شهداء "ثورة البراق".. 90 عاماً على إعدام جمجوم والزير وحجازي

شهداء "ثورة البراق".. 90 عاماً على إعدام جمجوم والزير وحجازي
توضيحية
"من سجن عكا طلعت جنازة"، مطلع  القصيدة الشهيرة التي تغنى بها الفلسطينيون على مدى عقود طويلة، لشاعرها نوح إبراهيم، وهي واحدة من عشرات القصائد والمرثيات التي كتبت بعد إعدام المناضلين الثلاثة محمد جمجوم، وعطا الزير، وفؤاد حجازي، على يد المستعمر البريطاني عام 1930، بعد أحداث ثورة البراق التي اشتعلت في فلسطين عام 1929.

ويوافق اليوم الثلاثاء الذكرى الـ 90 لإعدام الأبطال الثلاثة في سجن القلعة بمدينة عكا على الرغم من الاستنكارات الاحتجاجات العربية.

وبدأت قصة هؤلاء الشهداء بعدما قامت الشرطة البريطانية باعتقال مجموعة من الشبان الفلسطينيين بعد اندلاع ثورة البراق التي بدأت عندما نظم اليهود مظاهرة ضخمة في 14 أغسطس/آب 1929 بمناسبة ما أسموه "ذكرى تدمير هيكل سليمان" أتبعوها اليوم التالي بمظاهرة ضخمة في شوارع القدس، حتى وصلوا حائط البراق، وهناك راحوا يرددون "النشيد القومي الصهيوني" بالتزامن مع شتم المسلمين.

ويوم الجمعة 16 أغسطس/آب الذي وافق ذكرى المولد النبوي الشريف، توافد المسلمون ومن ضمنهم الشهداء الثلاثة للدفاع عن حائط البراق، حيث كانت هناك نية لليهود للاستيلاء عليه، فوقعت صدامات عمت معظم فلسطين.

واعتقلت شرطة الانتداب حينها 26 فلسطينيا ممن شاركوا في الدفاع عن حائط البراق، وحكمت عليهم جميعا بالإعدام في البداية، لينتهي الأمر بتخفيف هذه العقوبة عن 23 منهم إلى السجن المؤبد، مع الحفاظ على عقوبة الإعدام بحق الشهداء الثلاثة جمجوم وحجازي والزير.

وحددت سلطات الانتداب يوم 17 يونيو/حزيران 1930 موعداً لتنفيذ حكم الإعدام بحق الثلاثة، في وقت تحدى فيه هؤلاء الشهداء الخوف من الموت.

وكان جمجوم يزاحم الزير يريد أن يكون أول من يتم تنفيذ الحكم فيه غير آبه بالموت، وكان له ما أراد، أما عطا فطلب أن ينفذ حكم الإعدام به دون قيود إلا أن طلبه رفض فحطم قيده وتقدم نحو حبل المشنقة رافعا رأسه.

وقد تلقى جمجوم المنحدر من مدينة الخليل دراسته الابتدائية فيها، وعندما خرج إلى الحياة العامة عاش ظلم الانتداب، فكان يتقدم المظاهرات احتجاجا على اغتصاب أراضي العرب، وكانت مشاركته بالثورات دفاعا عن المسجد الأقصى مما جعل القوات البريطانية تقدم على اعتقاله.

وكان حجازي أصغر الثلاثة سنا وهو مولود في مدينة صفد، وتلقى دراسته الابتدائية والثانوية في الكلية الأسكتلندية، والجامعية في الجامعة الأميركية في بيروت، وعرف منذ صغره بشجاعته وحبه لوطنه واندفاعه من أجل درء الخطر الصهيوني عنه، وكانت له مشاركة فعالة في مدينته بالثورة التي عمت أنحاء فلسطين.

والزير من مواليد مدينة الخليل، وعمل في مهن يدوية عدة واشتغل في الزراعة وعُرف عنه منذ صغره جرأته وقوته الجسدية، وشارك في المظاهرات التي شهدتها المدينة احتجاجاً على هجرة الصهاينة إلى فلسطين.

