الشحنة الأولى التي بدلت تاريخ المملكة: هكذا أصبحت السعودية بلداً نفطياً

الشحنة الأولى التي بدلت تاريخ المملكة: هكذا أصبحت السعودية بلداً نفطياً
 في إطار حملة «لمتنا سعودية» التي أطلقتها مجلتا «الرجل» و«سيدتي» استعداداً للاحتفال باليوم الوطني السعودي الـ ٩٠ نعود اليوم بالذاكرة إلى البدايات النفطية للسعودية وللشحنة الأولى التي بدلت وجه المملكة للأبد. 

نقل النفط اقتصاد المملكة العربية السعودية من اقتصاد يعتمد على الزراعة والتجارة الأساسية إلى اقتصاد يعتمد على النفط بشكل أساسي والذي يتم تحويله حالياً إلى اقتصاد متنوع ضمن رؤية ٢٠٣٠. منذ العصور القديمة وحتى الثلاثنيات، كان سكان المملكة يعتمدون على الثروة الحيوانية والزراعة والتجارة مع مداخيل محدودة من الصيد.

خلال فترة ما قبل تأسيس الدولة السعودية الحديثة كان الاقتصاد ضعيفا وغير متطور وكانت منطقة ساحل البحر الأحمر تعتمد وبشكل كبير على مداخيل الحج. خلال فترة تواجد العثمانين وبحلول العام ١٩٠٨ كان قسم رئيس من البنى التحتية قد أنجز مع فتح خط السكك الحديدية من دمشق إلى المدينة المنورة ولكن باقي مناطق شبه الجزيرة كانت غير مطورة على الإطلاق. 

مع توحيد المملكة وتولي الملك عبد العزيز الحكم كان الهم الأول والأخير هو نقل البلاد إلى مرحلة التقدم والتطوير وتدعيم كافة القطاعات الاقتصادية.  

السعودية ما قبل النفط.. دولة ضعيفة اقتصادياً 

اقتصاد السعودية كان حاله حال اقتصادات دول شبه الجزيرة العربية آنذاك اقتصاد مغلق يقوم على الجهد الشخصي وغير منظم والغاية منه توفير مستلزمات الحياة اليومية لا أكثر. كان مورد الحجاج والمعتمرين هو المصدر الرئيس لدخل المملكة برغم أنه لم يكن يدر الكثير من المال كما أنه لم يكن ثابتاً إذ كان يرتفع مع ارتفاع عدد الحجاج وينخفض مع انخفاضها. انخفاض أعداد الحجاج كان يؤثر بشكل سلبي على العملة السعودية التي تتراجع قيمتها. 

وحتى إنه قبل اكتشاف النفط كانت السعودية تعتبر دولة ضعيفة اقتصادياً إذ أنها لم تكن فقط حديثة التأسيس وإنما تعتمد على مداخيل غير ثابتة كما أن دخل الفرد كان أقل من عدد من الدول النامية. 

تقلبات عديدة ومعاناة اقتصادية لسنوات، ولكن الملك وبعد استلامه الحكم قرر البحث عن موارد جديدة، ثم حدث ما لم يكن في الحسبان في البحرين. 

الأمل النفطي القادم من البحرين

 في عام ١٩٣٢ تم اكتشاف النفط في البحرين بعد أن كانت قد منحت الحكومة هناك أول امتياز للتنقيب في منطقة الجزيرة العربية عام ١٩٢٥. الاكتشاف هذا شكل بادرة أمل كبيرة للملك وذلك لتشابه السمات الجيولوجية بين أراضي البلدين وبسبب عوامل أخرى بعضها قديم وغير مؤكد وبعضها مؤكد كما هو حال البحرين. فشركة النفط الإنجلو فارسية كانت قد اكتشفت النفط بالقرب من مسجد سليمان في جبال شمال غرب بلاد فارس عام ١٩٠٨، كما كان هناك شائعات عديدة عن تسرب نفطي في القطيف على الساحل الشرقي للأحساء.هذه العوامل مجتمعة جعلت الملك عبد العزيز يعقد العزم ويقرر التنقيب عن النفط.  

الملك عبد العزيز توجه إلى الحكومة البريطانية بداية الأمر وطلب دعماً مالياً قيمته ٥٠٠،٠٠٠ جنيه استرليني للتنمية الاقتصادية ومن ضمنها تمويل استكشاف مكامن النفط. بريطانيا رفضت مساعدة الملك معتبرة أن الوقت غير مناسب للمغامرات المالية وبأن بريطانيا غير مستعدة لإهدار المال في دولة غير معروفة جيداً في الوقت الحاضر. 

حينها توجه الملك إلى أمريكا ووقع في ٢٩ مايو/أيار عام ١٩٣٣ اتفاقية الامتياز للتنقيب عن البترول بين السعودية وشركة «ستاندر أويل أوف كاليفورنيا ،سوكال» وفي ٨ نوفمبر/تشرين الثاني تم إنشاء شركة تابعة هي شركة «كاليفورنيا أريبيان ستاندر أويل كومباني ،كاسوك» لإدارة الإمتياز. 

