العقول الأسيرة في مواجهة قانون حماية الأسرة

العقول الأسيرة في مواجهة قانون حماية الأسرة
العقول الأسيرة في مواجهة قانون حماية الأسرة   

د. عبير عبد الرحمن ثابت

كما جرت العادة ترتفع الأصوات المعارضة على القوانين الاجتماعية والخاصة بالمرأة والأسرة في معظم الأحيان دون قراءة موضوعية لها؛ وفى بعض الأحيان تكون ردة فعل مباشرة تعود في كثير من الحالات للثقافة الذكورية التي تأسر عقولهم وتتحسس من أي قرارات تخص النساء أو الأسرة حيث ينظر لهذه لقرارات بأنها قد تصيب السلطة الأبوية بهزة أو ارتجاج.

فلا يمكن فهم اعتراض البعض على قانون حماية الأسرة باعتبار أن بنود القانون تمثل انتهاك للقيم المجتمعية والعقائدية للمجتمع؛ وأنه قانون يتماها مع اتفاقية سيداو الدولية؛ والتى يعترض البعض على بعض بنودها وهاجمها الكثيرين بناءً على قراءات مغلوطة وتحريفات ممنهجة لا تمثل ما جاء في الاتفاقية.

وحينما تقرأ بنود قانون حماية الأسرة المكون من(52) بند تدرك جيدا أن كل من اعترض على هذا القانون إما لم يقرأ القانون أو أنه يعترض فقط من أجل المناكفة السياسية، ومن المنطقي أن يتم قبول الاعتراض على طريقة التشريع للقانون فى غياب السلطة التشريعية؛ ولكن هذا الاعتراض كان يجب أن يكون بالأساس على الأسباب التى أوصلتنا إلى تعطيل السلطة التشريعية؛ والتي هى بالأساس بسبب الانقسام الذى يوشك أن ينحدر نحو الانفصال النهائي والذى يمثل هذا الاعتراض السريع المسيس أحد تداعياته الكارثية على الحالة الفلسطينية .

وبالإطلاع على كل الاعتراضات التى صدرت على القانون اتخذت طابع العمومية فيما يتعلق بنصوص القانون؛ فلم يناقش أى من أولئك المعترضين أى فقرة من الفقرات(52) ويعترض عليها ويطرح تعديلاته المقترحة عليها، وهو ما يؤكد الفرضية الثانية أعلاه بأن وجه الاعتراض الأصلى إنما يكمن فى إطار المناكفة السياسية أو النظرة الذكورية الأبوية التي ما زالت تنظر للمرأة نظرة دونية وملكية خاصة لمجتمع يعج بالذكورية.

وعليه وبعد قراءة قانون حماية الأسرة وعلى عكس ما يروج البعض له فهو يأتى منسجما ومتوافقا للغاية مع تعاليم الشريعة الإسلامية، ويتجلى ذلك فى معظم فقراته التى لا يوجد فيها أى فقرة تتعارض معها، لا بل أكثر من ذلك فقد حرص المشرع فى الفقرة 42 على تحديد نوع العنف تجاه الزوجات الموجب للعقوبة؛ وقد فصل فى هذا الجانب فى درجة العقوبة وبدأها بالعنف الذى يؤدى إلى علاج فى المشافى ويستدعى كتابة تقرير طبي وليس أقل من ذلك وصولا الى العنف الذى يؤدى للوفاة.  

وهنا نرى أن المُشرع ترك مساحة ما لعنف (إنساني) للتماهي مع بعض التشريعات الاسلامية فى هذا الصدد؛ وهى تشريعات تقيد العنف ضد الزوجات فى الحد الأدنى الذى لا يسبب أذى للزوجة علما بأن ديننا الاسلامى حمى المرأة ويرفض الاعتداء عليها بأى شكل من الأشكال، ولكن في ظل التزام الكثيرين بممارسة مظاهر التدين وغياب الدين في سلوكياتهم وهو ما نشهده من حجم الاعتداء على حقوق المرأة يتوجب سن قوانين تحميها وتحفظ كرامتها.

مع العلم بأن الفقرة 42 ضمن الفقرات التى كانت محل نقد من المنظمات النسوية المدافعة عن حقوق المرأة ضمن العديد من الانتقادات التى توجه للقانون بكل موضوعية؛ والتى من ضمنها أن القانون لا يعالج أو حتى يردع مرتكبي جرائم القتل ضد النساء تحت عنوان جرائم الشرف؛ خاصة وأن المجتمع الفلسطينى فى مرتبة متقدمة عربيا وعالميا فى الاحصائيات السنوية لتلك الجرائم.

وفى الحقيقة قانون حماية الأسرة هو خطوة أولية فى الإتجاه الصحيح؛ وهى وإن كانت خطوة مهمة إلا أنها بالتأكيد ليست كافية لدعم وحماية الأسرة الفلسطينية؛ فثمة العديد من المشاكل والمعضلات التى تواجه الأسرة الفلسطينية مشكلات ذات طابع تراكمى تاريخى متوارث وأخرى حديثة العهد بالأسرة الفلسطينية ناتجة عن التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع،  وكلا النوعين هما فى الحقيقة بحاجة لحوار معمق لإحداث تغيير تقافي فعلى وليس نظرى فى الكثير من المسلمات الثقافية الخاطئة التى تعيق من التطور الاجتماعى للمجتمع الفلسطينى.

ولنكون واقعيين إن تشريع القوانين مهما كانت متقدمة فإنها لن تكون محل فاعلية وديناميكية ما لم يواكب تلك القوانين والتشريعات حوار مجتمعى أفقى ورأسي من أجل الاصلاح الثقافي المتوازن والمرحلى والتراكمى ضمن استراتيجية مجتمعية حكومية وغير حكومية يكون هدفها الأساسي المفكرين والمثقفين الفلسطينيين وعلماء الدين الاسلامى والمسيحي، وتكون استراتيجية هدفها الأساسي إحداث تغيير ثقافي مجتمعي من شأنه تنقيح الثقافة الجمعية للشعب من الكثير من الآفات والمفاهيم الخاطئة؛ والتى تنعكس فى السلوك المجتمعى وعلى كافة المستويات وصولا إلى المستوى السياسي الذى أدى إلى أن يصبح قانون من هذا القبيل فى نظر أولئك بأنه معول لهدم الأسرة والقيم الاجتماعية والعقائدية للمجتمع وهو في الواقع عكس ما ينشروه حوله .

مقالى هذا هو دعوة للجميع لقراءة قانون حماية الأسرة وإلى من قرأوه إلى إعادة قراءته بطريقة موضوعية بعيدا عن النعرات الأيديولوجية والسياسية التي ترفض كل ما من شأنه أن يساعد على حماية وصون وسلامة وأمان الأسرة الفلسطينية.

أستاذ علوم سياسية

التعليقات