قانون متابعة الإرهابين الفرنسي الجديد بين المخاوف الحقوقية وامكانية نجاح الهدف

قانون متابعة الإرهابين الفرنسي الجديد بين المخاوف الحقوقية وامكانية نجاح الهدف
قانون متابعة الإرهابين الفرنسي الجديد بين المخاوف الحقوقية وامكانية نجاح الهدف

اسلام موسي ( عطا الله) 5/8/2020

أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية، مشروع قانون يسمح للجهات القضائية بمتابعة الذين أدينوا بأكثر من 5 أعوام سجناً في قضايا إرهاب، بعد خروجهم من السجن لعدة أعوام بعد قضاء مدة عقوبتهم. ويمكن  للسلطات أن تفرض عليهم الإقامة في مكان معين أو تحظر عليهم الاتصال مع أشخاص بعينهم، يمكن أيضاً بعد موافقة المدان، وضع سوار إلكتروني حول المعصم للمراقبة.

في المقابل، لقي هذه القانون ردة فعل أثارها منتقدوه من الحقوقيين والأكاديميين والمهتمين واعتبروه انتهاكاً لحقوق الإنسان والحقوق المدنية، واعتبروه أنه تدخل في الحياة الخاصة.

وتعتبر ظاهرة الإرهاب من الظواهر الخلافية التي تثير جدلاً شديداً بين الأكاديميين ورجال الحكم والسياسة بل وبين الدول وبعضها .. ليس فقط حول تعريف هذه الظاهرة ولكن حول مستوى تفسيرها وتحديد أسباب انتشارها ومن ثم اختيار أنسب السبل لمواجهتها.

السياقات التي دفعت باتجاه اقرار القانون  

لا زال يمثل أحد أخطر التهديدات للأمن والسلامة على المستوى الدولي والمحلي. وقد عادت مخاطر الإرهاب التي تهدد فرنسا لتلوح بالأفق من جديد فمنذ بداية عام 2020 شهدت حوالي 4 عمليات ارهابية متفرقة أوقعت ما لا يقل عن ستة قتلى والعديد من الجرحى. يضاف إليها العديد من المحاولات التي أفشلتها قوات الأمن الفرنسية من خلال عمليات استباقية ناجحة.

 كما أن فرنسا ستواجه خلال الايام القادمة وحتى نهاية العام 2021 خروج  ما لا يقل عن 150 شخصا من سجونها ممن أدينوا بارتكابهم انشطة ارهابية أو على علاقة بإرهابيين وأمضوا مدة في السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، بعضهم كانت لهم علاقة بالأعمال الإرهابية التي ضربت فرنسا منذ بداية العام 2015 وأوقعت 250 قتيلا ومئات الجرحى. وتتزامن هذه الأحداث مع تخوفات من موجة مقبلة جديدة لفايروس كورنا، وهذا يضيف تحدى جديد الى العقبات التي ستواجه السلطات الفرنسية في السجون على اعتبار أنها مناطق مغلقة وفيها ازدحام شديد وغير مؤهلة، حيث قال فرانسوا بيس منسق إدارة التحقيقات "بالمرصد الدولي للسجون" بالقسم الخاص بفرنسا: "أن سجن فرين مثلا يعاني من حالة اكتظاظ مزمنة تزايدت بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، ففي 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بلغ معدل إشغال سجن فرين للرجال 196 بالمئة". كما أن معظمهم يقيمون بمبان قديمة متداعية لم تعد متناسبة بل وحتى خطرة على من فيها سواء أكانوا مساجين أم حراسا. الجزء الأكبر من المباني يعود تاريخه لما قبل خمسينيات القرن الماضي كما أن "المرافق والتجهيزات فتعود لعصر أقدم"؛

لذلك وبسبب سياسة التباعد الاجتماعي كان هناك منع للتنقل داخل السجن أو حتى أخذ المساجين مدة كافية من الخروج من زنازينهم الى ساحة السجن.

كل ذلك يدفع السلطات الفرنسية للتساؤل حول الكيفية التي ستتعامل به مع هذه التحديات، خصوصا الأشخاص الذين سيخرجون من السجون. والتخوف الأكبر أن يعودوا إلى سابق عهدهم عقب استعادتهم حريتهم. لا سيما وأن هناك الكثيرين ممن ثبت ضلوعهم في أعمال أو محاولات إرهابية سابقة عادو الى النشاط الارهابي بعد خروجهم.