وسُمح للثلاثة أن يكتبوا رسالة في اليوم السابق لموعد الإعدام، جاء فيها "الآن ونحن على أبواب الأبدية، مقدمين أرواحنا فداء للوطن المقدس، لفلسطين العزيزة، نتوجه بالرجاء إلى جميع الفلسطينيين، ألا تُنسى دماؤنا المهراقة وأرواحنا التي سترفرف في سماء هذه البلاد المحبوبة، وأن نتذكر أننا قدمنا عن طيبة خاطر، أنفسنا وجماجمنا لتكون أساسا لبناء استقلال أمتنا وحريتها وأن تبقى الأمة مثابرة على اتحادها وجهادها في سبيل خلاص فلسطين من الأعداء. وأن تحتفظ بأراضيها فلا تبيع للأعداء منها شبرا واحدا، وألا تهون عزيمتها وألا يضعفها التهديد والوعيد، وأن تكافح حتى تنال الظفر".

وأضافوا: لنا في آخر حياتنا رجاء إلى ملوك وأمراء العرب والمسلمين في أنحاء المعمورة، ألا يثقوا بالأجانب وسياستهم، وليعلموا ما قال الشاعر بهذا المعنى: .. ويروغ منك كما يروغ الثعلب.

وقد خلد الشهداءَ الثلاثة الشاعرُ الفلسطيني إبراهيم طوقان في قصيدته (الثلاثاء الحمراء)، وغنتها فرقة العاشقين ويقول مطلعها، وهذا نصها:

الثلاثاء الحمراء

لما تَعرّضَ نجمُكَ المنحوسُ

وترنَّحتْ بعُرى الحبالِ رؤوسُ

ناح الأذانُ وأعولَ الناقوسُ

فالليلُ أكدرُ، والنهارُ عَبوس

طفقتْ تثورُ عواصفُ

وعواطفُ
والموتُ حيناً طائفُ

أو خاطفُ

والمعولُ الأبديُّ يمعنُ في الثرى

ليردَّهم في قلبها المتحجِّرِ

***

يومٌ أطلّ على العصور الخاليَهْ

ودعا: «أمرَّ على الورى أمثاليَهْ؟»

فأجابه يومٌ: «أجلْ أنا راويهْ

لمحاكم التفتيشِ، تلك الباغيه

ولقد شهدتُ عجائبا

وغرائبا

لكنَّ فيكَ مصائبا

ونوائبا

لم ألقَ أشباهاً لها في جَورها

فاسألْ سوايَ وكم بها من مُنكَرِ

***

وإذا بيومٍ راسفٍ بقيودهِ

فأجاب، والتاريخُ بعضُ شهودهِِ

انظرْ إلى بِيض الرقيقِ وسُودهِ

من شاء كانوا ملكَه بنقودهِ

بشرٌ يُباع ويُشترى

فتحرَّرا

ومشى الزمانُ القهقرى

فيما أرى

فسمعتُ مَنْ منع الرقيقَ وبيعَهُ

نادى على الأحرار: يا من يشتري

***

وإذا بيومٍ حالك الجلبابِ

مُتَرنّحٍ من نشوةِ الأوصابِ

فأجابَ: «كلاّ، دون ما بكَ ما بي أنا

في رُبى «عاليه» ضاع شبابي

وشهدتُ للسفّاح ما

أبكى دما

ويلٌ له ما أظلما

لكنّما
لم ألقَ مثلَكَ طالعاً في روعةٍ

فاذهبْ لعلكَ أنتَ يومُ المحشرِ

***

اليومُ» تُنكرهُ اللَّيالي الغابرهْ

وتظلّ ترمقه بعينٍ حائره

عجباً لأحكام القضاءِ الجائره

فأخفُّها أمثالُ ظلمٍ سائره

وطنٌ يسيرُ إلى الفناءْ

بلا رجاءْ

والداءُ ليس له دواءْ

إلاّ الإباءْ

إنَّ الإباءَ مناعةٌ، إنْ تشتملْ

نفسٌ عليه تَمتْ ولمّا تُقهرِ

***

الكلُّ يرجو أن يُبكِّرَ عفوُهُ

ندعو له ألا يُكدَّرَ صفوُهُ

إنْ كان هذا عطفُه وحُنوُّهُ

عاشت جلالتُه وعاش سُموّه

حمل البريدُ مُفصِّلا

ما أُجْمِلا

هلاّ اكتفيتَ تَوسُّلا

وتَسوُّلا

والموتُ في أخذ الكلامِ وردّهِ

فخذِ الحياةَ عن الطريق الأقصر

***

ضاق البريدُ وما تغيّرَ حالُ

والذُّلُّ بين سطورنا أشكالُ

خُسرانُنا الأرواحُ والأموالُ

وكرامةٌ - يا حسرتا – أسمال

أَوَ تُبصرون وتسألونْ

ماذا يكونْ؟

إنّ الخداعَ له فنونْ

مثلُ الجنونْ

هيهات، فالنفسُ الذليلةُ لو غدتْ

مخلوقةً من أعينٍ لم تُبصِرِ!

