خطوات الضم الاسرائيلى المحسوبة فى الأيام القادمة.. وسبل مواجهتها

خطوات الضم الاسرائيلى المحسوبة فى الأيام القادمة.. وسبل مواجهتها
خطوات الضم الاسرائيلى المحسوبة فى الأيام القادمة.. وسبل مواجهتها 

د. عبير عبد الرحمن ثابت

بالرغم من إدراك حكام إسرائيل الائتلافيين لمخاطر خطوة الضم؛ والتى هى فى الحقيقة لن تغير فى الواقع المفروض على الأرض الكثير كون كل الأراضي الفلسطينية فى كامل فلسطين التاريخية هى تحت السيادة العسكرية الاسرائيلية منذ ما يزيد على نصف قرن؛ وتتصرف فيها عسكريا ومدنيا كيفما تشاء وتفرض واقعها التهويدى على الأرض دون مراعاة لأى قرارات دولية ذات صلة تجرم سياستها الاستيطانية الكولونيالية فى الضفة والقدس، وذلك على اعتبار أنها أراضي محتلة.

ولكن حكام إسرائيل مدفوعين بهوسهم اليمينى المتطرف وبتشبثهم بالسلطة وصراعهم فيما بينهم على أصوات الناخب الاسرائيلي الذى يتصدرها جمهور مؤيد للأحزاب اليمينية القومية الصهيونية والمتطرفة للغاية فيما يخص قضايا الصراع الفلسطينى الإسرائيلي؛ خاصة أن كلا قطبي الائتلاف يدركان جيدا أن الانتخابات القادمة لا تعدو كونها مسألة وقت؛ وورقة الضم وإن كانت لن تكسب أى من أطراف الائتلاف أوارقا انتخابية تمايز فيما بينهم فى الانتخابات القادمة، وعدم الضم سيعنى فقدان أصوات مهمة من كليهما لصالح أحزاب يمينية أصغر فى ظل خارطة حزبية شهدت خلال ربع قرن من الزمن تحولات دراماتيكية تحولت من خلالها أحزاب عريقة إلى أحزاب أقلية لا تتعدى مقاعدها فى الكنيست أصابع اليدين.

من هنا ندرك الأزمة أو المعضلة التى تواجه الائتلاف الحكومى الاسرائيلي بسبب الشجرة التى صعد عليها كلاً من جزبى الائتلاف عبر تعهدهما باكرا بالضم ضمن حملاتهم الانتخابية وتوافقهم على الضم ضمن اتفاق تشكيل الإئتلاف الحكومى الحالي، وعليه فإن عملية الضم التى روجت لها الحكومة الاسرائيلية باكرا لتجس نبض المجتمع الدولى والاقليمى والفلسطينى؛ والتى قوبلت بردة فعل دولية وفلسطينية حاسمة، ومن الواضح أن ردود الأفعال تلك قد أزعجت للغاية دوائر صنع القرار فى إسرائيل لأن التهديدات التى تضمنتها سيكون من الصعب على إسرائيل مواجهتها كونها قد تؤدى إلى خسائر لن يكون بمقدور إسرائيل تعويضها.

وعليه فإن عملية الضم الواسعة التى كان مخطط لها قد تؤجل لأجل غير مسمى فى مقابل ضم مركز واستراتيجى ومحدود فى مناطق بعينها كمنطقة شرق القدس الشرقية وتحديدا مستوطنة معالى أدوميم وإلى الشرق منها؛ وتكمن استراتيجية ضم من هذا القبيل فى تحقيق حلم يمينى صهيونى واستراتيجى فى إقامة القدس الكبرى؛ والتى ستحقق هدف استراتيجى آخر عبر فصل شمال الضفة عن جنوبها ومزيد من التدمير الاستراتيجى لفكرة قيام دولة فلسطينية ذات معنى بعد وصول حدود القدس الكبرى إلى البحر الميت.

وخطوة من هذا القبيل ستكون بمثابة السلم الذى ستنزل من خلاله الحكومة الاسرائيلية من على الشجرة بأمان وبأقل إصابات من حجارة المستوطنين الذين قد يرون فى الخطوة ترضية مؤقتة لأحلامهم فى إلتهام كل الضفة الغربية والأغوار.

وتتوقع إسرائيل أن لا تكون ردة الفعل الدولية والفلسطينية والعربية بنفس الحدة التى ستكون لو أنها ضمت 30% من الضفة الغربية كما كانت تخطط. وتعتقد إسرائيل أن ردة الفعل الفلسطينية تلك سيكون بإمكانها احتوائها مع الوقت وأن تعود الأمور سريعا إلى ما كانت عليه سابقا. وهى تراهن فى ذلك على ردة فعل إقليمية هزيلة وعلى ضعف الطرف الفلسطينى وبراغماتيتهم فى الرد المتوقع منهم؛ وعلى أن كلا الردود الإقليمية والفلسطينية سيمثلان دافع قويا لكلا من الاتحاد الأوروبى والروسي والصين إلى تخفيف أى رد متوقع منهم.

وبناءً على ذلك علينا كفلسطينيين أن ندرك جيداً أن ردة قعلنا على أى خطوة للضم ستكون حاسمة فى مستقبل هذا الصراع؛ على الأقل على المدى المنظور وبكل موضوعية فلم تُبقى إسرائيل للفلسطينيين إلا خيار واحدا هو خيار الجنون الثورى؛ وهو خيار ذو أثمان باهظة للجميع لكن جنون ثوريا مدروس سيمثل خطر فادح على اسرائيل وحدها لأنه سيكون نهاية ربع قرن من إدارة اسرائيل الناجحة  للصراع؛ والذى تحول خلاله الاحتلال ليس إلى احتلال مجانى بل إلى مشروع تجارى استراتيجى يدر على خزينة اسرائيل مئات المليارات من الدولارات التى منحها العالم للسلطة الفلسطينية واستقرت فى نهاية المطاف شواكل فى خزينة بنك هابوعليم ودعمت ركائز الاقتصاد الاسرائيلى.

ولممارسة هذا الجنون الثورى في ظل حالتنا الفلسطينية الحالية ولكبح جماح إسرائيل ووقف ممارساتها الاستيطانية؛ علينا أن نتيقن أن خيارنا الأهم هو وحدة الصف الفلسطينى وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني ومؤسساته؛ فهو المدخل الحقيقى لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية ولمواجهة مخططات إسرائيل التهويدية الساعية لتصفية قضيتنا.

أستاذ علوم سياسية

التعليقات