كورونا في زمن السراط غير المستقيم

كورونا في زمن السراط غير المستقيم
كورونا في زمن السراط غير المستقيم

د. سرمد فوزي التايه

عندما اجتاح وباء كورونا أو ما بات يُعرف بـ(كوفيد 19) العالم برمته مطلع العام الحالي دون أن يستثني قارةً من القارات أو دولةً من الدول أو حتى شعب أو قوم دون آخر؛ ليأتي على الأخضر واليابس من على وجه هذه البسيطة؛ فيكشف عورات الدول المُتقدمة والمُتطورة، ويُظهر عيوب الشعوب التي تدَّعي التَحَضُّر، ويبين تناقض وتضارب المصالح بين الأفراد والحكومات؛ حتى بات التخبُّط والارتجال وردود الأفعال والأفعال المُنعكسة تطفو على السطح وتظهر أمام العيان! لدرجة أنَّ الأفراد وحكوماتهم باتوا يترصدون ويتصيدون كل للآخر كشفاً عن اخفاقٍ في اتخاذ قرار هنا أو فشلٍ في تنفيذ انضباط هناك؛ ليأخذ كل منهم بكيل الاتهام وتحميل المسؤولية للآخر؛ فترى الحكومات تصبُّ جُلَّ غضبها وأسفها على أفراد شعبها غير المُلتزمين وغير المُنضبطين، فيما ترى الشعوب حانقةً منزعجةً مضغوطة من القرارات المدروسة أو الارتجالية وغير المدروسة لحكوماتهم حسب ادعائهم. وعلى الرغم من تنامي تلك الظاهرة من تحميل مسؤولية الفشل أو القرار غير السليم أو التطبيق غير المسؤول والتي قد تفشَّت وبدت واضحةً في معظم أقطار الأرض كما فعل الفايروس المُسبب هنا؛ إلا أن ما كنا نشاهده في المنطقة العربية على وجه العموم والمنطقة الفلسطينية على وجه الخصوص كان الأوضح والأكثر بروزاً وتجلياً أمام العالمين.

لن نتطرق في حديثنا هنا إلى كل ما جاءت به وحملته جائحة كورونا أو ما ارتبط بها من أمور وتداعيات اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية أو سياسية أو غيرها؛ لكننا سنتطرق ونقوم بالولوج إلى الناحية الدينية فقط في هذا المقام؛ لتشريحها ووضعها تحت عدسة مُجهرنا عَلَّنا نكتشف مواطن الخلل في بعض القرارات المُتعلقة بها وما تبعها وسار في ركبها عن قناعةٍ أو عدم قناعة بتطبيق لتلك القرارات لما يُرجى فيها من المصلحة العامة والسلامة والأمن للجميع.

مع اصدار الحكومات العالمية على وجه العموم والحكومات العربية والإسلامية على وجه التحديد من القوانين والمراسيم بإعلان حالات الطوارئ وما تبعته من قرارات من مجالس الوزراء وخلايا الأمن والطوارئ التابعة لها والمُتمثلة بإغلاق كافة مناحي الحياة على أراضيها وما لاقاه من ارتياح وترحيب من شرائح بعض المجتمعات وغضب واستياء لشرائح أخرى، ومع قرب انتهاء حالة الطوارئ والاغلاق الأولى حتى بدأت حالة التململ وعدم الرضى والسخط تزداد ويتسع نطاقها؛ كونها أتت على مُقومات حياة الناس وكان لها إسهامات مُباشرة أو غير مُباشرة في فسيفساء مجريات تلك المعيشة. وما أن انتهت فترات الاغلاق بعد أزمان مُتباينة حسب كل دولة وكل منطقة، والسماح لقطاعات عديدة بالرجوع للحياة الأولى الطبيعية أو شبه الطبيعية مع اغفال أو عدم إفساح المجال أمام إقامة الصلوات في المساجد والكنائس كما هو المعتاد؛ حتى تعالت أصوات المصلين وغير المصلين، الملتزمين وغير الملتزمين بالصراخ والنداء العالي بضرورة فتح دور العبادة على مصراعيها للسماح بعودة الصلوات الى طبيعتها. وعندما لم تُفلح تلك الأصوات بالصعود إلى مسامع المسؤولين حتى بدأ الناس بالانفلات شيئاً فشيئاً من تلك القيود وإقامة شعائر هنا وهناك منها ما كان سري ومنها ما كان علني جهري وعلى الملأ؛ بحجة أنّ الأسواق باتت تعج بمرتاديها، فلماذا لا يكون ذات الحال بمرتادي تلك الاماكن؟ 

