خواطر حول اجتماع "الأمناء العامين"!

خواطر حول اجتماع "الأمناء العامين"!
خواطر حول اجتماع «الأمناء العامين» !

عبد المجيد سويلم

لا أعرف إذا كان سيعقد اجتماع الأمناء العامين هذا اليوم، ولا أعرف إن كان سيكون متاحاً عقده بواسطة نظام الدائرة المغلقة، خصوصاً وأن إمكانية التشويش عليه تقنياً واردة من ناحية دولة الاحتلال على الأقلّ، ولا أعرف طبعاً ـ وهذا هو المهم والأهم ـ إن كان هذا الاجتماع سيخرج بالنتائج التي تُعوَّل عليه.

وإذا افترضنا أنه قد تم تجاوز كل «العقبات»، وتم الاجتماع بمشاركة كبيرة وعلى أعلى المستويات، فما هو يا ترى مقياس الحكم على نجاحه من عدمه؟!

وهل نمتلك من الناحية المعيارية المؤشرات والدلالات المشتركة على النجاح أو الفشل؟

دعوني هنا أن أبدأ بالقول بأننا لا نمتلك مثل هذه المؤشرات أو الدلالات.

الأسباب كثيرة ومتشعّبة، وسآتي عليها بقدر ما تسمح به مقالة سياسية محدودة من حيث المساحة في جريدة، ومن حيث مزاج القراء وتحمّلهم!

بسبب أن هذا الاجتماع قد طال انتظاره، وبسبب أنه يعقب الاجتماع الأخير الذي تميّز بمشاركة حركة «حماس» وكذلك حركة «الجهاد الإسلامي» وبعض الفصائل التي لم تعتد الحضور الدائم، وبسبب دقة الظروف وخطورتها، وخصوصاً بعد المتغير الهائل المتمثل بمسار التطبيع والتحالف مع إسرائيل، والذي دشّنته الإمارات على حساب حقوقنا وأهدافنا الوطنية.. فإن مجرّد عقد هذا الاجتماع سينظر إليه باعتباره نجاحاً بحد ذاته، وبأنه «استهلال طيّب» لمسار وحدوي قد يصل إلى نتائج مبشّرة باستعادة الوحدة المفتقدة.

في حين سينظر إلى هذا الاجتماع باعتباره محطة فشل إذا لم يحدد آليات عمل توافقية ملزمة للوصول إلى استعادة وحدة المؤسسات الوطنية المعبّرة عن وحدة الشعب والقضية والوطن الواحد الموحّد.

وسينظر إلى هذا الاجتماع باعتباره مؤشراً للنجاح إن تمكن المجتمعون من الاتفاق أو التوافق على وضع آليات توحّد ميداني كفاحي في مواجهة خطط الضم والاستيطان، أو توافقوا على برامج كفاحية في مواجهة التهويد للقدس المحتلة، أو جرى الاتفاق على تصعيد المشاركة الحادة في المقاومة الشعبية السلمية أو غيرها وغيرها في التوافقات..!

علماً أن فهماً من هذا القبيل ربما يعكس أن موضوع الوحدة لم يعد يتجاوز هذه الوحدة الميدانية الكفاحية، بما يشي وينذر بصعوبة استعادة وحدة المؤسسات، أو بعدم توفر آليات متوافقة للوصول إلى هكذا وحدة.

وقد يعتبر بعضنا أن مبدأ المشاركة من خلال تواصل الاجتماعات القيادية والتنسيق بين فصائل العمل الوطني يمكن أن يتحقق عبر هذا الشكل، وهذه الصيغة من حيث أن مبدأ الشراكة لا يمكن تحقيقه من دون مؤسسات تمثيلية منتخبة، ومن دون توافقات ملزمة على آليات الوصول إليها.

وبهذا المعنى بالذات فإن حضور الاجتماعات القيادية والمشاركة في صياغة التوجهات والسياسات ليس ضمانة لتحقيق هذه الشراكة، وشتّان ما بين المشاركة والشراكة.

وهذا الأمر وكما كافة الأمور الأخرى هي مثار نظرات مختلفة، ورؤى مختلفة لأسباب يطول شرحها، ولكن ليس أقلها أهمية تلك التي تتعلق بالارتباطات الخارجية، ومدى تأثير العوامل الخارجية وتجاذباتها على قرارات وتوجهات الكثير أو القليل من الفصائل وذلك حسب «مفهوم» الارتباط.

كما أن من أسباب هذا الاختلاف تواصل واستمرار الرهان على استراتيجيات بعينها، إمّا قناعةً أو توظيفاً واستخداماً لمراجعات جادة أو استخلاصات صحيحة للنتائج التي يفترض العمل على هديها جرّاء هذه المراجعات.

حتى يومنا هذا لا يوجد هكذا مراجعات، ولا يوجد لا توافق ولا اتفاق على آليات ملزمة للجميع حول ضرورة تجديد الشرعيات، ولا على آليات هذا التجديد.

لم تُحسم مسألة دخول المنظمة من عدمها، وليس هناك تصور محدد وملموس لهذا الدخول، سواءً في اطار تمثيلي شامل او توافقي.

