النظام السياسي الألماني: موافقة ناجحة بين منطق الفيدرالية واستحقاقات التاريخ
قرار المستشار الألماني بحل حكومته وإجراء انتخابات تشريعية اتحادية قبل عام من موعدها المحدد يظهر مدى تعقيد وتداخل اختصاصات الهيئات الدستورية الألمانية. التحليل التالي يلقي الضوء على آلية صناعة القرار السياسي الألماني.
تتكون جمهورية ألمانيا الاتحادية، كما يتبين من اسمها من اتحاد عدة ولايات، ووفقاً لمعطيات النظام الاتحادي (الفيدرالي) الألماني فإن الولايات الألمانية الست عشرة لا تتمتع بصفة الإقليم، بل تعد مثابة دولاً تتمتع بسلطات مستقلة. فلكل ولاية دستورها الخاص الذي يجب أن يتطابق مع الأسس الجمهورية والديمقراطية والاجتماعية لدولة القانون حسبما يعرفها الدستور الألماني. الهدف الأسمى الذي يهدف الدستور الألماني في تحقيقه يتمثل في العمل على تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات والظروف المعيشية لجميع الألمان. وفيما عدا ذلك فللولايات الألمانية مطلق الحرية في صياغة دستورها بالشكل الذي تراه مناسباً. ويعد مبدأ الدولة الاتحادية أحد الأسس الدستورية التي لا يجب المساس بها. ولكن من الممكن إعادة تقسيم الولايات، بناء على تغييرات جديدة في الحدود بين الولايات، طالما أن المواطنين المعنيين يرغبون في ذلك.
ولادة الدستور الألماني من رحم التاريخ
يعد القانون الأساسي (الدستور) أكثر أنظمة الحكم التي تتمتع بالمصداقية واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين في تاريخ ألمانيا، وهو يستند على الميثاق الأممي لحقوق الإنسان. كما أنه يضمن للمواطنين الألمان الأمان الاجتماعي، لأن المادة 20 منه تنص على أن "جمهورية ألمانيا الاتحادية (الفيدرالية) دولة ديمقراطية واجتماعية". ويحظى القانون الأساسي بقبول كبير لم يشهده أي دستور سابق لدى المواطنين الألمان، رغم أن هذا الدستور كان في البداية مجرد صيغة مؤقتة، واُكتفي لذلك بتسميته بـ"القانون الأساسي".
يشكل المستشار الاتحادي مع الوزراء الاتحاديين الحكومة الاتحادية، أي مجلس الوزراء الاتحادي. ويتمتع المستشار الاتحادي داخل الحكومة الاتحادية وأمام الوزراء الاتحاديين بمكانة مستقلة رفيعة. فهو يرأس مجلس الوزراء، وله وحده الحق في تشكيل مجلس الوزراء، فهو يختار الوزراء ويطرح على الرئيس الاتحادي اقتراحات ملزمة بتعيين الوزراء أو إعفائهم من مناصبهم. إضافة إلى ذلك يحدد المستشار عدد الوزراء ومجالات اختصاصهم. وتستند قوة منصب المستشار الاتحادي في المقام الأول إلى أنه يملك "صلاحية تحديد توجهات السياسة العامة" وفقاً للدستور، والتي تتحدد على أساسها التوجهات العامة لسياسة الحكومة. وفي إطار هذه التوجهات العامة يقوم الوزراء الاتحاديون بإدارة اختصاصاتهم باستقلالية و يتحملون مسئولية عمل وزاراتهم.
وعلى أرض واقع عملية صناعة القرار السياسي يتوجب على المستشار الاتحادي أن يراعي اتفاق البرنامج الحكومي مع الحزب الآخر المشارك في الإئتلاف الحكومي، وأن يقنع تكتل الأغلبية داخل البرلمان بسياسته (أغلبية المستشار). كما ينبغى الإشارة إلى أن المستشار الاتحادي هو عضو الحكومة الوحيد المنتخب من قبل البرلمان، ولذلك فهو مسئول في المقام الأول أمام البرلمان الاتحادي (البوندستاغ). ولكن الوزراء الاتحاديين يعدون أيضا مسئولين أمام البرلمان بصورة غير مباشرة.
تجنب أخطاء الماضي
وصول النازيين إلى سدة الحكم في عام 1933 بعد استغلالهم لنقاط ضعف نظام جمهورية فايمار، التي كانت أول دولة ديمقراطية في التاريخ الألماني، دفع آباء القانون الأساسي إلى سن تشريع يهدف إلى تجنب تكرار أخطاء دستور جمهورية فايمار. هذا التشريع يمنع قوى المعارضة من إسقاط الحكومة، دون أن تكون قادرة على تشكيل إئتلاف حكومي بديل لها.
