو يُقرر في المجلس الوطني بثلثي الأصوات وليس في المجلس التشريعي. الآن من المفترض ان لا يتكرر ما حدث في العام 2006. باتفاقات واضحة تحدد الادوار والمسؤوليات في إطار قانوني وأنظمة ملزمة. لا شك ان العملية صعبة ولكن عندما يتم وضع معايير ونواظم مهنية متفق عليها، وعندما توضع المؤسسات في خدمة المواطنين  وليس في خدمة التنظيمات ونخبها.
وهذا يطرح إعادة بناء المؤسسات الحكومية والعامة على أساس الكفاءة وليس الولاء، وإعادة بناء الأجهزة كجهاز القضاء وأجهزة الأمن، بما في ذلك إعادة النظر في الأنظمة والقوانين التي تُشَغلِها. بحيث تصبح في خدمة المواطنين، بقطع النظر عن القوى السياسية التي تسيطر على الحكومة. وهذا يطرح سؤالاً، هل ستبقى المرجعية الامنية في غزة «كتائب القسام» وفي الضفة أجهزة الأمن المرتبطة بحركة فتح، ام الشرطة التي من المفترض ان تكون مستقلة وتعمل في خدمة المواطنين؟ وتابعة لوزارة داخلية مستقلة. وهل يمكن  لهيئة الإذاعة والتلفزيون ان تكون للشعب والوطن بدلاً من  تنظيم واحد. إن واقع المؤسسات في الضفة والقطاع يتناقض مع افتراض أنها في خدمة المواطنين وتعبر عنهم وعن احتياجاتهم. بدون ذلك من الصعب تجسيد الوحدة على الأرض. الخطر والرد الموحد عليه يستدعي وقفة مع التجربة في نجاحها وفشلها يستدعي التراجع عن الأخطاء والتشوهات التي أضعفت الصمود والمقاومة، بدون تنازلات متبادلة يفرضها الانحياز للمصلحة الوطنية العليا ولحاجة السواد الأعظم من الناس. كما أننا بحاجة الى رقابة وتدخل ونقد الإعلام والثقافة والأكاديميا والمنظمات الحقوقية والإنسانية.
[email protected]

التعليقات