معهد (ماس) يعقد ورشة حول (مستقبل أونروا أمام التحديات المالية والضغوطات السياسية)

رام الله - دنيا الوطن
عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) لقاء طاولة مستديرة بعنوان "مستقبل الأونروا أمام التحديات المالية والضغوطات السياسية" ضمن ترتيبات خاصة قام بها المعهد تراعي اجراءات وزارة الصحة الفلسطينية للوقاية من فيروس كورونا بشأن ضمان السلامة والصحة العامة. شارك في اللقاء مسؤولون أمميون وباحثون دوليون ومحليون. 

افتتحت الجلسة بكلمات ترحيبية قدمها كل من السيد رجا الخالدي، المدير العام للمعهد، والسيدة بيتينا ماركس، مديرة مؤسسة هنريش بول فلسطين والأردن (Heinrich Böll Stiftung Palestine & Jordan) التي مولت عقد هذا اللقاء. تطرق الخالدي في كلمته إلى خلفية سلسلة لقاءات الطاولة المستديرة وأهميتها في مناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية الهامة وذات الأولوية لصانع القرار الفلسطيني، وأشار الخالدي إلى أن "ماس" يوفر منبرا للحوار والتشاور حول القضايا التي تهم الشأن الفلسطيني، وأن المعهد يسعى في هذه الجلسة من خلال اتاحة المشاركة المحلية والدولية للخروج بورقة سياسات خاصة بقضية وكالة الأونروا. من جانبها أكدت ماركس على أهمية مناقشة هذه القضايا، وأن مؤسسة هنريش بول تولي اهتماما خاصا بموضوع الجلسة، وأنها نفذت العديد من الجلسات مع المعهد وتسعى لتنفيذ لقاءات أخرى خلال الفترة القادمة، وأن وجود مؤسسة بحثية مقتدرة مثل "ماس" يعزز من فرص التوصل والخروج بأفضل التوصيات والأوراق السياساتية. 

قدم موضوع الجلسة الدكتور ميك دمبر، بروفيسور دراسات السياسة في جامعة اكسيتير في بريطانيا، وأدارها السيد رجا الخالدي. كما قدم المداخلات الرئيسية كل من السيد فيليب لازيريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأوسط (الأونروا)، والسيد أحمد حنون مدير عام شؤون اللاجئين في دائرة شؤون اللاجئين، والسيدة لبنى شومان مسؤولة المناصرة في المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين (بديل)، وسعادة القنصل السويدي ديفيد كارلسون المسؤول عن ملف الأونروا في القنصلية السويدية. 

 قدم البروفيسور دمبر ورقته الأساسية مستعرضاً موازنة الأونروا والأزمة المالية التي تعاني منها بعد إنهاء التمويل الأمريكي والذي أدى إلى تراجع بنسبة 30٪ في موازنتها، بالإضافة إلى العجز الموجود مسبقا. وناقش النموذج الحالي لتمويل الأونروا، حيث يقدم المانحون مساهماتهم السنوية على أساس التكاليف المتوقعة. ومع ذلك، فإن هذا ليس مستداما نظرا لتخطيط الأونروا للسنوات المقبلة، وليس بشكل سنوي، مما يتطلب تمويلا متعدد السنوات للبرامج متعددة السنوات، لا سيما بالنظر إلى تحول خدمات الوكالة من المساعدة الطارئة إلى وظائف شبه الدولة، وأضاف أن هناك حاجة إلى مزيد من الاستقرار والقدرة على التنبؤ والتمويل.

وأشار دمبر إلى أن هناك العديد من الخيارات حول كيفية تحسين التمويل للوكالة، وهذا يشمل تنويع قاعدة المانحين، وتجديد التمويل الأمريكي، والقروض من القطاع الخاص أو تفريغ خدمات وكالات معينة للبلدان المضيفة. كما يمكن تعديل تفويض الوكالة لتتلقى الأموال من الميزانية العادية للأمم المتحدة. أما الخيار الأخير، وإن كان بعيد المنال، فهو تحميل إسرائيل المسؤولية عن وضع اللاجئين، وبالتالي جعل الأموال التي حصل عليها الوصي الإسرائيلي على ممتلكات الغائبين متاحة للمجتمع الدولي لمواصلة تمويل الوكالة.

