في مواجهة الهم والقَضْم

في مواجهة الهم والقَضْم
( في مواجهة الهم والقَضْم )

بقلم : ميساء أبو زيدان. 

يواجه الفلسطيني اليوم من الأعباء ما هو مُتعِب حد الإنهاك بالمستويين الفردي والجمعي، الحال الذي تمر به معظم شعوب العالم لما يشهده من أحداث تختلف بين منطقة وأخرى عمقتها جائحة الكورونا، لكن ما يضيف للفلسطيني العبء الأشد ضراوةً هو ما فرضه الإحتلال الإسرائيلي من واقعٍ ضاعف من التعقيدات والتحديات المحيطة به مما دفعه نحو دوامة الترقب المُضني لما هو آت؛ لذلك المجهول. حرص الإحتلال الإسرائيلي ومنذ بدء الصراع على نزع كافة المقومات التي بإمكانها أن تمنح الشعب الفلسطيني القدرة على حماية وجوده على أرضه والتمسك بهويته الوطنية للتقدم في مسيرة نضاله التحرري، لذلك ارتكز كقوة احتلالية على عدة استراتيجيات أولها استهداف وجود الشعب الفلسطيني عبر سياساتٍ تنوعت بين الترهيب وارتكاب المجازر والتهجير القسري وخلافها لتضعنا بالنتيجة أمام تطهيرٍ عرقي فعلي.

على هذه المبدأ غُرِس الكيان المُستَعمِر العنصري الذي يُنسَب لبني إسرائيل كامتداد؛ الرواية التي فنّدها الكثير من علماء الأنثروبولوجيا والتاريخ وغيرهم رداً على أولئك الذين استثمروا المناخات العالمية لدق وتد مصالحهم في الشرق الأوسط فور الحرب العالمية الثانية على حساب فلسطين أرضاً وشعباً وهويةً. ولهذا المبدأ سُخِرت ولا تزال سياسات قادة الاحتلال الإسرائيلي والتي وصلت حد إزاحة مَن تجرأ منهم وطرح السلام كضرورةً للتعايش في هذه المنطقة عن المشهد الإسرائيلي، على هذا المبدأ تُبنى منهجيات الأحزاب الصهيونية وتُصاغ قراراتها وانطلاقاً منه يستفحل اليمين الإسرائيلي المتطرف تغولاً داخل الكيان واستهدافاً وقحاً لكل ما يحيطه. 

انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة متصديةً لهذا المشروع عبر لم الشتات وبناء المقدرة الكفيلة باستدامة الفعل النضالي وفرض قضية الشعب الفلسطيني قضيةً عادلة شرعية بالتلازم مع حفظ عناصر الهوية الوطنية ومُراكمة المقدرات استناداً للإنسان المحور في هذا كله، لتصل القضية الفلسطينية اليوم رغم ما واجهته من منعطفاتٍ حرجة إلى المكانة التي لم يعد بوسع أيّ قوةٍ أو طرف في العالم أن تتجاوزها. المخطط الرامي لتصفية القضية يقوم على بندٍ أساس ألا وهو تجريد الإنسان الفلسطيني من هويته ليغدو مجرداً من كل مقدرة تعينه على الاستمرار لحفظ وجوده وحقوقه الوطنية الشرعية وهو ما يحدث اليوم؛ إذ أن التوجه الإسرائيلي السياسي الصبغة المُستنِد لدعم الإدارة الأميريكية والذي يقضي بالاستيلاء على أجزاءٍ واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ويأتي كأحد بنود رؤية إدارة البيت الأبيض لإنهاء الصراع في المنطقة؛ يستهدف الإنسان الفلسطيني بالمقام الأول كون سلطة الإحتلال تتحكم قسراً بالواقع الفلسطيني بكافة مناحيه وعناصره، ضاربةً بِعُرضِ الحائط معاهدات وقرارات الشرعة الدولية والإتفاقيات التي أُبرمت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وبإشرافٍ دولي أيضاً.

لم ينتهج الاحتلال الإسرائيلي كقوة استعمارية ذات السياسات التقليدية التي اتّبَعتها الأطراف المتنازعة خلال صراعاتٍ عديدة حول العالم رغم أن قادة الاحتلال على اختلاف مراحل الصراع قاربت بين الثورة الفلسطينية ونماذج مشابهة لها، إلا أن سياساته اختصت الفلسطينيين بصنوفٍ من الاستهداف المتصل بالإنسان أولاً كونه لبنة الفعل النضالي. وهو ما شهدناه ولا زلنا عبر العقدين الأخيرين حيث حرص الاحتلال الإسرائيلي على نزع ثقة الفلسطيني بإرادته الوطنية وقدرته على بناء كيانيته والتمسك بهويته فالصراع مختلف أيضاً إذ أنه صراع يتطلب مقدرة فلسطينية على الصمود. 

يبدو للجميع أن الطرف الأضعف في الصراع هو الفلسطيني؛ بل إنه هو نفسه بات يشعر بذلك كما حالة الإرباك التي تتملكه متسمراً أمام ذاك التساؤل المُضني المرتبط بماهية المجهول، فها هو يعيش اللجوء الآخر ويعاني ويلات قَسْمِ ظهر الوطن الذي طَعنَ عدالة قضيته، وتحدي الوباء بخلاف إرهاب سلطة الإحتلال التي تسلبه مقدراته وعيشه الكريم وجرائم اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يجابهه يومياً وبثبات، بالتلازم مع الشعور بالخذلان من المُحيط المتشظي بالأزمات والعالم المنحاز، أمّا التحديات الداخلية فهي مختلفة بمجالاتها ومستوياتها كتلك الدمى التي يحركها المُحتَل وعابروا المراحل الانتهازيين العلقات وأولئك الذي امتهنوا تجارة أزمات الأوطان، كما لن يفوتنا بهذا المقام البعض العابث بمقدرات الشعب الفلسطيني الذين كفلوا إضعاف الزخم الشعبي إزاء كل توجهٍ وطني.

بات الشعب الفلسطيني بكافة مكوناته اليوم أمام التساؤل الأهم الذي لا مفر منه الخاص بسبل صمود الفلسطيني على أرضه لمواجهة هذه السلطة الاستعمارية الإحلالية التوسعية والتصدي لمخططاتها المُستهدِفة للمنطقة العربية برمتها. يغدو هذا التساؤل المُلّح اليوم برسم أطر منظمة التحرير الفلسطينية؛ إن أي قرار أو توجه يجسد الإرادة الوطنية الفلسطينية وينشدُ الثبات والصمود في وجه هذا الاحتلال لا بدّ أن يُؤسَس له ولجدراته استناداً للشعب ذاته؛ ما يتطلب وقفةً عاجلة تبحث في الآليات التي تكفل تعزيز صمود الشعب الفلسطيني بكافة مكوناته وأطيافه حتى لا يتحول من طلّاب حرية وحقوق وطنية إلى أفراداً شتات يطالبون بحقوقٍ مدنية لن تصل بهم إلى المستوى الخامس أو السادس من المواطنة بظل سلطة الإحتلال ويمينه العنصري.

التعليقات