المجتمع الإسرائيلي إلى أين؟

المجتمع الإسرائيلي إلى أين؟
المجتمع الإسرائيلي  إلى أين؟

الكاتب : د. علي الأعور

على مدى عامين تقريبا وتعيش المؤسسة السياسية في إسرائيل ازمة سياسية كبيرة حيث لم يتمكن احد الأحزاب وخاصة حزب الليكود بزعامة نتنياهو من تشكيل حكومة يمينية وبالتالي حاول انقاذ نفسه  وليس حزب الليكود بالشراكة مع حزب " ازرق ابيض" بزعامة بيني غانتس  الذي لم يتوان لحظة في قبول الهدية الكبيرة بالنسبة له وهي رئيس حكومة إسرائيل بالوكالة او التناوب مع نتنياهو بالإضافة الى وزارة الدفاع الإسرائيلية على الرغم من فقدانه للقوة السياسية والجماهيرية التي منحته تلك الأصوات والقوة في الكنيست الإسرائيلي وادت في النهاية الى تفكيك قائمة ازرق ابيض وانهاء الشراكة مع يائير لبيد زعيم حزب " يوجد مستقبل" 

وأصبحت الخارطة السياسية في إسرائيل تمثل مجموعة من الأحزاب والتي يمكن تقسيمها الى اليسار واليمين وبشكل او باخر في نظرتها تجاه الاحداث السياسية وتجاه ملفات الفساد المتهم بها نتنياهو وخاصة ملف الرشوة فقد أصبحت المنظومة السياسية متعادلة في إسرائيل دون ان يتمكن اليسار او اليمين من تحقيق اغلبية في الكنيست الإسرائيلي اذا اعتبرنا الخلاف الشخصي بين نتنياهو وليبرمان قد حول الأخير الى اليسار في السلوك وليس في الأيديولوجيا.

وهذا شيء طبيعي في عالم السياسة في الكثير من الدول البرلمانية والتي تقوم على الانتخابات  في أوروبا تحديدا ولكن الشيء الأهم هو تأثير وجود نتنياهو على راس السلطة في إسرائيل رغم اتهامه بملفات فساد من قبل المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية " افيحاي مندلبليت" ومدى انعكاس ذلك على مكونات المجتمع الإسرائيلي  من خلال ما يدور على الأرض و المواجهات بين شريحتين في المجتمع الإسرائيلي واحدة تمثل  " اليسار الإسرائيلي بالمفهوم الاجتماعي وليس السياسي  بثقافته وفكره الاجتماعي  و هويته الاجتماعية وهي ممثلة بطبقة " الاشكنازيم " أي اليهود الغربين ومعهم  جزء من اليهود الشرقين الدين يؤمنون بمفاهيم وفكر وثقافة اليهود الغربين فيما يتعلق بالديموقراطية  و تطبيق القانون. اما الطبقة الثانية فهي من  اليهود الشرقيين " السفارديم" ممثلة بثقافة شريحة اجتماعية معينة بهويتها وفكرها الاجتماعي .

وهنا يبرز السؤال الكبير و المهم : الى اين يتجه المجتمع الإسرائيلي اجتماعيا؟ هل تمثل الهوية الاجتماعية لطبقات معينة في المجتمع الإسرائيلي  توجها نحو الحكم والسلطة والسيطرة على الحكومة الإسرائيلية والكنيست الإسرائيلي؟ ما مدى انعكاس هذه المواجهة الاجتماعية على تغيير النظام السياسي في إسرائيل ونظام الانتخابات ؟ هل تساهم هده المواجهة الاجتماعية الى الإسراع في الانتخابات القادمة في إسرائيل؟