تتكون جمهورية ألمانيا الاتحادية، كما يتبين من اسمها من اتحاد عدة ولايات، ووفقاً لمعطيات النظام الاتحادي (الفيدرالي) الألماني فإن الولايات الألمانية الست عشرة لا تتمتع بصفة الإقليم، بل تعد مثابة دولاً تتمتع بسلطات مستقلة. فلكل ولاية دستورها الخاص الذي يجب أن يتطابق مع الأسس الجمهورية والديمقراطية والاجتماعية لدولة القانون حسبما يعرفها الدستور الألماني. الهدف الأسمى الذي يهدف الدستور الألماني في تحقيقه يتمثل في العمل على تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات والظروف المعيشية لجميع الألمان. وفيما عدا ذلك فللولايات الألمانية مطلق الحرية في صياغة دستورها بالشكل الذي تراه مناسباً. ويعد مبدأ الدولة الاتحادية أحد الأسس الدستورية التي لا يجب المساس بها. ولكن من الممكن إعادة تقسيم الولايات، بناء على تغييرات جديدة في الحدود بين الولايات، طالما أن المواطنين المعنيين يرغبون في ذلك.
ولادة الدستور الألماني من رحم التاريخ
يعد القانون الأساسي (الدستور) أكثر أنظمة الحكم التي تتمتع بالمصداقية واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين في تاريخ ألمانيا، وهو يستند على الميثاق الأممي لحقوق الإنسان. كما أنه يضمن للمواطنين الألمان الأمان الاجتماعي، لأن المادة 20 منه تنص على أن "جمهورية ألمانيا الاتحادية (الفيدرالية) دولة ديمقراطية واجتماعية". ويحظى القانون الأساسي بقبول كبير لم يشهده أي دستور سابق لدى المواطنين الألمان، رغم أن هذا الدستور كان في البداية مجرد صيغة مؤقتة، واُكتفي لذلك بتسميته بـ"القانون الأساسي".
ويجدر بالذكر في هذا الصدد أن الدستور الألماني وُلد من رحم أنقاض الحرب العالمية الثانية، وتمت صياغته في عام 1949 من أجل وضع حجر الأساس لنظام سياسي ديمقراطي جديد قادر على مواجهة "أعداء الديمقراطية والحرية" وذلك "لفترة انتقالية".
وعلى الرغم من ذلك فقد ظل الشعب الألماني مطالبا في ديباجة المبادئ العامة للقانون الأساسي "بحرية تقرير المصير وإتمام حرية ووحدة ألمانيا".
كما انه اصر على أن تتم وحدة البلاد المقسمة إلى جزأين غربي وشرقي في أقرب وقت ممكن، وذلك بهدف صياغة دستور حر مشترك بعد إتمام الوحدة.
مكانة مستقلة ورفيعة للمستشار
مكانة مستقلة ورفيعة للمستشار
يشكل المستشار الاتحادي مع الوزراء الاتحاديين الحكومة الاتحادية، أي مجلس الوزراء الاتحادي. ويتمتع المستشار الاتحادي داخل الحكومة الاتحادية وأمام الوزراء الاتحاديين بمكانة مستقلة رفيعة. فهو يرأس مجلس الوزراء، وله وحده الحق في تشكيل مجلس الوزراء، فهو يختار الوزراء ويطرح على الرئيس الاتحادي اقتراحات ملزمة بتعيين الوزراء أو إعفائهم من مناصبهم. إضافة إلى ذلك يحدد المستشار عدد الوزراء ومجالات اختصاصهم. وتستند قوة منصب المستشار الاتحادي في المقام الأول إلى أنه يملك "صلاحية تحديد توجهات السياسة العامة" وفقاً للدستور، والتي تتحدد على أساسها التوجهات العامة لسياسة الحكومة. وفي إطار هذه التوجهات العامة يقوم الوزراء الاتحاديون بإدارة اختصاصاتهم باستقلالية و يتحملون مسئولية عمل وزاراتهم.
وعلى أرض واقع عملية صناعة القرار السياسي يتوجب على المستشار الاتحادي أن يراعي اتفاق البرنامج الحكومي مع الحزب الآخر المشارك في الإئتلاف الحكومي، وأن يقنع تكتل الأغلبية داخل البرلمان بسياسته (أغلبية المستشار). كما ينبغى الإشارة إلى أن المستشار الاتحادي هو عضو الحكومة الوحيد المنتخب من قبل البرلمان، ولذلك فهو مسئول في المقام الأول أمام البرلمان الاتحادي (البوندستاغ). ولكن الوزراء الاتحاديين يعدون أيضا مسئولين أمام البرلمان بصورة غير مباشرة.