إنَّ المؤلم في هذا الواقع أنه عندما عادت الحكومات وسمحت بفتح المساجد؛ حتى عاد مُرتاديها ومن كانوا يُنادون بإعادة فتحها إلى عددهم الأصلي أو أقل من ذلك بقليل، فخفتت الأصوات ولم يعد هناك داعٍ لكيل الانتقادات والتعليقات، وكأن شيئاً لم يكن؛ فبات واضحاً للعيان أنَّ هناك قصة مُماحكة بين صاحب القرار والمواطن المُطبَّق عليه ذلك القرار؛ فمرة ترى أنّ الحكومات في مرحلة معينة قد فتحت الأبواب على مصراعيها لبعض المرافق( على الرغم من نداءاتها المتكررة بضرورة التقيّد بشروط السلامة العامة)، إلا أنها بنفس الوقت قد أخّرت فتح المساجد لحين من الزمن؛ وكأن الفيروسات لا تعرف طريق الأسواق ولا تنشط إلا في المساجد! علماً أنَّ الجامعات والمدارس هي الأخرى ظلّت مُغلقة ولكن القليل من الناس من كانوا يأبهون بها أو يحنون عليها! وبنفس الوقت نرى أن المواطن بات شُغله الشاغل وهمُّه الوحيد إعادة فتح المساجد حتى وإن لم يكن من المصلين الملتزمين بصلاة الجماعة ولسان حاله يقول: لا تُغلقوا المساجد وسأشكيكم إلى الله حتى وإن كنت لا أعرف للمسجد طريق ولا اعلم بالضبط كيف تُقام الصلوات وصلاة الجماعة على وجه الخصوص! وذلك كشكل من أشكال الانتقاد اللا محمود لتسليط الضوء على عيوب قرارات المسؤولين وصُنّاعها!

إنّ الموضوع هنا بحاجة إلى حكمة وكياسة وحُسن ظن بعيداً عن الانتقادات اللاسعة والبحث عن الزلّات والخطايا؛ فعلى الرغم من أنّ وباء كورونا هو بالنهاية وباء وجائحة اجتاحت العالم وأتت على كل مُقدّراته وأودت باقتصاده إلى الجحيم؛ فطال الدول العظمى قبل المتوسطة والنامية بخسائر بمليارات الدولارات نتيجة الإغلاقات لجميع المجالات البرية والبحرية والجوية وكل المنشآت الاقتصادية، ناهيك عن الميزانيات التي صُرفت على مجالات الوقاية والعلاج والعزل الصحي؛ إلا أنَّ  إجراءات الإغلاقات كانت بالنهاية للصالح العام ولضمان أمن وسلامة المواطنين، وإن أُغلقت المساجد عندنا فقد أُغلقت الكنائس والمعابد وجميع دور العبادة في العالم أجمع، وإن المؤامرة المزعومة ضد المساجد لا يُجدى أن يُستمع لها من كل ذي لبّ أو من ألقى السمع وهو شهيد.

من الناحية  الثانية، كان من الأجدر بصُنّاع القرار النظر إلى المرافق الدينية كما المرافق الدنيوية دون تمييز، وأن لا يكون هناك تفريق بينهما كونها جميعاً حاجات ومأرب إنسانية لا غنى لأحدها عن الأخرى، وإنه ما كان يُحبَّذ فتح مرفق على حساب الإغلاق لآخر، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التشديد والمتابعة الحثيثة لاتباع وتطبيق البروتوكولات الصحية في جميع مناحي الحياة موازنة بين جلب المنافع ودرء المفاسد واحاطتها جميعاً بسياج المصلحة العامة التي تُودي بالنهاية للخروج من أتون النار الكاوية بين جنبات هذا النفق المظلم الذي لا يُعرف مقصد مخرجة بعد.     

التعليقات