مخاوف المدافعين عن حقوق الإنسان

منذ الهجمات باريس عام 2015، أصبحت البلاد منقسمة بين من يؤيدون التشدد في الإجراءات الأمنية ومن يخشون التضييق على منظومة حقوق الإنسان. وقد وجه المجتمع الأهلي والناشطين الحقوقيين انتقادات حادّة للقانون الجديد بسبب عدم تقيده بالمعايير الدولية، معربين عن مخاوفهم من إمكانية انتهاكه للحريات المدنية. على الرغم من أن الحكومة تدعي أن القانون لن يهدد الإنجازات الحقوقية في البلاد، إلا أن العديد يقولون إنه قد يُفسح المجال أمام اتساع الصلاحيات الإدارية السلطوية على حساب القضاء والحريات تحت غطاء مكافحة الإرهاب. 

وهذه ليست المرة الأولى لقوانين تثير الجدل، إذ أن هجمات باريس اعتبرت حدثا مفصليا في تطوير منظومة القوانين الفرنسية الخاصة بمكافحة الإرهاب، وقد طرحت العديد من القوانين الجديدة، التي أقرها مجلس الشيوخ لتعويض حالة الطوارئ التي عاشتها فرنسا، وأثارت تلك القوانين حينها جدلاً واسعا واعتبرت أنها تزيد السلطة الادارية -وخصوصا المحافظ- على حساب سلطة القاضي، لأنها غيرت الكثير من قواعد العمل الأمني؛ حيث سمح القانون الجديد بتعزيز صلاحيات السلطة الإدارية والشرطة لتحديد إقامة أشخاص يمثلون خطرا محتملا، والتحقق من الهويات قرب الحدود دون موافقة قضائية، كما يمنحها صلاحيات جديدة دائمة في مجال المداهمات أو إغلاق دور عبادة التي تثير شبهات. كما يسمح لجميع رجال الشرطة بحمل أسلحتهم طوال اليوم، حتى بعد انتهاء الدوام؛ من أجل التدخل والتفتيش في حال مصادفة أشخاص قد يثيرون الارتياب.

 وبعضهم اعتبر أن هناك سوابق تاريخية للشرطة الفرنسية في تجاوز الانتهاكات الحقوقية بسبب الصلاحيات الإدارية للشرطة، حيث أشار تقرير قديم بعنوان فرنسا البحث عن العدالة أصدرته منظمة العفو الدولية في ابريل/ نيسان 2005، خلصت فيه أن هناك 30 شاب تعرضوا لانتهاكات خطيرة حقوقية على يد أفراد من الشرطة، بعضهم نتج عن سوء المعاملة الشرطية أثناء عمليات التدقيق بالهوية التي تحولت الى اعمال عنف، حيث تعرضوا الى الركل والصفع والضرب بالهراوات مما ادي الى كسور بالأنف أو تأذي بالعين أو الإصابات بجروح أخرى، كما ان بعضاً منهم اشتكى من أنه  تم توجيه إهانات عنصرية اليهم وتعرضوا لمعاملة مهينة للكرامة على ايدي افراد من الشرطة.

على الرغم من ذلك التنديد بالقوانين، باعتباره يحد من الحريات وانتقده خبراء الأمم المتحدة، لكنه لم يثر الكثير من الجدل في الشارع الفرنسي نفسه، وكأنه اقتصر على الحقوقيين فقط  في بلد الحريات، إذ يبدو أن غالبية المواطنين قبلوه. فقد أظهر استطلاع للرأي حينها أن أكثر من نصف الفرنسيين (57%) يدعمونه حتى وإن كان 62% منهم يرون أن "من شأنه أن يؤدي إلى تدهور حرياتهم" في مؤشر واضح على استمرار وقوعهم تحت وطأة هجمات باريس وتخوفهم من تكرارها. وقد اعتبر وزير الداخلية حينها جيرار كولومب أن القانون يشكل "ردا دائما على تهديد بات دائما".

يبدو أن الجدل بين الحرية والأمن طرح منذ سنوات وهو بالطبع لن يهدأ مع هذا القانون أو من دونه.

 تبديد المخاوف الحقوقية واشراكهم في الفعاليات الأمنية لدمج المسجونين المفرج عنهم بالمجتمع

ربما لن يكفي القانون وحده لمواجهة ظاهرة الارهابين المفرج عندهم، يلزم أن يصاحب المراقبة مناخ اقتصادي واجتماعي وفكري يكفل التعامل الحقيقي وجاد معهم من أجل دمجهم بالمجتمع. ولذلك يجب مراعاة التالي:

