أمير القدس.. 19 عاماً على رحيل فيصل الحسيني

أمير القدس.. 19 عاماً على رحيل فيصل الحسيني
فيصل الحسيني
عندما ولد فيصل الحسيني كان والده مسجونا من قبل السلطات العراقية، ثم انتقل مع والده إلى السعودية حيث طلب اللجوءالسياسي إليها بعدما أفرجت عنه السلطات العراقية.

ولد "فيصل" في بغداد في السابع عشر من يوليو 1940، ووالده هو عبدالقادر الحسيني قائد القوات الفلسطينية (جيش الجهاد المقدس) في معركة القسطل، وقد استشهد فيها، وانتقلت أسرته بعد ذلك إلى القاهرة.

آمن الحسيني بضرورة إشراك الشباب في العمل الوطني، ولهذا سافر إلى بيروت ومكث في مقر رئيس منظمة التحرير أحمد الشقيري في قرية "كيفون" بجبل لبنان، وأقام هناك معسكرا تدريبا للشباب قبل أن يحاول إدخالهم إلى فلسطين.

كان الحسيني يتحدث العبرية بطلاقة، ويخاطب الإسرائيليين بلغتهم، من باب إيمانه بمعركة الرأي العام، لذلك كان صوته مسموعا، وكان الإسرائيليون يعون تماما أنه يقول ويفعل.

قاد العمل السياسي لمنظمة التحرير وحركة فتح، حتى اعتقاله عام 1968 بسبب حيازة السلاح، وحكم عليه بالسجن لمدة عام.

وبعد الإفراج عنه من معتقلات الاحتلال، فرضت عليه الإقامة الجبرية لمدة سبع سنوات، ما بين عامي 1981 و1987، حيث كان يمنع عليه مغادرة القدس نهارا، وترك منزله ليلا.

وصدرت بحقه مجموعة من الأحكام الإدارية التي قضاها داخل سجون الاحتلال قبل اندلاع الانتفاضة الأولى التي كان أحد أهم قادتها، كان مع الناس في الشارع ويقود العمل الوطني.

أوكلت لفيصل الحسيني رئاسة الفريق الفلسطيني المفاوض في مؤتمر السلام بمدريد عام 1993، وقاد المحادثات مع وزير الخارجية الأميركي حينها جيمس بيكر، وبقي يترأس المفاوضات حتى عام 1993 وتوقيع اتفاقية أوسلو والمعروفة رسميا بإعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي.

بعد أوسلو، ركز فيصل الحسيني عمله بالقدس ولأجلها، خاصة وأنه كان يعرف أن الاتفاق اعتبر ملف القدس قضية مؤجلة، فكان يخشى أن تقوم إسرائيل بأي إجراءات من طرف واحد.

بعدها تسلم رئاسة لجنة مشتركة تختص بملف القدس، يمثلها هو من الجانب الفلسطيني وموشيه شاحاك من الجانب الإسرائيلي، والتي استمرت بالعمل على قضايا القدس حتى بداية الانتفاضة الثانية التي اندلعت عام 2000.

قبل ذلك، وتحديدا عام 1979، اضطلع الحسيني بدور كبير في معركة الدفاع عن القدس، وكان حريصا على إقامة مؤسسات فلسطينية بالمدينة لدعم أهلها، والحفاظ على هويتها العربية، فأنشأ جمعية الدراسات العربية ومقرها القدس، لإعداد الأبحاث التربوية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والسياسية والثقافية من خلال مراكز متخصصة.

أقلق نشاط الحسيني سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فأغلقت مقر الجمعية والمؤسسات التابعة له يوم 28 يوليو/تموز 1988متعللة بذرائع أمنية، وتكررت أوامر الإغلاق أكثر من مرة على مدى سنوات الانتفاضة الأولى التي كان الحسيني أحد قادتها، واعتقل عامين لهذا السبب.

وبعد مرور نحو أربع سنوات، سمحت إسرائيل بإعادة فتح بيت الشرق في يوليو/تموز 1992، واستأجر الحسيني البيت بكامله بعد أن أصبح مسؤول ملف القدس باللجنة التنفيذية لـ منظمة التحرير الفلسطينية.

وسرعان ما أصبح بيت الشرق مقصدا للضيوف الأجانب الذين يزورون القدس، فاختير مقرا لوفود مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية للاجتماع بالمبعوث الخاص لـ الأمم المتحدة جيمس جونا لمناقشة موضوع المبعدين الفلسطينيين إلى مرج الزهور بلبنان والبالغ عددهم 415 فلسطينيا.

وأصبح مكتب فيصل الحسيني في بيت الشرق رمزا فلسطينيا، وفيه أعدت التحضيرات لـ مؤتمر مدريد، فأصبح بيت الشرق المقر شبه الرسمي لمنظمة التحرير.

كان الحسيني مع حل الدولتين بحيث تكون القدس الدولة الفلسطينية منطلقا من رؤية خاصة بالمدينة المقدسة متعلقة بأن تكون عاصمة مفتوحة الحدود، واعتبر أنه في حال كان هناك تبادل للحدود فيجب ألا يمس أراضي القدس وألا يقبل بمبدأ متر مقابل متر، وقال للإسرائيليين "إذا نظرتم إلى شرق هذه الحدود نحن سننظر إلى غربها".

أراد الذهاب لحل الدولتين كحل وحيد متاح، وبالمقابل لم يقبل المشاركة بانتخابات المجلس التشريعي لأنه على علم بأن إسرائيل لن تسمح له في حال فوزه أن يعمل من القدس، وقال الحسيني للشعب الفلسطيني "عندما تسمعوا طرق أيدينا على طاولة المفاوضات نريد أن نسمع طرق أرجلكم بالميدان".

واجه المشاريع الاستيطانية بكل ما أوتي من قوة، وكان يعلم أن المستوطنة المقامة على أراضي جبل أبو غنيم ستقضي على احتمالات السلام، وانضم إلى الأهالي بخيمة اعتصامهم داخل أراضيهم. وخلال إحدى المظاهرات التي خرجت ضد بناء المستوطنة وجه رسالة للإسرائيليين وقال "إما أن تصنعوا سلاما معنا الآن أو تبحثوا بعد 25 عاما عن نيلسون منديلا فلسطيني، ولن تجدوه".

توفي فيصل الحسيني الذي يطلق عليه الفلسطينيون لقب "أمير القدس" يوم 31 مايو/ أيار 2001، في الكويت، حيث كان ذاهبا لإنهاء الخصومة ما بين السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الكويتية والتي نشأت بسبب الغزو العراقي للكويت إبان حرب الخليج.

دفن في باحات الحرم القدسي الشريف بجوار قبري أبيه وجده، بعد أن وصل جثمانه من الكويت إلى مقر المقاطعة في رام الله، فحُمل على الأكتاف في جنازة مهيبة، ورافق الفلسطينيون في الضفة الغربية الجثمان حتى مواراته الثرى.

التعليقات