نميمة البلد: الشركاء الإسرائيليين

نميمة البلد: الشركاء الإسرائيليين
نميمة البلد: الشركاء الإسرائيليين
جهاد حرب

أظهرت مظاهرة السبت الماضي في ميدان رابين بمدينة تل أبيب أن طيفا واسعا من الإسرائيليين يمكن أن يكونوا شركاء في مواجهة الاحتلال. هذا الطيف من المعارضين للحكومة الإسرائيلية وضد الاحتلال ورفض سياسة الضم للأراضي الفلسطينية وضد رئيس الحكومة نتنياهو شخصيا وفساده في الحكم يمكن أن يؤدي دورا هاما في إسقاط السياسات الاحتلالية للحكومة الإسرائيلية.

وبغض النظر عن اهداف المختلفة لمن تظاهروا سواء كانوا أحزاب وكتل أو أفراد، وكذلك وبغض النظر عن الاختلاف في الأهداف ما بين المتظاهرين وبين التوجهات الفلسطينية في الجوانب المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي فإن الغاية المشتركة لهؤلاء منع المزيد من الاستعمار ورموزه. إن الاشتراك في الغاية ليس بالضرورة الاتفاق التام على التفاصيل انما يحتاج الى التدبر والفهم الأعمق لكيفية استثمار القدرات والإمكانيات المتاحة من جهة، وتطوير الأدوات اللازمة للنهوض بالوسائل الداعمة او الموصلة للغاية من جهة ثانية، والتقليل من المصاعب والعقبات وتذليلها من جهة ثالثة، وعدم تحويل الاختلافات الى خلافات بين الشركاء بل الحد منها من جهة رابعة. وذلك لمواصلة المسيرة في عملية المواجهة، ولتوسيع جبهة المواجهة مع الاحتلال، ولتنويع الجهات المشاركة فيها، ولتحقيق الغاية المتمثلة بإنهاء الاستعمار الإسرائيلية الكولونيالي وممارسة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.  

قد يثير عنوان المقال وموضوعه نقاشا في جوانب مختلفة وهي كالعادة هذه المسائل مثار خلاف حادٍ بين الفلسطينيين، في ظني أن هذا النقاش أو الخلاف حول كيفية البحث أو البحث عن شركاء إسرائيليين لمناهضة الاستعمار الإسرائيلي هي مسألة مفاهيمية جوهرية تتعلق بوسائل العمل أو البرنامج النضالي للفلسطينيين ورؤيتهم للآليات المطلوبة والممكنة والتي تحقق التأثير الأكبر أو على الأقل تأثيرا لصالح الفلسطينيين. وهو نقاش دائم عبر تاريخ النضال الفلسطيني يأخذ أشكالا مختلفة حول الوسائل.

ففي الخمسينات والستينات من القرن الماضي جرى النقاش حول الكفاح المسلح ونجاعته ما بين حرب التحرير الشعبية وحرب الجيوش الرسمية، ومن ثم جرى ناقش في السبعينات حول اختطاف الطائرات كوسيلة نضالية ورفضها، وفي التسعينيات أيضا بات النقاش حول العمليات التفجيرية في المدن الإسرائيلية والداخل المحتل وكذلك الأمر في الانتفاضة الثانية. كما ان النقاش مستمر اليوم حول جدوى وعدم جدوى امتلاك الصواريخ مقابل المقاومة الشعبية السلمية في مواجهة الاحتلال.

 إن الإشكالية الأساسية في العقل السياسي الفلسطيني هي أن كل طرف، في كل الأزمان، يرى أنه يمتلك الحقيقة دون غيره في البلاد أو هو صاحب المشروع الوحيد دون الدخول في حوار "وطني" للاتفاق على الأساليب والوسائل المطلوبة والممكنة التي تخدم الهدف الأسمى لهذا النضال، أو الاتفاق على المعايير الواجبة لاستخدام هكذا أسلوب أو وسيلة يمكن تبريرها أو تقديمها للمجتمع الفلسطيني.

يعني ذلك يمكن أن أكون مقاطعا للاقتصاد الاستعمار الإسرائيلي وناشطا في حركة "BDS" وفي الوقت نفسه مشاركا في تحالف مع أطياف من المجتمع الإسرائيلي لمناهضة الاستعمار أي ناشطا في "لجنة التواصل"، وقد أكون في أحدهما وغير مقتنع بالمشاركة في الوسيلة الأخرى. هذه مسألة اختيارات وقناعات لكن الأهم عدم العبث أو إهدار الوقت في الصراع الداخلي، تخوينا وتكفيرا وشتما، لتحقيق الغلبة على بعضنا بالقدر اللازم لاستثمار القدرات الكامنة لدى الأطراف والجماعات والمجموعات المختلفة. وأجزم هنا أن جميع المسارات مطلوبة؛ فلم يتحرر شعب من الاستعمار دون مقاومة بأشكال مختلفة وفقًا لامكانياته وقراءته للظروف الموضوعية والذاتية، ودون العمل مع فئات وشرائح وقوى مجتمع دولة الاستعمار ذاته وإقامة تحالف أو شراكة مع حركات أو أطراف أو تجمعات داخله بدواعي مختلفة أو أسباب متعددة سواء كانت تلك ايمانا بالحقوق الوطنية للشعوب المستعمرة أو لوقف الدماء والوقوف مع ضحايا العنف، وهما يسيران جنبا الى جنب.  

في ظني أن المسألة الرئيسية الغائبة في الفهم الفلسطيني يرتبط بمسألتين هما عدم الاتفاق أصلا على الوسائل أو على الأقل على المبادئ التوجيهية للوسائل المختلفة أولا، ما يتبعه عدم فهم تناغم المسارات المتعددة للوصول للهدف الوطني ثانيا.

التعليقات