تجنب أخطاء الماضي
وصول النازيين إلى سدة الحكم في عام 1933 بعد استغلالهم لنقاط ضعف نظام جمهورية فايمار، التي كانت أول دولة ديمقراطية في التاريخ الألماني، دفع آباء القانون الأساسي إلى سن تشريع يهدف إلى تجنب تكرار أخطاء دستور جمهورية فايمار. هذا التشريع يمنع قوى المعارضة من إسقاط الحكومة، دون أن تكون قادرة على تشكيل إئتلاف حكومي بديل لها.
وعلى وجه الدقة فلا بد للبرلمان الاتحادي الذي يريد حجب الثقة عن المستشار من أن يختار في نفس الوقت بأغلبية أصواته خلفا لهذا المستشار.
والجدير بذكره في هذا السياق هو أنه جرت محاولتان سابقتان لإسقاط المستشار الاتحادي من خلال "حجب الثقة البنّاء" وفقاً لمادة الدستور67، ولم يُكتب النجاح سوى لواحدة منهما: فمن خلال حجب الثقة عن المستشار الأسبق هيلموت شميت في أكتوبر/تشرين الأول 1982 أصبح هيلموت كول خلفا له وترأس تحالفاً بين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر حكم ألمانيا حتى عام 1998.
دور مجلس الولايات
يمثل مجلس الولايات (البوندسرات) الولايات الست عشرة ويعبر عن العناصر الفيدرالية المكونة للدولة الاتحادية، كما أنه يتكون من أعضاء ترسلهم حكومات الولايات.
دور مجلس الولايات
يمثل مجلس الولايات (البوندسرات) الولايات الست عشرة ويعبر عن العناصر الفيدرالية المكونة للدولة الاتحادية، كما أنه يتكون من أعضاء ترسلهم حكومات الولايات.
ولكل ولاية ثلاثة إلى ستة أصوات تبعا لعدد سكانها. ومن خلال مجلس الولايات تشارك الولايات في صوغ وتشريع القوانين وإدارة شؤون جمهورية ألمانيا الفيدرالية.
ولا يعد مجلس الولايات هيئة تابعة للولايات، بل هو هيئة فيدرالية تضطلع فقط باختصاصات اتحادية. ونظراً للتشكيلات السياسية الحزبية المختلفة في الاتحاد والولايات، فإنه يمكن لمجلس الولايات أن يحقق نوعاً من التوازن السياسي، كما يمكن استخدامه كأداة للمعارضة من أجل إعاقة العمل السياسي للحكومة الاتحادية، وهو ما تكرر في السنوات الأخيرة حيث تحتل المعارضة أغلبية مقاعد مجلس الولايات، وعلى هذا النحو تحد من قدرة الحكومة الاتحادية على تمرير قوانين مهمة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن رؤساء حكومات الولايات يتولون رئاسة هذا المجلس بالتناوب وفق نظام دوري محدد، ويُنتخب الرئيس لمدة عام واحد يضطلع فيه بالصلاحيات المخولة لرئيس الجمهورية، في حالة عجز الأخير عن القيام بمهامه.
منطق النظام الفيدرالي وخطر "الشلل السياسي"
تجرى الانتخابات الاتحادية لمجلس النواب الألماني (البوندستاغ) في العادة كل أربع سنوات، ووفقاً للفترة النيابية الحالية فمن المقرر إجراء الانتخابات القادمة في نهاية عام 2006. ولكن إمكانية الانتخابات المبكرة تبقى موجودة في حالة وجود ظروف استثنائية مثل حالة الشلل السياسي العام الناتج عن هيمنة المعارضة المحافظة على مجلس الولايات وغياب أرضية شعبية تؤيد سياسية المستشار الإصلاحية.
منطق النظام الفيدرالي وخطر "الشلل السياسي"
تجرى الانتخابات الاتحادية لمجلس النواب الألماني (البوندستاغ) في العادة كل أربع سنوات، ووفقاً للفترة النيابية الحالية فمن المقرر إجراء الانتخابات القادمة في نهاية عام 2006. ولكن إمكانية الانتخابات المبكرة تبقى موجودة في حالة وجود ظروف استثنائية مثل حالة الشلل السياسي العام الناتج عن هيمنة المعارضة المحافظة على مجلس الولايات وغياب أرضية شعبية تؤيد سياسية المستشار الإصلاحية.
ولكن القرار النهائي في هذا الصدد يبقي في يد الرئيس الألماني هورست كولر.
ويتوقع أن يستغل المستشار شرودر الإمكانيات التي يتيحها الدستور له، وأن يطلب من البرلمان طرح "سؤال الثقة حول حكومته"، وفي هذه الحالة "تتعمد" الحكومة أن تهزم لتفقد أغلبيتها، وهكذ يصبح أمام الرئيس كولر مهلة21 يوماً لتحديد ما إذا كان سيحل البرلمان ويفتح الطريق أمام انتخابات برلمانية مبكرة في خريف هذا العام.
التعليقات