الأحزاب وواقع الأمة العربية

الأحزاب وواقع الأمة العربية
الأحزاب وواقع الأمة العربية
بقلم:د. سعيد السعودي

لقد عاشت الأمة العربية في مخاض كبير في السنوات الماضية حيث مرت في أحداث خطيرة وعظيمة فبعد ركود دام لسنوات في ظل وجود معسكرين معسكر الاعتدال ومعسكر الممانعة عاشت الأمة العربية في زمن الملوك والرؤساء المُعمرين منذ حركات التحرر العربي من الاستعمار وكانوا في نظر الأمة قادة وطنيين عظام ومع وجود بعض الخلافات في وجهات النظر إلا أن الاحترام كان متبادل بينهم و في نفس الوقت كان الهدوء يخيم على المنطقة العربية بوجودهم وجاءت الفاجعة بمؤامرة دخول العراق إلى الكويت في أغسطس1990 من ثم حرب الخليج الأولى في عام 1990 وجاءت حرب الخليج الثانية في 17 يناير 1991 ثم احتلال العراق وتدمير القوة العسكرية فيها وسلب خيراتها تحت ناظر الأمة العربية و بدء انتشار الفوضى والعصابات والأحزاب والفصائل العسكرية ومن هنا انتاب المواطن العربي الخوف من المستقبل وأصبح مصطلح المؤامرة يجري في أروقة الحكومات العربية وزاد قهر الأمة من الحالة السياسية والاقتصادية والأمنية التي يعيشها المواطن العربي وجاءت المعضلة الكبرى للمواطن عندما فكر أنه يخرج من قيد العبودية للثورات السلمية وبدء الربيع العربي واستبشرت الشعوب العربية بالتغير وبدل من الربيع العربي أصبح الوضع خريف عربي مليء بالقتل والموت والدماء والهدم وانتشرت الفوضى وخرجت من رحم الربيع العربي أحزاب و منظمات تتبني أفكار تكفيرية لا تؤمن بالديمقراطية أو العيش بسلام مدعومة بالسلاح والعتاد و المال من أجهزة مخابرات دول عظمى للوصول بالمنطقة إلى حافة الهاوية ليتحكموا بمقدراتها وجعل هذا الجسم الغريب هو الغول أو الشبح الذي يُخيفون به الدول العربية وابتلعت الأمة العربية الطعم وأصبحت أجسامهم مسممة بين مؤيد ورافض انتهى عصر الزعامات القوية انتهى عصر الديكتاتورية والقوة فاصبح المواطن العربي في تيه عظيم وراقت دماء أبناء الأمة العربية في كل مكان حرب حزبية في اليمن وسوريا وليبيا ومحاربة الإرهاب في سيناء وانقسام حزبي في فلسطين واقتتال وتفجير في العراق ومشاحنات في الخليج العربي وحرب بين السعودية واليمن وانقسام في السودان 
ومع أننا أمة عظيمة تمتلك جميع مقومات الحضارة فنحن أمة أعزنا الله ولكننا لا نريد العزة بل نريد أن نبقى في ذيل الامم وللمطلع على مقدرات الأمة من مشرقها لمغربها ومن شمالها لجنوبها يجد أن الامة العربية تمتلك كل اسباب الازدهار والتقدم من رجال ومقدرات ولكن بنظرتنا الدونية نجعل من أنفسنا أداة رخيصة بيد الغرب والشرق نتوسل هنا ونقبل اليد هناك و كأننا لم نقرأ التاريخ ولم نعرف ما هو مصدر قوتنا هل ينتظرون صلاح دين جديد؟ أو ملك عادل ليجمعهم في اتحاد عربي واحد فلن يحدث هذا, حتى تتغير الأفكار الانهزامية في عقول الأمة . قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ الرعد:11 لست متشائما ولكنني واقعيا أن الله رزق هذه الأمة الخير الوفير وجعل فيها البركة والرزق فمصر والسودان سلة العالم من الزراعة ووفرة الأيدي العاملة و دول الخليج العربي رزقهم كنوز كبيره وأهمها الطاقة بجميع أنواعها من النفط والغاز والشمس وباقي المنطقة العربية غنية بالمعادن والثروات ما يجعلها تتحكم في العالم ألا يكفي كل هذه المقومات أن تنشأ حضارة عربية قوية وعريقة تنافس حضارات العالم؟ وتصل بشعوبها إلى بر الامان سؤال يحيرني هل الصين وأمريكا واليابان وغيرها من الدول العظمى تمتلك ما تمتلكه الأمة العربية من مقومات بالطبع لا فإن الدول المذكورة تضم في جوهرها كل المتناقضات الثقافية والدينية والعرقية واللغات المختلفة ولكننا كأمة عربية واحدة نمتلك المكان الجغرافي المميز بين القارات و العرق الدين اللغة و الثقافة الواحدة ولكن لا نمتلك القناعة الواحدة باننا جسد واحد لأمة واحدة قال تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ آل عمران 110 فنجد الكثير من الدول العظمى تتبني عقول أولادنا وعلمائنا ومفكرينا باسم الحرية والديمقراطية المفقودة في بلاد العرب . ومثال ذلك صانع الحضارة في الصين المفكر العراقي إلياس كوركيس الأب الروحي للنهضة الحديثة في الصين وللأسف لم تتبناه أي دولة عربية ولكنه كان موظفا في جامعة أكسفورد البريطانية نحن نربي ونعلم ونبني علماء لا نعرف قيمتهم وهم يتبنوهم للوصول معهم إلى الازدهار والتقدم فكم من علمائنا في بلاد الغرب في جميع المجالات في الطب والهندسة والطاقة والتنمية البشرية والاقتصاد ونحن في غفلة عنهم هم يصنعوا ونحن فقط مستهلكون نستورد ما يصنعوا وننفق أموالنا ونزيد من البطالة في بلادنا و نحول أموالنا إلى البنوك الغربية للاستثمار فيها بعيدا عن البنوك العربية لأنها من وجهة نظرنا بنوك غير آمنة ولكن فلنسترجع التاريخ كم من أموال الأمة ضاعت في البنوك الغربية ويتم مصادرتها لأسباب سياسية أو بدون أسباب فلو حُولت كل هذه الأموال الى الاستثمار في بلادنا العربية ليستفيد منها المواطن العربي لوجدنا أن حال الأمة تغير ولن تجد البطالة و الفقر أو الحاجة التي تدفع إلى الجريمة و القتل من أجل لقمة العيش ولنوفر لشعوبنا تنمية مستديمة تحقق الرخاء للأمة والمستقبل المبهر لأطفالنا وشبابنا 
نحن اليوم نتابع الوضع العالمي في ظل فيروس كورونا فنجد الشعوب و الحكومات التي كنا نراهن عليها تعيش في أسوء حالاتها الاقتصادية والسياسية بسبب فيروس صغير بجيشه الكبير المتنامي فيضرب العالم و ينفي الاستقرار الاقتصادي والسياسي والتجاري بين الدول وأصبحت كل دولة عظمى كما يسميها البعض تلهث لتخرج من الأزمة فأين الرأسمالية والليبرالية و أين العولمة التي تغنوا فيها ضاعت بين أنياب فيروس كورونا و نجد أن الدول العربية اليوم هي صاحبة الحظ الأوفر في مقاومة انتشار فيروس كورونا بإمكانياتها البسيطة وثقافة مواطنيها ومعتقداتهم وهي الأقل اصابات بين دول العالم ونجد بعض الدول العربية تقدم المساعدة للدول العظمى للخروج من أزمة فيروس كورونا و من هذه الدول مصر وتونس والمغرب فعلى قادة الأمة أن يعوا ان الأمة قادره أن تبني مستقبلها بنفسها بعيدا عن المصالح الغربية وبجهود رجالها وعلمائها و وجيشها العظيم بالتعاون مع بعض الأشقاء من الدول الاسلامية المتقدمة صناعيا وتجاريا وأن تصنع من نفسها عولمة جديدة بالطعم العربي وتعتبر كارثة فيروس كورونا بمثابة صفعة على وجه النائمين من الأمة العربية ليستيقظوا من غفلتهم

التعليقات