الانتخابات إِنْ جَرَتْ

الانتخابات إِنْ جَرَتْ
الانتخابات إِنْ جَرَتْ
عبد المجيد سويلم

كما هو معروف توجد في الساحة الوطنية وُجهات نظر، وآراء مختلفة حول مبدأ إجراء الانتخابات، وحول جدوى هذه الانتخابات، وحول أهميتها وضرورتها في كل الظروف والمراحل، أو في بعض المفاصل والاستعصاءات، بالرغم من كل المعوقات والصعوبات.

وفي بعض تفاصيل وشروحات هذه المسألة المهمة والحيوية يوجد من لا يرى لها أي أهمية لما تكرّسه من «شرعية» للاحتلال، أو شرعية للاتفاقيات التي أنجبت هذه الانتخابات، ويرى هؤلاء أن إجراء الانتخابات يعطي للاحتلال وللاتفاقيات شرعية لا يجوز أن تعطى أبداً وبالمطلق.

وهناك من يعتقد من زاوية أخرى أن عقد الانتخابات في هذه الظروف، وفي هذه المرحلة بالذات دون توافق وطني كامل ومتكامل سيؤدي ليس فقط إلى تكريس حالة من الشرعية للاتفاقيات وإنما سيكرس الانقسام نفسه ويحوله إلى حالة انفصال «مشرعنة».

وسواء اتفقنا أو اختلفنا على صحة أو دقة هذه الاعتبارات، فإنها وجهات نظر وآراء يجب أن تُحترم وتصان في إطار تقاليد العمل الديمقراطي الفلسطينية.

الانتخابات المزمع إقامتها، والتي نتحدث عنها اليوم، هي انتخابات من المفترض التوافق الوطني الشامل عليها، وهي تأتي كما هو متوقع في إطار وكنتيجة لحوار جرى حتى الآن بين حركتي «حماس» و»فتح»، ومن المؤمّل أن تستكمل في جلسات حوار وطني وتوافقات، وكذلك في إطار تصديقات من اجتماع قادم، أو اجتماعات قادمة للأمناء العامين لـ [أربع عشرة منظمة وحزباً وفصيلاً سياسياً فلسطينياً].

كذلك فإن هذه الانتخابات تأتي في ظرف سياسي حساس لجهة تحللات فعلية وحقيقية من اتفاقيات أوسلو، حتى وإن لم تستكمل بعد، أو لم تستكمل بصورة نهائية وقطعية، لأسباب عملية معروفة.

لا يجوز لأحد أن يغض الطرف عنها كليا، أو أن يتعامى عنها، أو أن يعزل بعض مضامينها عن الواقع، وخصوصاً الواقع الذي يتصل بمصالح حيوية لفئات وقطاعات واسعة في المجتمع.

أهمية هذه الانتخابات لا تقتصر هذه المرة على إقامتها في ظل توافق مفترض، وإنما في ظل احتياجات وطنية حيوية وجوهرية أكثر من أي انتخابات أخرى.

وإليكم الأسباب:

هذه الانتخابات كما يجري التداول بشأنها في اجتماعات عقدت وستعقد، تشتمل على الانتخابات التشريعية والرئاسية، وكذلك انتخابات لمجلس وطني تمثيلي حيث أمكن، وحيث تتوفر الإمكانية والفرصة، بالتتابع الزمني المناسب.

وهو ما يعني أن هذه الانتخابات ستعني بالضرورة المنطقية والعملية تجديد الشرعيات الفلسطينية.

فما هي أهمية ومركزية مسألة تجديد الشرعية؟

يعرف الجميع أن الشرعية أو الشرعيات الفلسطينية قد تآكلت إلى حد بعيد على مدى عقد ونصف العقد من الزمن.

ويعرف الجميع أن بقاء الحال على ما هو عليه (أي البقاء من دون التجديد)، سيعني شيئاً واحداً مؤكداً، وهو تكريس نظامين سياسيين، على منطقتين جغرافيتين منفصلتين، والذي سيؤدي حتماً إلى تأبيد الانقسام، وتحوله الموضوعي إلى انفصال يهدد القضية الوطنية في كثير من مفاصلها وأوجهها ومجالاتها الحيوية، وما يستتبع ذلك من استمرار حالة الصراع على «السلطة»، واستفحال حالة الاستقطاب والاصطفاف السياسي على أسس حزبية وفصائلية وليس على أسس وطنية جامعة وشاملة.

