رعب إسرائيلي من الجنائية الدولية

رعب إسرائيلي من الجنائية الدولية
رعب اسرائيلي من الجنائية الدولية

د. هاني العقاد 

حاولت الولايات المتحدة الامريكية كحليفة لإسرائيل اكثر من مرة مقايضة القيادة الفلسطينية بالمال لثنيهم عن التوقيع علي معاهدة روما ضد جرائم الحرب ومعاقبة مرتكبيها الا انها فشلت , وحاولت تهديدها بعدم  تقديم ملفات تحتوي علي شبهة جرائم حرب ارتكبتها اسرائيل  للجنائية الدولية لبحثها والتحقيق فيها ومقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين من وقفوا وراء ارتكاب تلك الجرائم الا انها فشلت ايضا وقدمت القيادة تلك الملفات للجنائية  ولم تكترث لأي اغراء امريكي اسرائيلي ولم تابة لتهديداتهم التي مازالت مستمرة حتي الان , فشلت امريكا لأنها تريد فقط الهيمنة علي كل شيء واجبار الفلسطينيين علي القبول بالاحتلال والتعايش مع جرائمه دون الشكوى ومقاضاة القاتل و وقف مسلسل ارتكابه لمزيد من هذه الجرائم بحق الشعب المحتل . عندما ادركت ادارة ترمب ان محاولاتهم فشلت لجات لقانون القوة والغاب وهو اللجوء الي فرض عقوبات سياسية ومالية علي المحكمة الدولية واعتبروا ان  تلك المحكمة لا تملك الحق في مقاضاة الامريكيان والإسرائيليين او فتح تحقيق في شبهات بارتكاب جرائم حرب اسرائيلية امريكية بحق المدنيين والشعوب المحتلة   وانها لا تمثل الا نفسها .

بالفعل اعلنت ادارة دونالد ترمب الشهر الماضي فرض عقوبات علي المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بسبب نيتها البدء بتحقيقات في جرائم حرب امريكية واسرائيلية ارتكبتها اسرائيل في الارض الفلسطينية المحتلة وادعت الولايات المتحدة الامريكية علي لسان الناطقة باسم ترمب ان المحكمة الدولية  لم تاخذ بالدعوات المتكررة من قبل ادارة ترمب من اجل اصلاح المحكمة واستمرارها  بالقيام بتحقيقات بدافع سياسي ضد الولايات المتحدة وضد حلفائها ومن بينهم اسرائيل. الجنائية الدولية صمدت في وجه كل تلك الضغوطات ولم تأبه لأي عقوبات سياسية او مالية فهي تعتبر قيمتها الذاتية المستقلة خارج هذه الدائرة وبالتالي اثبتت حتي اللحظة انها عصية علي الهيمة والخضوع لاي تهديد او ابتزاز امريكي اسرائيلي مشترك و واصلت عملها المستقل لأجل حماية الانسانية من الاشرار والمحتلين من يستبيحون ادمية الانسان قتلا وذبحا واستيطان ارضه وتشريده واستخدامه كحقل تجارب لأسلحتهم المحرمة دوليا.

   كافة اطراف المؤسستين السياسية والقضائية في اسرائيل فقدوا الامل في القدرة علي التأثير علي قضاة المحكمة وثنيهم عن فتح تحقيق قد يهدد حرية التحرك  للعديد من القادة للإسرائيليين الذين حتماً سيتم  اعتقالهم بتهم ارتكاب جرائم الحرب ان عاجلا ام اجلا   , وقد بات هؤلاء القادة  بالفعل يخشون   بدء المحكمة بالتحقيق بملفات قدمتها القيادة الفلسطينية للجنائية مدعمة بالبراهيم والدلائل القانونية علي ارتكاب قادة  اسرائيل كدولة احتلال جرائم حرب بالتخطيط والتنفيذ الممنهج بحق المدنيين الفلسطينيين .لعل البدء بالتحقيق بات مسألة وقت خاصة بعد ان اعلنت المدعية العامة للجنائية الدولية السيدة ( فاتوا بن سودا ) ان للمحكمة صلاحية التحقيق في ارتكاب اسرائيل لجرائم حرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وان للقضاة  الدائرة التمهيدية الاولي  كامل الصلاحيات في الشروع بهذا الاجراء واقرار ولاية السلطة الفلسطينية السياسية والجغرافية علي هذه المناطقة التي احتلتها اسرائيل عام 1967. وبذلك تكون المحكمة قد اسقطت الادعاء الاسرائيلي  الامريكي ان السلطة ليست دولة وليس لها سيادة قانونية ولا سياسية ولا جغرافية علي الارض الفلسطينية وان المحكمة  غير مخولة بفتح تحقيق في  الصراع الاسرائيلي الفلسطيني وادعاء ان المحكمة لها اختصاص فقط علي الالتماسان المقدمة من دول ذات سيادة علي اعتبار ان ليس للفلسطينيين سيادة  سياسية ولا جغرافية علي ارضهم ولم تقر الامم المتحدة فلسطين دولة عضو مراقب بالامم المتحدة عام 2012 , كل هذا يجري بالرغم من ان اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية لم يوقعا علي معاهدة روما التي تستند اليها المحكمة الجنائية الدولية . 

رعب اسرائيلي  اصاب الهرم السياسي و الامني الاسرائيلي من رائسه حتي قاعدته بعد قرار المدعية العامة للجنائية الدولية  تفويض الصلاحيات للقضاة لبدء بالتحقيق في ملفات جرائم الحرب لدرجة ان اسرائيل وضعت ما بين 200 الي 300 شخصية اسرائيلية سياسية وامنية وعسكرية في صورة احتمال صدور مذكرات اعتقال بحقهم وبالتالي  يتهددهم خطر الملاحقة  الذي قد يؤدي الي اعتقالهم يوما ما وخاصة ان اسماؤهم قد تكون وردت في التحقيقات التي تجريها المؤسسة الدولية ويخشي ان يوعز  للدول الاعضاء الموقعة علي معاهدة روما ضد جرائم الحرب وملاحقة مجرمي الحرب واعتقالهم وتسليمهم الي لاهاي بمجرد النزول علي اراضي تلك الدول وبالطبع معظم دول العالم يمكن ان تفعل ذلك  عدا الولايات المتحدة واسرائيل .  حالة الرعب هذه قد تفرض  علي المستويات القضائية تجهيز دفوعات قانونية حسب الحالات التي تضمنتها الملفات التي قدمها الفلسطينيين  لاستخدامها وقت الحاجة  , كما وان المؤسستين العسكرية والامنية بدأت باتخاذ كافة الاجراءات السرية المطلوبة عند   تنفيذ اي مهام احتلالية حتي لا تضاف تلك العلميات الي ملفات الجرائم امام الجنائية وقد يشمل هذا ايضا مسألة الضم التي تنوي الحكومة الاسرائيلية تنفيذها بتوجيهات من نتنياهو شخصيا بعد ان يحصل علي الضوء الاخضر من الولايات المتحدة التي تساند اسرائيل امام الجنائية وتوفر لقادتها الحماية , لذلك بدانا نلاحظ ان ضبابية كثيفة تلف هذا الملف ولا يعرف احد حتي الان اذا ما اذا  اجلت اسرائيل عملية الضم او انها تبحث عن مخرج قانوني ليجري الضم دون مسألة دولية باعتباره انتهاكا واضحا لروح القانون الدولي واعتداء علي قرارات الشرعية الدولية . 

[email protected] 

التعليقات