واستعرض دمبر المناقشات الداخلية في الوكالة، حيث تبحث الأونروا التفاوض على قروض التنمية مع البنك الدولي مع التركيز على القروض الصغيرة والتدريب المهني للشباب. الخيار الآخر هو إنشاء وقف من مؤسسة زكاة إسلامية كبرى. وأشار إلى أن الوكالة تبحث في الاتفاقات متعددة السنوات والمساهمات المالية، والتي تسمح بزيادة وتأمين فرص العمل، وتحسين الخدمات، وما إلى ذلك. وقد تكون هذه سلسلة من الاتفاقات لمدة عشر سنوات للمساعدة في الميزانية مع مجموعة من المانحين لتوليد تدفق إيرادات مستدام. ومع ذلك، فإن العديد من الحكومات لن تلتزم بهذه الفترة الطويلة من الزمن، ومثل هذا الالتزام الطويل قد يؤدي إلى تطبيع وضع اللاجئين وإرجاء التوصل إلى حل دولي للقضية.

وأكد دمبر على ضرورة أن يكون هناك اعتراف بدور الأونروا كلاعب إقليمي رئيسي، وكيف سيؤثر مستقبل السلطة الفلسطينية على الأونروا، وتأثير جائحة كوفيد -19. واختتم دمبر بالقول إنه لا توجد طريقة سهلة للمضي قدما، حيث توجد مخاطر سياسية في خيارات التمويل البديلة، ولكن الاتفاقات متعددة السنوات يمكن أن تكون الخيار الأكثر قيمة، ويجب استخدام الأزمة الحالية كفرصة للحوار بين أصحاب المصلحة. وضمان سماع أصوات اللاجئين.

طرح المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني أفكاره حول الأزمة، موضحاً القضايا المالية الرئيسية التي تواجهها الوكالة، مثل التدفق غير المستقر للتمويل الذي قد يؤدي لانهيار والإضرار باللاجئين والموظفين ويثبط عزيمة المانحين المحتملين. كما أن هناك مشكلة أخرى تتمثل بعدم القدرة على التنبؤ بالتمويل والوضع على الأرض، حيث يوجد عدم توافق بين التمويل والتخطيط وما هو مطلوب بالفعل. وذكر أيضًا كيف أصبحت البيئة أكثر صعوبة بسبب إنهاء التمويل الأمريكي، حيث زادت الدول الأخرى في البداية تبرعاتها لسد الفجوة، لكنها توقفت في النهاية. كما أدت القضايا الإدارية الداخلية في الوكالة إلى تثبيط التمويل. وقد تفاقم هذا بسبب فيروس COVId-19، حيث تواجه الدول المانحة أزماتها المالية وسيكون لديها حافز أقل لزيادة تمويلها، على الرغم من الوباء الذي أدى إلى زيادة احتياجات اللاجئين. وذكر المفوض أن هناك حاجة إلى التركيز على الاعتراف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين والاستثمار في مستقبلهم، ومحاولة تنويع التمويل والقروض المحتملة.

تطرق السيد أحمد حنون في مداخلته إلى التصريح الأخير لرئيس الولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب، والذي طالب من خلاله بعدم تقديم أي دعم مالي للفلسطينيين سواء كان دعما عربيا او من دول غير عربية، وانطلاقا من ذلك يرى حنون أن أزمة الاونروا هي أزمة  سياسية و بأن تصريح ترامب الأخير هو مكمل للإجراءات والممارسات الأمريكية ضد الفلسطينيين ابتداء من نقل السفارة الامريكية الى القدس وانتهاء بإعلان صفقة القرن، وما تخلل ذلك من ممارسات أخرى معادية للفلسطينيين من وقف للمساعدات المالية للفلسطينيين بشكل مباشر، وايضاً من وقف الدعم الأمريكي للأونروا. وقال حنون أن هذه الإجراءات تمثل حربا على حق العودة بهدف تصفية قضية اللاجئين، وأن المسعى الأمريكي من شن الحرب على الاونروا من خلال قطع مصادر التمويل عنها، واتهامها بالفساد المالي هو بغرض اضعافها ماليا من أجل تصفية قضية اللاجئين.  