تجديد الشرعيات يعني وسيعني حتماً أحد أهم عناوين التصدي لمشاريع الاختراق الصهيو - أميركي للساحة الوطنية، في محاولاتهم الدؤوبة لخلخلة التماسك الوطني بالتهديد والوعيد، وبالإغراءات الاقتصادية والمالية، وبطرح «أفكار» حول البدائل والموازيات، وحول استبدالات ومراهنات معروفة ومكشوفة بل ومفضوحة، أيضاً، وتجديد الشرعية الوطنية سيعني لطمة قوية للمطبعين من كل أنواع المطبعين، مقابل الافتقاد التام لكل شرعية أو أي نوع من هذه الشرعية لدى المطبعين الجدد تحديداً، وستشكل الشرعيات الفلسطينية الجديدة حائط الصد المنيع، وستحول دون أن يحقق أحد منهم غاياته وأهدافه فرادى ومجتمعين.

تجديد الشرعيات الفلسطينية هو المدخل الديمقراطي الأنسب لإصلاح المنظمة، وإعادة تفعيلها، وهو الطريق والممر الإجباري لإدخال وإعادة إدخال الكل الوطني في إطارها.

قانون الانتخابات الذي تم التوافق عليه، أي النسبية الكاملة والدائرة الوطنية الواحدة سيعني أن السلطة الوطنية، أو هيئات الإدارة الاجتماعية في الضفة والقطاع، وخصوصاً عندما يعاد التأكيد على دورها ومكانتها في إطار النظام السياسي كذراع للمنظمة وأداة من أدواتها الحيوية، ستكون سلطة واحدة وموحدة، يتشارك بتحمل المسؤولية فيها ـ كما في باقي مكونات النظام السياسي ـ كلٌّ حسب قوته، وحسب رصيده الجماهيري، وبما يوازي مكانته ونفوذه الجماهيري، خصوصاً وأن نظام الدائرة الوطنية الواحدة سيتيح للجميع حرية تشكيل القوائم، والتحالفات والائتلافات التي تمكنه من المشاركة «المشرّفة» في هذه المسؤولية.

كما ستعني الانتخابات أن المجلس التشريعي باعتبار أن كل أعضائه هم من الأعضاء الطبيعيين في عضوية المجلس الوطني، ويشكلون نسبة لا تقل عن ثلث عضوية المجلس كما هو وارد في القانون الأساسي سيسهل من مهمة استكمال انتخاب بقية أعضاء المجلس الوطني أو التوافق على هؤلاء الأعضاء حيث يتعذر انتخابهم.

وبالتالي فإن تجديد شرعيات المجلس التشريعي وشرعية الرئيس سيعني استكمال مؤسسات ومكونات النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية كاملة.

وما دام الحديث يتواتر ويتواصل حول مخططات الاختراق للساحة الوطنية، فإن من أهم المنجزات المتوقعة لتجديد الشرعيات وفق القانون النسبي الكامل والدائرة الوطنية الواحدة هو إعادة الاعتبار للعامل الوطني في التصويت والانتخاب، ومحاصرة الاعتبارات الحمائلية والعشائرية التي تشكل أحد مكامن الخطر على الهوية الوطنية الجامعة.

لا يوجد طريق ولا أسلوب أفضل لأي حركة تحرر وطني من نظام الدائرة الوطنية والنظام النسبي الكامل، لأن هذا الأسلوب وهذا الطريق هو الأمثل للمشاركة والشراكة الوطنية، وهو الأسلوب الأكثر فعالية لوحدة الصف الوطني، ولديمقراطية هذه الوحدة.

الانتخابات هي مدخل الشرعية، ومدخل المشاركة، والمشاركة الفاعلة قبل كل شيء، وهي مدخل تحمّل المسؤولية المشتركة في عملية البناء الوطني، وهي عنوان التصدي المشترك لتحديات المرحلة وصعوباتها، وكل ما يتم الاتفاق عليه والتوافق بشأنه على هيئة عقود ومعاهدات وتفاهمات سيظل هشاً وقابلاً للارتداد طالما أنه لا يستند إلى قاعدة ديمقراطية صلبة، وطالما أنه يفتقد إلى رأي الشعب وصوته وحرية اختياراته.

ولا يمكن أن يكون القرار وطنياً خالصاً ومستقلاً، وأن تكون السلطة الوطنية واحدة وموحدة، وتكون المنظمة الممثل الشرعي والوحيد، والمظلة الجامعة للكل الوطني من دون الأساس الديمقراطي الراسخ.

لا توجد حلول سهلة للقضايا الصعبة، ولكن بالمقابل لا توجد حلول حقيقية من دون ديمقراطية حقيقية.

التعليقات