مباشر | تغطية صحفية | آخر التطورات

أسرار علاقة محمود درويش بمحفوظ وإدريس

أسرار علاقة محمود درويش بمحفوظ وإدريس
توضيحية
"الدخول إلى القاهرة كان من أهم الأحداث في حياتي الشخصية، في القاهرة ترسخ قرار خروجي من فلسطين وعدم عودتي إليها، ولم يكن القرار سهلًا، كنت أصحو من النوم وكأنني غير متأكد من مكان وجودي، افتح الشباك وعندما أرى النيل أتأكد من أنني في القاهرة، خامرتني هواجس ووساوس كثيرة، لكنني فتنت بكوني في مدينة عربية، أسماء شوارعها عربية والناس فيها يتكلمون العربية، وأكثر من ذلك وجدت نفسي أسكن النصوص الأدبية التي كنت أقرأها وأعجب بها"، هكذا تحدث الشاعر محمود درويش عن رؤيته للقاهرة، حسبما نُشر في جريدة "روز اليوسف" 2008.

فى طريقه من "موسكو" إلى القاهرة اكتشف "محمود درويش" أن صخب رحيله عن فلسطين لم يهدأ بعد كل هذه السنوات، وأن أحداً من أهله وأصدقائه لم يتقبل أو يتفهم قراره بالسفر إلى الاتحاد السوفيتى مطلقاً، وأن كل الصحف والكتاب الفلسطينيين هاجموه على ما فعل باستثناء الكاتب الشهير "إميل حبيبى" الذى كانت تجمعه به صداقة قوية، لهذا اتخذ "درويش" قراره بعقد مؤتمر صحفى فى القاهرة فور أن حط فيها الرحال ليعلن قائلا: "أنا لم أرحل عن المعركة فقط أنا قادم من منطقة الحصار إلى منطقة العمل".

وقد كان وبدأ فصلٌ جديدٌ فى حياة "محمود درويش" وسط صخب القاهرة وزخمها، حيث انضم فور وصوله إلى الكتاب والصحفيين فى مجلة (المصور) التى كان يترأس تحريرها وقتها الكاتب الكبير "رجاء النقاش" أول ناقد عربى يكتب عن شعر "محمود درويش" الذى افتتح كتاباته فى المصور برسالة مفتوحة إلى بنى وطنه نافياً عن نفسه صفة "الأسطورة" و"البطل" مؤكداً أنه "ليس أكثر من فرد واحد فى شعب يقاوم الذبح" وهو اشتباك سريع مع الواقع والحقيقة فتح له صفحات كل الصحف والمجلات المصرية التى أجرت معه حوارات موسعة، ثم نشرت "المصور" قصيدة "أغنية حب فلسطينية" باعتبارها أول قصيدة يكتبها "درويش" فى مصر، ولاقت صدى كبيراً للدرجة التى تناثرت أخبار تقول بأن الموسيقار "محمد عبد الوهاب" أعجب بها وبدأ فى تلحينها لتغنيها المطربة "نجاة" لكن المشروع توقف لسبب أو لآخر.

عامان فقط قضاهما "درويش" فى القاهرة قضى فيهما فترة وجيزة كاتبا فى الأهرام، حينما كانت تلك الجريدة العريقة تستقطب النجوم، قبل أن يقرر الرحيل- فجأة ودون سبب معلن- إلى بيروت التى كانت صحافتها تهاجمه بشدة باعتباره فر من المعركة فى وطنه وظل مقيما هناك لفترة يعمل فى مؤسسات النشر التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية التى أصبح فيما بعد عضواً فى لجنتها التنفيذية فى ثانى خطوة كبرى هاجمه فيها كثيرون باعتباره دخل بقدميه دنيا السياسة التى تختلف تماماً عن عالم الشعر.

اتخذ "درويش" موقفاً مناهضاً لاتفاقية "كامب ديفيد" 1979 وتم منعه بعد ذلك من الدخول إلى مصر حتى عاد إليها من جديد عام 1984 ليلقى فى لياليها أول أمسية شعرية له منذ سنوات طويلة، بعد ذلك بأربع سنوات فقط كان فى الجزائر يكتب "إعلان الاستقلال الفلسطينى" وهو الإعلان الذى تمت كتابته فى قاعة قصر الصنوبر فى مدينة الجزائر العاصمة، ونص على استقلال دولة فلسطين، وتحديد القدس عاصمة لها، وبموجبه أصبح لفلسطين سفراء فى عدد كبير من دول العالم، وكان هذا آخر عهده بالعمل السياسى العام، إذ استقال من منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن عقدت اتفاقية أوسلو مع إسرائيل عام 1993 التى هاجمها بشدة.

كما التقى درويش خلال وجوده بالقاهرة بالموسيقار محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، كما التقى بكبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم.

عيّنه محمد حسنين هيكل فى نادى كتّاب "الأهرام"، وكان مكتبه بالطابق السادس، وهناك كان مكتب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وبنت الشاطئ، وكان توفيق الحكيم فى مكتب فردى وهو والبقية فى مكتب واحد، وعقد صداقة عميقة مع محفوظ وإدريس، الشخصيتين المتناقضتين، فقال عن محفوظ شخص دقيق فى مواعيده، ومنضبط، يأتى فى ساعة محددة ويذهب فى ساعة محددة، وكان عندما يسأله: هل تريد فنجان قهوة أستاذ نجيب؟ كان ينظر إلى ساعته قبل أن يجيب، ليعرف إن كان حان وقت القهوة أم لا، أما يوسف إدريس، فكان يعيش حياة فوضوية، وكان رجلاً مشرقاً.

كما كون درويش صداقات مع الشعراء الذين كان يحبهم ومنهم صلاح عبد الصبور وأحمد حجازى وأمل دنقل والأبنودى، حيث كانوا أصدقاءه القريبين منه جداً، فى القاهرة تمّت ملامح تحوّل فى تجربتى الشعرية وكأن منعطفاً جديداً يبدأ.

ومن القصائد المهمة التى كتبتها فى القاهرة قصيدة "سرحان يشرب القهوة فى الكفاتيريا" ونشرت فى صحيفة "الأهرام" وصدرت فى كتاب "أحبك أو لا أحبك".

التعليقات