لم يتم التوافق الفعلي والتفصيلي المحدد بخطط ومواعيد زمنية لإصلاح مؤسسات المنظمة، وليس هناك أي وضوح حول النظرة الجديدة لواقع السلطة ومسار تطورها اللاحق، ودورها وعلاقتها بالمنظمة.

هناك من يرى أن المرحلة باتت تتطلب أشكالاً جديدة للنضال تتجاوز المفهوم الاستخدامي للكلام الطويل والعريض عن المقاومة، دون أن تتحول هذه المقاومة سوى لحماية مشروع التحكم بالمجتمع أو بجزء منه.

وهناك من يزدري كل عمل سياسي ودبلوماسي، وكل إنجازات متراكمة للاعتراف بنا ككيان وطني، وكحقوق وطنية وأهداف وطنية، وهناك من يرى أن كل أشكال المقاومة من خارج منظومة المقاومة السلمية والشعبية إنما تلحق الأضرار البالغة بنضالنا الوطني وعلاقاتنا مع العالم والمجتمع الدولي.

قد يكون لكل هذه الاختلافات ما «يبررها» من وجهة نظر مبدئية، وقد يكون بعض هذه الاختلافات صحياً، إضافة إلى تسليمنا بطابعها الموضوعي في مجتمع متعدد من كل الزوايا وفي مجالات كثيرة، اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية في النهاية.. لكن السؤال هو: أين تكمن المشكلة الحقيقية عندما نتجرد من الطابع الموضوعي للاختلافات، وعندما ندرك جميعا مدى الأخطار التي تستهدفنا جميعا، وتتربص بحقوقنا الوطنية بل ووجودنا الوطني وبقاء شعبنا على أرضه.

ولماذا مازال الالتفاف الشعبي يأخذ شكل الاستقطاب الفصائلي وليس الالتحام الشعبي بالمشروع الوطني؟ ولماذا نفشل في إيجاد القواسم المشتركة التي تحافظ على تماسكنا الوطني، وتضمن توحدنا في مواجهة ما هو جاثم على صدورنا من أحمال، وما نواجهه من أهوال؟

إليكم كيف أرى المدخل المناسب للإجابة على هذه الأسئلة المفصلية:

أولاً: ليس لدينا مكر سياسي يرتقي بالحركة الوطنية إلى مستوى رؤية الواقع القائم من زاوية ما طرأ من متغيرات في بنية هذه الحركة، وفي مسار تطورها وفي واقعها المأزوم الذي أوصلها إلى ما وصلت إليه.

ثانياً: ليس لدينا فكر ديمقراطي حقيقي، ناهيكم عن الثقافة الديمقراطية التي من شأنها إحداث التغير المطلوب في هذه البنى المترهّلة والمأزومة.

ثالثاً: ليس لدينا، ولم يتبلور في سياق كل الأزمات التي مررنا بها، وما زلنا نتعرض للمزيد منها فكر سياسي يقرأ المتغيرات من حولنا لا إقليمياً ولا دولياً. كما أننا نفتقد لنفس هذه القراءة لإسرائيل ومشروعها وما تحولت إليه، وما هي مقبلة على التحول إليه.

رابعاً: ليس لدينا أدنى حد من تشخيص معقول لما بات مطلوباً من تحولات وارتقاءات في مشروعنا الوطني في ضوء صعوبات «حل الدولتين»، وطوباويات «مشروع» الدولة الواحدة، والدولة ثنائية القومية وما نتج عن هذا القصور القاتل من تحويل البرنامج الوطني وحشره في زوايا اليأس والقنوط، وزوايا التخلي عنه، والرهان على بدائله، والتمسك بذيوله دون أن يتمكن الفكر السياسي الفلسطيني من أن يخرج هذا البرنامج من دائرة التآكل واليأس والرهانات الموهومة إلى دائرة الاستنهاض والتجديد والتكيّف الفعّال.

خامساً: والفصائل من كل أنواع الفصائل ليس لديها بحدود علمنا مركز بحثي واحد يعتدّ به، وليس لها مشروع واحد لهذا الهدف، وليس لها أي علاقة بالجامعات ومؤسسات البحث العلمي باستثناء انتخابات مجالس الطلبة التي تفوح منها رائحة شراء الذمم والاسترزاق أحياناً وربما غالباً.

باختصار، ما نمرّ به من أزمات ليس صدفةً، وليس بسبب الحجم الهائل من المؤامرات التي تتكالب علينا فقط، وليس بسبب أن المشروع الصهيوني أكبر بكثير من إمكانياتنا كشعب، فهذا كله صحيح، ولا يجوز القفز عنه بخفة ورعونة، ولكن ما نمرّ به يعود، أيضاً، على حالة العقم الفكري الذي وصلت إليه الحركة الوطنية، ولم يعد في الساحة الفلسطينية كلها من جهة قادرة على «الهيمنة الثقافية»، التي تعيد توجيه الساحة برنامجياً إلى الفعل والتأثير، وتعيد القطاعات الشعبية إلى دائرة الاستنهاض والالتفاف والدفاع عن هكذا برنامج.

لم يعد في الساحة الفلسطينية من يفكر ويقرأ ويستقرئ .. ناهيكم عن غياب الكفاءات ورحيلها وهجرتها للعمل السياسي والتغيّب الكامل للذين يترجمون هذا الفكر إلى عمل وطني مقاوم.

التعليقات