• علاج عوامل التطرف والتأهيل الفكري: الإرهاب يبدأ بالفكرة  الناتجة عن عوامل مختلفة، ولا يمكن مواجهته إلا باجتثاث جذوره الفكرية الايديولوجية إذا كانت هي المسيطرة، والعوامل الاقتصادية والاجتماعية يأتي في مقدمتها الفقر والبطالة والبحث عن الذات المحركة له. فتحديد المشكلة الأساسية في كل حالة هي أمر بالغ الأهمية. على سبيل المثال، من بين العشرين ألف مقاتل تقريباً الذين اعتُقلوا في العراق في منتصف العقد الماضي، كانت لنحو 4% منهم فقط دوافع إيديولوجية قوية. ومن هذا المنطلق، اقتضى أحد الاقتراحات التركيز على العمل مع الأشخاص الذين ربما لم يكونوا بنفس القدر من التطرف - على الرغم من أن التواصل مع نسبة الأربعة في المائة المتشددة قد يكون مستحيلاً، ويمكن تحقيق الكثير مع الغالبية الكبرى من المعتقلين، علماً أن دوافع العديد منهم كانت ماديةً وليست إيديولوجية.

• اشراك الحقوقيين في عملية المراقبة والدمج: لا يجب أن يشعر الفرد المفرج عنه بعزلته عن المجتمع وفشله في تعاطف أي فئة داخل المجتمع، لذلك يجب الاستفادة من الحقوقيين والمنتقدين للقوانين بإشراكهم في عملية المراقبة، وذلك يكون بالتعاون مع مرشدون مهنيون ذوي مهارات عالية يعملون مع مثل هذه الحالات وملمين بها جيدا، مع مراعاة الاستفادة من مجتمع الحقوقيون (المتعاطفين) ليكونوا حلقة تساهم في عملية دمج السجناء المفرج عنهم، خصوصاً وأن الأخيرين ليست لديهم ثقة كبيرة الأجهزة الأمنية. ويتولى مختصون ومرشدون اجتماعيون وعلماء النفس والأطباء النفسيين إجراء عمليات تقييم المخاطر. مع التأكيد أن تكون السلطات واضحة في عزمها على القيام بكل ما في وسعها لمحاكمته اذا ارتكب جرماً ما. 

في نهاية الأمر يجب دراسة إمكانية إرساء نوع من الرابط بين برامج إعادة التأهيل وإعادة الدمج وبين خدمات إنفاذ القانون والاستخبارات من أجل تقليص الخطر الناشئ عن محاولة إعادة دمج أشخاص متعنتين ومصممين على إلحاق الأذى. الأفراد لا يقومون بالضرورة بالالتزام بالتطرف مدى الحياة - بل قد يكون وضعهم مؤقتاً. وإذا كانوا ملتزمين، سيقضون على الأرجح بقية حياتهم وراء القضبان، ولكن إذا لم يبقوا في السجن فأين يذهبون؟.  ويشكل مثل هذا التقييم للمخاطر أمراً ضرورياً، ليس في مرحلة استقبال الأشخاص فحسب بل في المراحل اللاحقة أيضاً، وذلك من أجل أن يؤخذ في الاعتبار إمكانية عودة الشخص ذات الصلة إلى درب التطرف أو قد يصبح أكثر تطرفاً، كما حدث على ما يبدو مع الأخوين كواشي منفذي هجوم شارلي إبدو في فرنسا.

• مراعاة متغير انتشاء فايروس كورنا وامكانية متابعة المفرج عنهم: ذكرت صحيفة  لوفيغاروا في تقرير للكاتب بول كونزالاس أنه في الآونة الاخيرة وبسبب انتشار فايروس كورنا، انخفضت أعداد السجناء في السجون وأن الأمر يتعلق بالحجر الصحي وتوقف أغلب الدوائر القضائية والمحاكم عن العمل ويمكن تفسير هذه الظاهرة التي استمرت بعد رفع الحجر بالاستئناف البطيء لنشاط المحاكم التي بدأت عملها بشكل تدريجي. ويضيف الكاتب انه بالإضافة إلى انخفاض عدد السجناء، هناك أيضًا انخفاض في عدد الأشخاص المحكوم عليهم بالإفراج المشروط أو الافراج الجزئي والمراقبة تحت الأساور الإلكترونية هذا الخير وصلت نسبة المفرج عنهم الى 27% بينما وصلت نسبة عدد الأشخاص المحكوم عليهم بالإفراج المشروط الى  48% الأمر الذي يطرح عديد التساؤلات حول دور الجهات المعنية بإعادة تأهيل هؤلاء وادماجهم داخل الحياة الاجتماعية والعملية. 

 Islam Mousa (Atalla)
باحث في مركز التخطيط الفلسطيني- وحدة أبحاث الأمن القومي
المركز الفرنسي لبحوث وتحليل السياسات الدولية
Centre français de recherche et d’analyse des politiques internationales

التعليقات