وأضاف حنون أنه لا يمكن للدول المضيفة للاجئين تحمل عبء الاونروا والقيام بمهامها. وعلى الأمم المتحدة ان تلعب دوراً أكبر في مواجهة الاستهداف السياسي الذي تتعرض له الاونروا والعمل على توفير التمويل اللازم لسد العجز في موازنتها، والذي من شأنه أن يخفف من الابتزاز السياسي والمالي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني وقضيته. وشدد حنون أن اتفاقيات التطبيع الأخيرة التي قامت بها بعض الدول العربية مع إسرائيل ينطوي عليها تضييق الخناق على الشعب الفلسطيني من أجل اجباره على الرضوخ، وفيما يتعلق بمحاولة إسرائيل الوصاية على الاونروا وضح حنون أنها ليست إلا محاولة للاستيلاء، وأضاف أن الخيار البديل والوحيد عن دعم الاونروا هو عودة اللاجئين إلى وطنهم تطبيقا لقرار الامم المتحدة رقم 194.     

فيما قدم ديفيد كارلسون أفكاره مؤكدا على جهود موظفي الأونروا في التعامل مع جائحة كوفيد -19. وأوضح كيف يجب أن يكون هناك اتصال مع مجموعة متنوعة من المانحين لزيادة تمويلهم، وأشار إلى أن التمويل مسؤولية مشتركة. كما أشار إلى أهمية إمكانية التنبؤ بالتمويل لأنه يسمح بالمرونة في الاستجابة على أرض الواقع.

من جانب آخر تحدثت السيدة لبنى الشوملي في مداخلتها عن ضرورة حماية المجتمع الدولي والأمم المتحدة لحقوق اللاجئين الفلسطينيين، وأنهم هم المسؤولون عن نكبتهم، وكما أنهم فشلوا في وضع إسرائيل في موضع المساءلة والمحاسبة عن انتهاكها لحقوق الفلسطينيين في الوطن والشتات. وترى الشوملي أنه يتوجب توسيع نطاق عمل الاونروا ليشمل توفير الحماية القانونية للاجئين الفلسطينيين، إضافة لتوفير خدمات البنية التحتية لهم، موكدة على أن "الاونروا حق للشعب الفلسطيني إلى أن يعود". وشددت على أن رؤية ترامب تجاه اللاجئين لا تواءم القانون الدولي، وطالبت أن يصبح تمويل الاونروا من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة اجبارياً وليس طوعياً من أجل الاستدامة المالية للأونروا. وعلقت على السياسة الأميركية بنقل مسؤولية اللاجئين من الاونروا وتحويلها للدول المضيفة بأن من شأن ذلك التوجه بإعفاء المجتمع الدولي من مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية.

وقد أكد اغلب الحضور على أن ازمة الأونروا هي قضية سياسية بامتياز الغرض منها تصفية قضية اللاجئين وحرمانهم من العودة إلى اوطانهم. وقد طالب بعضهم بضرورة إيجاد حل لقضية اللاجئين يضمن عودتهم إلى ديارهم، وإلى ان يتحقق ذلك فإنه لا بد من استمرار دعم الاونروا بهدف إبقاء قضية اللاجئين على الساحة الدولية. وطالب البعض الاخر المجتمع الدولي أن يلعب دورا بارزا في دعم حق اللاجئين الفلسطينيين. وشدد آخرون على أهمية تحرك اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين في المنطقة في تنظيم صفوفهم ورفع مطالبهم المحقة إلى أعلى المستويات.

وقد أجاب السيد حنون في نهاية اللقاء عن سؤال أحد الحضور عن دور السلطة الفلسطينية في دعم الأونروا بأن السلطة الفلسطينية تبذل قصارى جهدها لدعم الاونروا، من جانب آخر شددت السيدة الشوملي على فشل المجتمع الدولي تجاه قضية اللاجئين، واقترحت أن تتضافر جهود منظمة التحرير والأونروا واللاجئين في سبيل إيجاد حل لقضية اللاجئين. كما أضاف البروفيسور دمبر بأنه على م.ت.ف. بذل المزيد من الجهود في المناصرة الدولية وخاصة في الولايات المتحدة لشرح أهمية الإقرار بحقوق اللاجئين والدور الحيوي الذي تلعبه وكالة الاونروا في توفير الخدمات الاجتماعية لهم وصون مصالحهم بقدر ما يتوفر لهم من موارد.