والحديث هنا عن المظاهرات التي بدأت قبل عدة اشهر واطلق أصحابها ومنظموها على انفسهم " أصحاب  الرايات السوداء" وقد رفعوا الرايات السوداء في إشارة الى قتل الديموقراطية في إسرائيل من قبل نتنياهو على أساس ان نتنياهو مازال على رأس الحكومة الإسرائيلية على الرغم من اتهامه رسميا بملفات الفساد وشارك الالاف من الجمهور الإسرائيلي في تلك المظاهرات وكانت  في شارع بلفور امام مقر الحكومة الإسرائيلية حيث إقامة نتنياهو او امام منزله في قيسارية ومهما يكن من امر فان أصحاب الرايات السوداء يمثلون شريحة اجتماعية معينة أعلنت رفضها لنتنياهو وطالبت نتنياهو بالاستقالة ورفعت شعار " ارحل نتنياهو" وأعلنت تلك الشريحة الاجتماعية بفكرها وثقافتها الاجتماعية انها ماضية في المظاهرات حتى استقالة نتنياهو على الرغم من ان نتنياهو قد استخدم أنظمة الطوارئ لمواجهة كورونا في تقييد المظاهرات وحصل على مصادقة الحكومة الإسرائيلية على تلك التقييدات ولكن ارتفعت أصوات من حزب " ازرق ابيض" ضد تلك التقييدات وأعلنت رفضها وكان اخرها استقالة وزير السياحة من حزب ازرق ابيض " اساف زامير " الذي اعلن انه لن يستمر في العمل تحت قيادة نتنياهو حيث الاهتمام داخل الحكومة بقضايا شخصية وليست قضايا تخص الجمهور الإسرائيلي.

وانعكست تلك المظاهرات  التي تحمل طابع سياسي واجتماعي على أعضاء الكنيست حيث رفض اثنان من أعضاء حزب ازرق ابيض التصويت لصالح الائتلاف الحكومي بين نتنياهو وغانتس واعلنوا رفضهم لكل التقييدات ضد المظاهرات والمتظاهرين  وقد شكلت تلك المظاهرات هاجس سياسي واجتماعي لدى نتنياهو لدرجة انه وفقا للأعلام الإسرائيلي جميع القيود وأنظمة الطوارئ التي تتبع لمواجهة ازمة كورونا تحمل عنوان وهدف واحد فقط وهو " وقف المظاهرات ومنع انتشارها في مناطق مختلفة في إسرائيل.

ومهما يكن من امر... فان تلك المظاهرات التي يقودها أصحاب الرايات السوداء على الجسور وفي مفترقات الطرق ويوم امس كانت بالألاف  فهي بلا شك تشكل بداية  توجه جديد داخل المجتمع الإسرائيلي وهو بداية انقسام داخل المنظومة الاجتماعية  في إسرائيل وخصوصا فيما يتعلق برفض نتنياهو من جهة وبقاءه في السلطة مقابل توجه وشريحة اجتماعية كبيرة تدعم نتنياهو  لصالح مكاسب سياسية  وايديولوجية على حساب القيم والقانون التي  يتم تداولها في داخل مكونات المجتمع الإسرائيلي وهي ضرورة الحفاظ على الديموقراطية وتطبيق القانون  وبالتالي فهم يرفضون محاكمة نتنياهو  ولا يعترفون حتى بالتهم الموجه لديه وليست لديهم قناعة كافية  بان نتنياهو متهم بملفات الفساد واشهرها ملف الرشوة المعروف بملف 4000 وهو اخطر الملفات الأخرى المتهم بها نتنياهو.

وأخيرا ... ربما لم تتبلور بعد تلك المواجهات  الاجتماعية والفكرية داخل المجتمع الإسرائيلي  بين تلك المكونات الاجتماعية المتعددة والمختلفة في الثقافة  والفكر الاجتماعي والسياسي  وان كانت الخلافات السياسية  تسيطر على المنظومة الاجتماعية في إسرائيل  الا ان السؤال الدي يتم طرحه الان : هل تشكل تلك المواجهات الاجتماعية  ومن خلفها الخلافات السياسية  بداية انقسام داخل المجتمع الإسرائيلي؟ ام يتم تداركها من قبل المؤسسة السياسية والأمنية وتقرر الإسراع بالذهاب الى انتخابات جديدة في إسرائيل؟

*باحث ومختص بالشأن الإسرائيلي  

التعليقات