"ما بعد الكورونيالية"، هل سيؤثر جدياً على الكولينيالية؟

"ما بعد الكورونيالية"، هل سيؤثر جدياً على الكولينيالية؟
"ما بعد الكورونيالية"، هل سيؤثر جدياً على الكولينيالية؟

تحسين يقين

يمكن بالطبع أن يفعل فعله، بشرط تمتين العامل الذاتي، الذي لن نملّ من الحديث عنه، أسريا واجتماعيا ووطنيا؛ لذلك فإننا دائمو الأمل لا بالخلاص، بل بتخليص أنفسنا إن أردنا، ودوما ستكون الرياح مؤاتية للإبحار، لسبب بسيط هو دوام البحر بظروفه ودوام حركة السفن.

إنها فرصة للتبشير بضرورة تعميم قيم العدالة والمواطنة الصالحة، والسلام، وخلال ذلك نقوم بذكاء بإعادة القضية الفلسطينية بقوة للمشهدين الدولي والعربي.

لذلك، يركز المقال على البعد المجتمعي، لأنه الممكن فعلا التأثير به، لآنه بين أيدينا. و"الشطارة" بالطبع شطارة الربّان: ربّان البيت والمدرسة والمؤسسة والمنظومات جميعها.

تحولات كورونا إذن، بدأت تتجلى وتظهر، تؤثر وتتأثر، كأية تحولات تحدث في حياتنا، والتي سرعان ما تجد طريقها للأدب والفن، بل والفن الساخر منه.

وقبل أن ننسى، فإن مصطلح "ما بعد الكورونيالية"، هو مصطلح من نحت أستاذ علم نفس الإبداع في أكاديمية الفنون المصرية ووزير الثقافة السابق شاكر عبد الحميد. إنه مبدع فعلا، ونحّات بارع، ولكن رغم استخدامي له، إلا أنني لا أدرى مدى دقته، وها أنذا أستخدمه لأسباب موضوعية وجمالية بلاغية.

منذ الأيام الأولى للحجر، انطلق كتاب ومفكرون، بشكل متفاوت عمقا وسرعة، برصد وتحليل واستشراف العالم ما بعد كورونا، وإعادة رؤية ما قبل، مع تأمل الحالة اللحظية من نوفمبر 2019، وانضم لهم الجمهور، ويمكن ملاحظة أن معظم الكتابات قد راحت نحو الهم العام الوطني والعالمي، بدءا بكبير المفكرين العالم اللغوي نعوم تشومسكي، وليس انتهاء بأية ملاحظة انطباعية لفتى/اة او طفل.

ولعل الحجر، في الفضاءات الصغيرة، البيوت بشكل خاص، هو ما دفع بالفكر الإنساني ليذهب نحو فضاءات أكثر اتساعا، وهو في ظل الانفعال والاشتغال، سيجد وقتا دوما للنظر في تاريخ الإنسانية، وما مرّ بها من أحداث، كالحروب والأمراض والظواهر الطبيعية، والجائحات بالطبع جزء منها. وهو في نظره سيقارن ويفهم أمرين:

 كيف واجه الناس ذلك وكيف تكيفوا معه/معها من أجل البقاء؟

وثانيا، كيف واكب الفكر والفن والأدب والعلم أيضا ذلك؟

وفي السؤالين، تتجلى الأدبيات، كمواكبة، ونتيجة، وانعكاس لما كان ويكون؛ فتاريخ الإنسانية وآدابها، ما هو إلا هذا التاريخ، تاريخ تحدي الإنسان للطبيعة ونفسه.

ومع كل ظاهرة وصدمة، تظهر التحولات، التي بمجملها تشكل ردود فعل الإنسان تجاه ما يكون، وما كان، استشرافا لما سيكون، لأن الإنسان دوما يستشرف المستقبل، لذا، فإن من الفطرة والطبيعة والوعي، التفكير بالخلاص الذاتي والعام من اجل البقاء.

