طبيب الغلابة.. مرة أخرى

طبيب الغلابة.. مرة أخرى
طبيب الغلابة.. مرة أخرى
بقلم:د. رياض عبدالكريم عواد

"لئن كان طبيب الغلابة في مصر هو الدكتور محمد مشالي رحمه الله؛ فإنّ طبيب الغلابة في فلسطين هو الدكتور بشارة حزبون من مدينة بيت لحم". مثل هذه المقارنة تكررت كثيرا في بحر الإشادة بطبيب الغلابة في مصر المرحوم محمد مشالي.

تذكر أهل غزة اليد البيضاء للدكتور حيدر عبد الشافي، لكنني لم أرى أو اسمع من تذكر دكتور رشاد مسمار أو الدكتور رستم النمري وما قدماه لجرحى الانتفاضة الأولى، حيث كان يأتي دكتور النمرى إلي الجرحى في مستشفى العودة في غزة لانهم لا يستطيعون الذهاب إليه في مستشفى المقاصد في القدس، كان يأتي إلى غزة بصورة منتظمة.

تذكر البعض الدكتور جورج حبش طبيب الأطفال في مخيمات اللاجئين في الأردن والدكتور سمير غوشة طبيب الأسنان ولم ينس البعض الدكتور يعقوب زيادين.

ولم يبخل البعض في ذكر ما يقدمه بعض الاطباء في مخيماتهم واحيائهم، فهذا طبيب من مخيم البريج وآخر من مخيم الشبورة في رفح.

من الواضح أن أمثال الدكتور محمد المشالي ليس بالقليل وأن هذا المثال من الممكن تعداد المئات من أمثاله الذين يساعدون الفقراء ويبلسمون جراح الغلابة النفسية والجسدية......

لكن السؤال الهام الذي يجب إعادة طرحه مئات المرات لعلنا نضع ايدينا على جوهر المشكلة وعلى الحلول الحقيقية اللازمة للنهوض بصحة المجتمع بصفة عامة والضعفاء بصفة خاصة، هل هذا هو النموذج من الطب والأطباء الذي نريد؟! هذا بعيدا عن أهمية النموذج الذي قدمه ويقدمه الاطباء أمثال المرحوم محمد مشالي، وأهمية تعزيز قيم الخير والعطاء والرحمة بين الاطباء ومقدمي الخدمات الصحية.

وحتى نخرج من الكلام النظري ونقترب من الواقع أكثر سادعي أن وزارة الصحة الفلسطينية هي طبيب الغلابة الحقيقي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ولكي تكون مجازفتي محسوبة، رغم ما ساتعرض له من انتقادات وصولا إلى الهجوم والكلشيهات الجاهزة المعروفة، سأحاول أن اكون محددا وموضوعيا....

يتمتع الشعب الفلسطيني بنظام تأمين صحي بمعدلات عالية، لدرجة انك من الصعب أن تجد شريحة من المجتمع لا تستطيع أن تملك تأمين صحي مناسب لأوضاعها الاقتصادية ودخلها مهما قل....

تأمين الموظفين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين، مساهمة مالية تتناسب مع الراتب

تأمين العمال، رسوم رمزية

تأمين الشؤون الاجتماعية، مجانا

تأمين الجرحى، مجانا

تأمين الأسرى المحررين، مجانا

تأمين الشركات والمؤسسات والجامعات، تتناسب مع دخل الموظف

كما ترى فإن أشكال التأمين الصحي المتعددة التي وفرتها السلطة الوطنية لأبناء الشعب الفلسطيني عديدة تتلائم مع دخل كل فئة اجتماعية. بالمختصر اغلب الفلسطينيين مؤمنين صحيا ويستطيعون من خلال هذا التأمين الصحي الحصول على خدمات الرعاية الأولية والمبيت في المستشفيات مجانا، والحصول على جميع خدماتها التشخيصية والعلاجية والجراحية، تكون هناك أحيانا نسبة مساهمة بسيطة على الأدوية وبعض العمليات الجراحية، تاخذ كرسوم مشاركة copyments

قد يتأخر بعض الفقراء والمحتاجين أو المدعين عن تسديد الرسوم الشهرية للتأمين الصحي مما يؤدي إلى تراكم الديون عليهم لصالح وزارة الصحة، كان هناك مكتبا مفتوحا في الوزارة يعفي هؤلاء المواطنين من هذه الرسوم المتراكمة بمعدلات تفوق ال 90%، يوميا كان يصدر عن هذا المكتب أكثر من مائة معاملة.