***

أنّى لشاكٍ صوتُه أن يُسمَعا؟

أنّى لباكٍ دمعُه أن يَنفعا؟

صخرٌ أحسَّ رجاءَنا فتصدّعا

وأتى الرجاءُ قلوبَهم فتقطّعا

لا تعجبوا، فمن الصخورْ

نبعٌ يفورْ

ولهم قلوبٌ كالقبورْ

بلا شعورْ

لا تلتمسْ يوماً رجاءً عند منْ

جرّبتَه فوجدتَه لم يشعُرِ

 

الساعات الثلاث

الساعة الأولى

 

أنا ساعةُ النفسِ الأبيّهْ

الفضلُ لي بالأسبقيّهْ

أنا بِكرُ ساعاتٍ ثَلاثٍ، كلُّها رمزُ الحميّه

بنتُ القضيّةِ إنّ لي

أثراً جليلاً في القضيّه

أثرَ السيوفِ المشرفيّــةِ،

والرماحِ الزاعبيّه

أودعتُ، في مُهج الشبيــبةِ، نفحةَ الروحِ الوفيّه

لا بدَّ من يومٍ لهم

يَسقي العِدى كأسَ المنيّه

قسماً بروح «فؤادَ» تَصْــعَدُ من جوانحه زكيّه

تأتي السماءَ حفيّةً

فتحلّ جنّتَها العليّه

ما نال مرتبةَ الخُلودِ بغير تضحيةٍ رضيّه

عاشتْ نفوسٌ في سَبيــلِ بلادها ذهبتْ ضحيّه

 

الساعة الثانية

أنا ساعةُ الرجل العتيدِ

أنا ساعةُ البأسِ الشديدِ

أنا ساعةُ الموتِ الـمُشَرْ

رِفِ كلَّ ذي فعلٍ مجيد

بطلي يُحطّمُ قيدَهُ

رمزاً لتحطيم القيود

زاحمتُ مَنْ قبلي لأَ سْــبقَها إلى شرف الخلود

وقدحتُ، في مُهج الشَّبابِ، شرارةَ العزمِ الوطيد

هيهات يُخدَعُ بالوعودِ، وأنْ يُخدَّرَ بالعهود

قسماً بروح «محمّدٍ:

تلقى الردى حلوَ الورود

قسماً بأمّكَ عند مَوْتِكَ، وَهْي تهتف بالنشيد

وترى العزاءَ عن ابنها

في صيته الحَسَنِ البعيد

ما نال مَن خدم البِلادَ أجلَّ من أجر الشهيد

الساعة الثالثة

أنا ساعةُ الرجلِ الصبورِ

أنا ساعةُ القلبِ الكبيرِ

رمزُ الثباتِ إلى النِّهايَةِ، في الخطير من الأمور

بطلي أشدُّ على لقاءِ الموتِ من صُمّ الصخور

جذلانُ يرتقبُ الردى فاعجبْ لموتٍ في سرور

يلقى الإلهَ «مُخضَّبَ الْــكَفَّينِ» في يوم النشور

صبرُ الشبابِ على المصابِ، وديعتي ملءَ الصدور

أنذرتُ أعداءَ البِلادِ بشَرّ يومٍ مُستطير

قسماً بروحكَ يا «عطاءُ»، وجنَّةِ الـمَلِكِ القدير

وصِغارِكَ الأشبالِ تَبْــكي الليثَ بالدمع الغزير

ما أنقذ الوطنَ المفَدْ

دَى غيرُ صبّارٍ جسور

الخاتمة

الأبطال الثلاثة

أجسادُهم في تربة الأوطانِ

أرواحُهم في جنّة الرضوانِ

وهناك لا شكوى من الطغيانِ

وهناك فيضُ العفوِ والغفران

لا ترجُ عفواً من ســواهْ هو الإلهْ

وهو الذي ملكتْ يـداهْ كلَّ جاهْ

جبروتُهُ فوق الذيــن يغـرّهــمْ

جبروتُهم في بَرّهــم والأبْحُرِ


التعليقات