عودة الى التحولات، التي عادة تكون بفعل اقتصادي وسياسي وثقافي، ولكن تحولات كورونا هذه جديدة لأنها تحولات جديدة علينا، وهي تصيب المجتمعات والعلاقات كما ذكرت وكذلك النفوس، ويشكلان ضمانة انسانية ووطنية، أما ردود أفعالها، فكأننا ازاء نص مسرحي، والأهم كما أرى اعادة الاعتبار للعامل الذاتي الآن ومستقبلا بالاعتماد على النفس، وان يكون له دور في المجتمع الواحد، كذلك التضامن الدولي.

عادة تأتي التحولات ببطء ما، على قدر ما يحدث من تغييرات في الأرض وفي أرض الشعوب والجماعات والنفوس، لكن في ظل جائحة كورونا، فقد واكبت التحولات في سرعتها سرعة انتشار الفيروس نفسه، فلم يكد يظهر في أوهان حتى وصل العالم أجمع، في عالم ميزه الآن سرعة الاتصال والتواصل، سفرا في المكان، وسفرا في الفضاء الافتراضي والتواصل الاجتماعي.

وهكذا، نحن وإياكم/ن نفكر، ونتأمل، مع ملاحظة أن معظم الكتابات قد راحت نحو الهم العام الوطني والعالمي، في ظل انشغال السواد الأعظم بالحاجات الآنية من مقومات البيت.

انه تحول سريع، أو لنقل بشكل أكثر دقة، إننا ماضون وماضيات نحو تحول قادم، نكاد أن نتعرف على ملامحه من بعد، وإن كان ليس بعيدا عما هو يكون وكان، حيث تعيد مراكز القوى في كل المستويات إنتاج نفسها، بما يضمن بقاءها وسيطرتها وتفوقها بل وسلامتها الصحية.

وبالرغم من أهمية تناول الوضع العام وطنيا وإنسانيا، وما سيتم من علاقات متعددة ومتشابكة اقتصادية وسياسية، واجتماعية، وهو ما مضى المفكرون والكتاب في تناوله، إلا أنني سأتناول في هذه المقالة تحولات الفرد نفسه، من باب إعادة النظر في دوره، ومنه سأحاول الدخول في علاقات الرجل-المرأة، واجتهادهما مع من أجل البقاء، والاحتياط مما سوف يأتي، باعتبار أنه لم يعد مضمونا ولا آمنا. يساعد في ذلك الأمر، أمر الفرد وتكيفه وبناء تحصيناته الخاصة للبيت، أن الحكومات في ظل الظروف العادية أصلا تعاني في مسألة الرعاية، فكيف هو الحال في ظل الجائحات؟

للمرة الأولى، ربما يتعمق الإيمان أكثر وأكثر بمفاهيم وقيم المساواة والعدالة والتضامن الاجتماعي، في ظل الحاجة والقناعة معا بضرورة التعاون والمشاركة، ولعل ذلك سيكون من أهم ضمانات بقاء الفرد والأسر والبيوت؛ فقد صارت الأسر في العالم، ونحن جزء منه، أكثر اقتناعا بالعلم، وقيم التعاون خصوصا بين أفراد الأسرة، بدءا بالوالدين والأبناء والبنات، وبالتالي وجدنا أسبابا تدفع نحو إعادة النظر بأدوار النوع الاجتماعي، بل إن العالم اليوم، ونحن، صار يطمع بالتعرف أكثر على عالم الجندر الذي كان فيه زاهدا من قبل أو نافرا ومقاوما، ذلك لسبب بسيط وإنساني، وهو أن قيم النوع الاجتماعي، وعلاقاته وحاجاته الاستراتيجية والعملية معا، إنما جاءت أصلا من تحولات فيما يخص علاقة الرجل بالمرأة في عالم التغيرات الاقتصادية تحديدا.

لا مفرّ إذن من التعاون والاحترام، ولنا أن نتذكر ما قاله الزعيم التركي كمال اتاتورك: سلام في البيت سلام في العالم، والتي لربما انطلقت من قناعات قائد كبير وجد أن هناك علاقة ما بين التنشئة والتربية في البيت والمدرسة، والسلام الاجتماعي والدولي.