أبان الانتفاضة الثانية وفرت السلطة الوطنية تأمين صحي أسمته تأمين الانتفاضة، ليغطي أي مواطن صحيا، حتى لو كان من فئة التجار برسوم رمزية جدا.

رسوم المشاركة التي تأخذ من المواطنين كانت 3 شيكل عن كل روشيتة علاجية، وليس عن كل دواء، هذا للكبار، اما الأطفال فالرسوم هو شيكل واحد عن كل روشيتة علاجية. وهذا ينطبق أيضا على رسوم الفحص المخبري والأشعات التصويرية.

هناك العديد من الخدمات التي تقدم مجانا للجميع بغض النظر عن وجود تأمين صحي من عدمه

جميع علاجات وتطعيمات الأطفال أقل من 3 سنوات

خدمات رعاية الامهات الحوامل

جميع الأمراض المعدية، التهابات الكبد الوبائي، الحمى المالطية، السالمونيلا والتفؤبد ووو و.

الأمراض الوراثية

مرضى السرطان

مرضى الفشل الكلوي وما يحتاجونه من أدوية وغسيل كلوي دوري

جرحى الحروب والمواجهات والاعتداءات الإسرائيلية،

اعتقد ان القائمة تطول أكثر من ذلك....

وفقا لتوصيات منظمة الصحة العالمية، تعمل كل وزارة صحة على إعداد قائمة بالادوية الأساسية الواجب على وزارة الصحة أن توفرها لمواطنيها، عدد الأدوية في هذه القائمة يتحكم فيه الوضع الوبائي والاقتصادي لهذه البلاد. قائمة الأدوية الأساسية في وزارة الصحة الفلسطينية حوالي 560 دواء، كما اعتقد.

وزارة الصحة الفلسطينية، إضافة إلى هذه القائمة، تشتري العديد من الأدوية باهضة الثمن عندما يحتاجها المرضى من خلال دائرة شراء الخدمات الصحية في الوزارة. كما تقوم هذه الدائرة بتحويل المرضى للعلاج خارج مستشفيات وزارة الصحة في حال عدم توفر هذه الخدمات في مشافي الوزارة. يساهم المواطنين بنسبة بسيطة من تكلفة هذه الأدوية والتحويلات العلاجية.

منذ أيام كنت استمع إلى برنامج اذاعي من إذاعة أحد الدول العربية، كان هناك فاصلا دعائي، يطالب المواطنين بالتبرع إلى احد مراكز مرضى الفشل الكلوي، يا للمصيبة؟!

باختصار، ما يتمتع به الفلسطيني في الأراضي المحتلة من خدمات صحية يحسده عليها الكثير من مرضى ومواطنين الدول المجاورة.

أن حجر الأساس في توفير الخدمات الصحية هو وجود نظام تأمين صحي يتناسب مع الدخل المالي للمواطن وفي نفس الوقت يستطيع أن يحافظ على استمرارية وتغطية جزء من الخدمات الصحية المقدمة، نظام التأمين الصحي الفلسطيني نجح في الأولى ولكنه مازال غير قادر على المهمة الثانية، بسبب الاوضاع السياسية والاقتصادية.

التأمين الصحي هو ما يحب أن تناضل من أجل توفره لكل المواطنين من أجل الحصول على خدمات صحية ملائمة للمواطن ولحفظ كرامتهم من الوقوف على أبواب الجمعيات والمؤسسات أو حتى الافراد الذين يقدمون بعض الخدمات الصحية المجانية، والتي فعليا ليس لها أثرا كبيرا في حماية صحة المواطنين.

كلمة صغيرة، لا يمكن بناء نظام صحي فاعل وراقي من أجل الغلابة وغير للغلابة في ظل اطباء غلابة، الاطباء الغلابة لا يستطيعون أن يبنوا نظاما صحيا فاعلا، انصفوا الاطباء الغلابة من أجل خدمة المرضى الغلابة؟!

نعم، وزارة الصحة الفلسطينية هي طبيب الفقراء بل هي طبيب الشعب.

التعليقات