بيتا

بيتا
عبدالهادي راجي المجالي 

بيتا

...قبل أسبوع شيعت نابلس شهيدا أردنيا , مجهول الهوية ...كان الجيش الصهيوني قد أعدمه بالرصاص بعد أن نفذت ذخيرته في حرب (1967) ...إسرائيل لم تعدم جنودنا فقط , حتى الأحلام أعدمتها أيضا ...كل الإذاعات الفلسطينية ومواقع التواصل , انشغلت بهذا التشييع ..حتى المراهقين في نابلس , خرجوا كي يلتحقوا بصفوف المشيعيين , ولم يخافوا وقتها من تقارب أو تباعد أو كورونا ....

نحن كأردنيين لم نعرف هوية الشهيد , لكن أهالي (بيتا) كانوا يحفظون التفاصيل الأخيرة لحياته ...كيف نفذت الذخيرة , وكيف أعدم ..وتركت جثته , وكيف تسلل الناس هنالك في الليل ودفنوه تحت شجرة تين , وأكرموا جثمانه ....بعد أن ترك في الخلاء لأيام ..

هذي الجموع الفلسطينية التي رفعت أكفها إلى الله من نابلس يوم التشييع ...وعاد الشهيد يومها ليصعد عليين من جديد , جعلتني اشعر بالشموخ ...هي تحت الحصار , وتحت الإحتلال ..وبعضهم وقف ساعات على حواجز اليهود ...وانتظر طويلا , كي لاتفوته الجنازة ...وبعضهم أرهقته شمس (بيتا) ..وأجزم أن البعض منهم أيضا , تسللت إليه الكورونا ..,لكنهم بالرغم من كل ذلك بالرغم من خذلان العرب ..بالرغم من التعب , وبنادق الجيش الإسرائيلي ..حضروا .

في ذات الوقت كانت إذاعتنا المحلية تبث بعضا من برامج (المياصة) , وتتحدث عن قرار (أليسا ) بالسفر ...وكان هنالك مجموعة من الشباب التائهين , يبثون من شاطيء العقبة ..صورا للبحر ...وكان الإعلام الرسمي في غفلة من الأمر , وكأن شيئا لم يكن .

ظهر في التشييع دمع لسيدة فلسطينية , سرى على خدها ...وهي لم تكن تبكي على الشهيد ولكنها بكت فرحا على شعب , بالرغم من حجم النزف ما زال يصر على الإحتفال بالشهداء ..

لماذا نحن لسنا مثلهم ...لماذا شبابهم الذي لم يتجاوز ال (17) من عمره , تدافع في موج من البشر كي يحظى بلمس التابوت , في حين أن شبابنا ..كان يرخي صوت المذياع لأغنية جديدة ...اصدرها محمد رمضان في الكورونا , ولماذا ....كل السوشيال ميديا لديهم توحدت لنقل أخبار تحدي أهل (بيتا ) لصلف الإحتلال , في المقابل كانت السوشيال ميديا لدينا , حافلةة بقصائد الغزل ..وبصور (التاتو) التي أنجزته (لولو) على كفها الأيمن ...ولماذا لم يخف كبار السن في بيتا من الكورونا ..ووعانقوا بعضهم وتقبلوا العزاء بشهيدهم ؟ في حين أن (سوسو) لدينا عادت من باب (كارفور) لأنها نسيت (الكمامة) ...

أهل (بيتا) لم يعيدوا دفن شهيد أردني فقط , هم أرادوا أن يقدموا للعروبة كلها , درسا في أن الأمة الحية لو صبت جهنم فوق رأسها ستبقى واقفة ..ستبقى تتحدى وتقاتل ..وتحترم الشهداء بما يليق بهم ...والفلسطيني تعلم , أن الشهداء كلما كثر عددهم ..كلما دبت العروبة والحياة في فلسطين أكثر ....

كان على مؤسساتنا الرسمية أن تلتقط الرسالة , كان عليها ..أن توجه إذاعات (المياصة) والرذيلة ..كي تبث ولو على الأقل , أغنية لفلسطين أو قصيدة لدرويش ..كان علينا أن نرفع علم فلسطين على سياراتنا كي نرد ...لهذا الصمود الأسطوري بعضا من نبله وعملقته ...لكننا لم نلتقط الرسالة للأسف , وغضبنا لأجل (سوسو) التي فقدت (كمامتها) ..في (السيفوي) وتطوع العشرات من النشامى للبحث عنها ...

(بيتا) قرية في فلسطين , ولكنها كانت في لحظة أكبر في القيم والأخلاق ..من كل العالم العربي .

[email protected]

التعليقات