وكيف تكون التحولات؟ إنها تستهدف وتنشغل بالشعور بالأمن والسلام ما له بالخلاص، لذلك فهي في الوقت الذي تصيب به النظام الاقتصادي، فإنها تصيب وبشكل ربما أعمق النظام الاجتماعي بل ونفوسنا، وفي الوقت الذي تؤثر فيه على العلاقات الدولية، فإنها تؤثر على العلاقات السياسية في البلد الواحد، وكذلك الاجتماعية-الاقتصادية التي تتعلق بالدخل انتاجا، وبيعا وشراء، وبالمجمل نظام الاستهلاك بما فيه من ثقافة واعلام وفن درامي على وجه التحديد.

فأن نتوقع تغييرات في التحالفات الدولية، (قبل أشهر جرى الحديث عن إمكانية أن تتجه إيطاليا شرقا نحو روسيا، بعدما شعرت نفسها وحيدة تجابه كورونا)، فقد نشهد تغييرات باتجاه توظيف النظم للجائحة من أجل بقائها المسيطر، في ظل ذلك، سيستمر النظام الاقتصادي مؤثرا ومتأثرا بما يجري، لأنه للأسف، ستظل المصالح فوق القيم دوليا واجتماعيا، وهنا لا بدّ من كبح تغول النظم، كذلك كبح تغول فئات على أخرى، أو جنس على آخر.

"ما بعد الكورونيالية"، مصطلح من نحت البروفيسور شاكر عبد الحميد كما ذكرنا، حيث "يصف كل ما هو لا مرئي غامض مخيف فيروسي الطابع في العلاقات الاجتماعية والممارسات السياسية والاقتصادية والسياسية، إنه لا مرئي ومخيف وغير متوقع أيضًا، له طابع سري خفي غامض ملغز متسلل منسل، يوجد بداخلنا دون أن نعرف، يعيش معنا ويقتات على مصادر حياتنا ومصائرنا، لا يتعلق أمره هنا فقط بالجهاز التنفسي أو بكرات الدم الحمراء ومادة الهيموجلوبين التي يهاجمها الكورونا الأصلي، النموذج الأصلي، بل يمتد ليشمل جوانب الحياة كافة".

عودا على بدء، لن يكون هناك إعادة اعتبار للفرد، للمواطن، كما ينبغي، إن لم يتضامن الأفراد فيما بينهم جميعا، رجلا ونساء؛ فحين تتجه عينا كلا الرجل والمرأة، في تحصين البيوت وحمايتها، فهم كمواطنين/ات إنما يسعون نحو تحصين المجتمع، وبالتالي، وبافتراض وتوقع أن ذلك يحدث في مجتمعات أخرى، فمعنى ذلك هو التقدم نحو التضامن الدولي الإنساني الذي سيكون قادرا على كبح جماح تغول النظم المتحالفة مع رأس المال.

إنها فرصة عالم تسوده العدالة والمواطنة الصالحة، والسلام، ولعلنا هنا نوظف ذلك ايجابيا في اعادة القضية الفلسطينية بقوة للمشهد الدولي، الأمور منظومة صعب ان يتجزأ والوعي والشعور.

فإلى أي مدى نحن هنا نسعى بوعي نحو العدالة والمساواة، بين الرجل والمرأةـ وبين المواطنين رجالا كانوا أم نساء، ومن ضمن ذلك العدالة في التوزيع واحترام الحاجات؟

نحن اليوم بحاجة فعلا الى التقاط اللحظة الراهنة باتجاه تعميق مفاهيم المجتمع المدني والمواطنة، وتطبيق تجليات النوع الاجتماعي، وسيكون ذلك طريقا نحو تكاتف وتماسك فلسطين، ومن ثم سنسعى بذكاء نحو تكييف نضالنا باتجاه دولي، يجعل الاحتلال يضع استحقاقات التحولات العالمية، بل إن الفرصة مهيأة للتأثير داخل مجتمعه الذي صار أقل ثقة بنظامه الكولينيالي.

ما بعد الكورونيالية، سيؤثر جديا على الكولينيالية.

والإنسان، المواطن، سيكون هو المفتاح، كما هو دوما الأداة والهدف..

[email protected]

التعليقات