البحث عن الذهب الأسود 

البداية كانت في قبة الدمام وتم حفر أول بئر اختبارية في الظهران عام ١٩٣٥ ولكن النتيجة لم تكن على قدر التطلعات ولكنها أشارت إلى وجود زيت وغاز. وفي عام ١٩٣٦ وبعد أن فشلت الشركة الأمريكية في تحديد مواقع النفط في السعودية، أقدمت شركة «تكساس أويل كومباني» على شراء ٥٠٪  من الامتياز. خمس سنوات طويلة كادت تقتل الأمل كلياً إذ إن كل الدلائل تشير إلى أن بئر الدمام رقم ٧ طريق مسدود وعقبة جديدة. ولكن الرابع من مارس/آذار من العام ١٩٣٨ بدل كل شيء ففي ذلك اليوم بدأ البئر إنتاج ١،٥٨٥ برميل في اليوم وعلى عمق ١،٥ كلم. 

بعد ذلك بوقت قصير كان هناك عدة اكتشافات أخرى في المنطقة وحينها كانت الصورة واضحة تماماً أمام الملك والحكومة السعودية والشركة وهي أن احتياطات النفط الخام في المملكة ضخمة جداً.  

الشحنة الأولى : 

أول صفقة نفطية ونقطة تحول في تاريخ أرامكو  في الأول من مايو/أيار من العام ١٩٣٩ كان الملك عبد العزيز يقف على متن الناقلة «دي جي سكوفيلد» في حفل تدشين أول شحنة نفط خام تصدرها المملكة العربية السعودية من رأس تنورة. تزامن هذا مع اكتمال خط الأنابيب الذي امتد من حقل الدمام الى ميناء رأس تنورة بطول ٦٩ كيلومتراً حيث رست ناقلة النفط التي أدار الملك عبد العزيز صمام النفط  إيذانا ببدء تصدير الزيت السعودي الخام وتحميل أول شحنة منه إلى العالم. 

وبعد اكتشاف النفط تم تغيير اسم الشركة  من « كاليفورنيا-أريبيان ستاندارد أويل كومباني» إلى «أريبيان أميريكان أويل كومباني. أرامكو» عام ١٩٤٤.

الفترة هذه هامة جداً 

إذ إنها تعتبر أيضاً تدشينا لأول صفقة تجارية نفطية في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين السعودية وأمريكا. و اللقاء التاريخي الذي تم بين الملك و الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن «يو إس إس كونسي» في ١٤ فبراير/شباط ١٩٤٥ عزز الإتفاقيات الإقتصادية والنفطية بين السعودية والولايات المتحدة. 

بحلول العام ١٩٥٠ كانت الحكومة السعودية قد تمكنت من الحصول على ٥٠٪ من أرباح أرامكو ثم بدأت السيطرة تدريجياً على عمليات الشركة لتحصل على ٢٥٪ منها عام ١٩٧٣ والتي أصبحت ٦٠٪ في العام التالي.

في العام ١٩٨٠ امتلكت الحكومة السعودية شركة أرامكو بأكملها لتنشئ بعد ثمانية أعوام شركة الزيت العربية السعودية «أرامكو السعودية» رسمياً، لتكون شركة جديدة تتولى جميع مسؤوليات شركة أرامكو بقيادة علي بن إبراهيم النعيمي، الذي أصبح أول رئيس سعودي للشركة في عام ١٩٨٤ ، ثم أول رئيس لأرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين في عام ١٩٨٨.

الانتعاش النفطي والمالي

دأبت أرامكو على العمل بجدية وإنجاز المشاريع الضخمة بأسرع وقت ممكن. في عام ١٩٥٠ أنجزت الشركة خط الأنابيب عبر البلاد العربية «التابلاين» والذي يبلغ طوله ١٢١٢ كلم وهو الأطول في العالم. الخط هذا له أهمية كبيرة إذ ربط المنطقة الشرقية في السعودية بالبحر الأبيض المتوسط وهذا ما أدى إلى اختصار مدة وتكلفة تصدير النفط الى أوروبا.

مهام أرامكو لم تنحصر بالبر بل بدأت بالتنقيب عن النفط في البحر وبعد عامين تم اكتشاف حفل السفانية عام ١٩٥١ والذي يعتبر أكبر حقل نفط بحري في العالم. 

في عام ١٩٥٨ تجاوز إنتاج النفط الخام لشركة أرامكو مليون برميل وبحلول العام ١٩٦٢ بلغ الإنتاج التراكمي للنفط الخام ٥ بلايين برميل. 

تضاعفت عائدات تصدير النفط الصافي أكثر من أربع مرات منذ عام ١٩٧٢  إلى ١٩٧٨ ، من ١٩،٣  مليار دولار إلى ٨٥،١  مليار دولار رغم أن زيادة الإنتاج في البلاد ارتفعت بنسبة ٣٨٪ فقط في الفترة نفسها. وبحلول عام ١٩٨١ وللمرة الأولى تجاوز شحن النفط الخام والمنتجات البترولية من الفرضة البحرية في رأس تنورة بليون برميل سنويًا.

السعودية هي واحدة من أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم حالياً ولكنها فيما مضى كانت أبعد ما يكون عن ذلك. ولكن إصرار المؤسس وحنكته في التعامل مع المتغيرات العديدة حينها جعلت السعودية بلداً نفطياً قوياً مالياً واقتصادياً وسياسياً.

التعليقات