ملح "فتح" واستفحال اليأس.. وما بينهما

ملح "فتح" واستفحال اليأس.. وما بينهما
ملح "فتح" واستفحال اليأس .. وما بينهما

بقلم : ميساء أبو زيدان.

اختزنت "فتح" أداتها المتمثلة بالوحدة الوطنية ملحاً استعانت به على مرّ العقود المنصرمة لإغلاق جروحها؛ فهي وبحكم دورها القيادي في الثورة الفلسطينية تُدرك جيداً أن التجزئة والفُرقة الأداة الطولى للقوى الإستعمارية التي لا زالت تتّبع ذات السياسات وتستعين بالصهيونية كما نهجت سابقاً لاستباحة الإقليم العربي الذي طعنته بواسطة الكيان الوظيفة. وكون "فتح" جاءت تجسيداً فعلياً لإرادة الشعب الخالِصة المُتحررة من مجموع التيارات التي سادت المنطقة منتصف القرن الماضي متجاوزةً لرهاناتها التي أتت على مركزية القضية، ثبَّتَتْ أن المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني القائمة على التحرير والاستقلال وتقرير المصير هي ركيزة كل فعل ومعياره.

رسّخت "فتح" الوحدة الوطنية فكراً تبنته عندما نادت كافة القِوى الفلسطينية عام 1968 للتداعي عبر المؤتمر العام الذي عقدته في القاهرة آنذاك وأفضى لتقويم مسار منظمة التحرير بحيث أصبحت ممثلاً فعلياً للشعب الفلسطيني والحاضنة التي جمعت كافة الهيئات والتنظيمات بعيداً عن التجاذبات ووحدت الفعل المُقاوم باتجاه العدو لتحقيق التحرير أولاً. ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا تصدت "فتح" للمحاولات التي جهدتها قِوى عالمية كما أطراف في المنطقة والإقليم لاستغلال وشرذمت الفعل النضالي خدمةً لمصالحها، وتجاوزت العديد من المواقف والمنعطفات الحرجة التي تسببت بها بعض القوى الفلسطينية درءاً لِحرف المسار النضالي عن وجهته نحو تناقضات جانبية بعيداً عن المصالح الوطنية والتناقض الرئيس مع الإحتلال الإسرائيلي. خلال ذلك كله دفعت "فتح" لأجل التمسك بالوحدة الوطنية أداتها (المبدأ) الأثمان الباهظة كونها (استناداً لفِكرها كحركة ثورية) لم تتقدم على أهميةً الأهداف والمصالح الوطنية.

بالأمس القريب شهدنا المؤتمر الإعلامي الذي تم عقده بين ممثلي "فتح" وحركة المقاومة الإسلامية في إشارةٍ لجهودٍ تبذلها قيادة "فتح" ضمن توجهها وحراكها الدائمين لمواجهة المخططات الصهيونية المستهدفة لوجود وكرامة ووحدة الشعب الفلسطيني. وإن أردنا في هذا المقام تتبع مسار العلاقة بين "فتح" وحركة المقاومة الإسلامية نُدرك المبدأ الذي حدد مُنطلق الأولى الذي تُوِّج بإجراء الانتخابات التشريعية عام 2006 رغماً عن إرادة بعض الأطراف واعتُبرت حسب شهادات كافة الأطراف نموذجاً متقدماً لممارسة الديمقراطية لم يشهده الإقليم، بيد أن ذلك لم يلقَ لدى الثانية أدنى الاعتبارات فاستغلته ممراً انقضّت عبره على الشرعية الوطنية. وخلافاً لهواجس العديد الذي شكّكَ بامتلاك حركة المقاومة الإسلامية إرادة التوحد حمايةً للقرار الوطني المستقل؛ يخرج البعض المُهلل لذلك اللقاء الذي لم يُدرك بعد أن هذه الحركة لن تكون جزءاً من الإرادة الوطنية بل دوماً ستقف حائلاً دونها إذ أنها لا ترى في المشروع الوطني الفلسطيني خياراً لها.

قام المشروع الإسرائيلي على صناعة الأدوات التي ستُمكّنها من تمرير يهودية الدولة؛ بل إن الوظيفة الأساسية لتلك الأدوات تقتضي فرض الوقائع التي ستُفضي بقطاع غزة ليكون البديل الإسلامي الفلسطيني مقابل الدولة اليهودية التي لن تُنجَز دون التهام كامل الضفة الغربية، في مسعىً دائم للقضاء على الوجود المسيحي الذي أبقى على هوية الأرض الفلسطينية فالقِوى الاستعمارية بذراعها الصهيوني تُدرك أن هذا الوجود هو العقبة في وجه مشروعهم المُستهدف لوطنية الفعل والقرار. ويعتمد استمرار مشروعهم هذا على ضرب المكونات الوطنية بالعناصر الدخيلة وتهيئة المناخات المُحيطة التي تكفل لهم كقوة استعمارية إضعاف المقدرة النضالية وعلى رأسها حركة "فتح". 

مَنْ يُراهن اليوم بأن حركة المقاومة الإسلامية سَتُؤمِن يوماً بالمشروع الوطني وستمسي شريكاً يذود عن استقلالية القرار كَمَنْ يُراهن على أن الإسرائيليين سيقبلون بالسلام العادل والشامل مبدأً لهم وسيرتضون بالانسحاب من الأراضي التي احتُلت عام 1967 وعودة اللاجئين لديارهم. ما يُشكل التحدي الجسيم أمام الإرادة الوطنية التي صاغتها وتقودها "فتح" ويتطلب منها استعادة زمام المبادرة بالتحرك الشعبي على الأرض المُستند لمقومات الصمود والثبات، فاليأس الذي بات يفتك بالفلسطيني في غزة عبر أدوات مشاريعهم الاستعمارية تلك دفعَ بأبنائنا لجرف اختيار الموت على الحياة بِفِعل الإذلال والقهر الذي تقوده حركة المقاومة الإسلامية منهجاً يومياً ضدهم بحيث بات الموت هو السبيل لوضع حدٍ لهذا الجُرم المُمارس بحقه.

انعقد ذاك المؤتمر بأجواءٍ عكست لفظياً موقف ونوايا حركة المقاومة الإسلامية تجاه وحدةٍ تضمن للشعب الفلسطيني زخماً مقاوِماً متصدياً للتوجهات الإسرائيلية الاستعمارية العنصرية، لتأتي فوره حملة مداهماتٍ واعتقالات وتهديدات طالت العديد من أبناء وكوادر "فتح" في قطاع غزة تجسيداً فعلياً لنواياهم المُستترة ما يؤكد أن صالح العاروري ومجموع قيادات حركة المقاومة الإسلامية في الخارج لا قيمة لهم في ميزان التأثير على مجموعة الدّعاة المُسيطرة على القرار السياسي في القطاع، أولئك الذين استباحوا دمَ كل فلسطيني خالفهم القرار منطلقين من فتاوى التكفير التي أصدرها شيوخهم المُستندين لتوجهات مراجعهم قادة مشروع الخلافة في المنطقة القائم أساساً على طمس الهويات الوطنية. قسراً يُدفَع الشعب الفلسطيني في غزة اليوم لاختيار الموت قراراً ذاتياً مقابل انعدام الحياة واستفحال اليأس الأمر الذي يلوح بضرورة أن تُدرك "فتح" بأيّ ملحٍ وكيف يُذر الجرح.

التعليقات