لا تخن قلمك كي لا يخونك

لا تخن قلمك كي لا يخونك
لا تخن قلمك كي لا يخونك ... 
حسام أبو النصر

يدور الحديث منذ فترة عن تعديل وزاري وهو مستحق ومطلوب وهو ما ندعوا له دوما من باب تصويب الحالة، وقبل أن أخوض في التفاصيل، أعتبر أن د.اشتية ورئاسته للحكومة رغم عدم تحقيقها تقدم جذري على الصعيد العام بسبب الانتكاسات المتلاحقة وآخرها كورونا الا أن وجوده في الحكومة صمام امان باعتباره شخصية وطنية قبل ان تكون فتحاوية مشهود لها بالكفاءة العلمية والقدرة الاقتصادية التي نحتاجها، وفي امس الحاجة لها ولديه إجابات كثيرة لكن ادواته قصيرة، وقد حافظت الحكومة على توازنها على الأقل ولم تقدنا  لتدهور  جديد خاصة في ظل هذه الانتكاسات وهذا بحد ذاته جيد، بل أستطيع القول أن د.إشتية الأقرب لحكومة وحدة وطنية اذا تحققت المصالحة.

عموما كنا دائما ننادي بالتغيير  بما يخدم المجتمع ولما فيه الصالح العام ونتفائل كلما جائت حكومة بأن تقودنا نحو الأفضل فنصدم بواقع أسوأ، لكن الغريب وما قادني للدهشة مقال معنون وزارات نمطية  أصابني بالغثيان من أسلوبه الذي جاء مهاجما ومستغلا الصورة النمطية بحق يراد به باطل  وضرب الحابل بالنابل وهو للأسف يقودنا لاعادة النظر في مفهوم كاتب المقال والتوازن بين قلمه ومواقفه،  فاذا لم يتطابقا يكون هناك خلل خطير، فتذهب الكاتبة بتعريف مقتضب عن النمطية وفجأة تزج بوزيرة المرأة كنموذج وطريقة إختيارها ضمن صورة نمطية صنعها النظام حسب ذكرها، ووزارة المرأة التي تقودها غالبا إمرأة ليست من الوسط النسائي الداعم والمدافع عن المرأة ولا تقدم أي جديد أو تغيير في القوانين المجحفة والظالمة للمرأة وعلى الصعيد التوعوي في هذا السياق وتقول أنها قامت بدراسة عميقة عن الوزارة  وأنه لا يوجد خطة أو هدف ولا خطاب نسائي يستند إلى حقوق وكان الأكثر سلبية حين يتم إختيار امرأة من منظور عملها السياسي فتحول الوزارة لمنبر سياسي وحالة نمطية فقط وليس منبرا للحصول على حقوق ومفاهيم اجتماعية ظالمة، أنهي الاقتباس، وفي كل ما ذكرته أعتقد أنها كانت تقصد وزارتها التي تعمل بها والتي خجلا لم تكتب يوما نقدا عنها في الثقافة التي تعتبر الكاتبة متنفذة فيها، وكان الأجدر أن تقوم بدراسات عميقة للنهوض بالمشهد الثقافي قبل أن تبحث وتهدر وقتها في نقد وزارات أخرى، وأكملت هجومها، رغم أنها لا تذكر إسم الوزيرة المقصودة وهي د. امال حمد التي عرفتها مناضلة عريقة، شهدت لها  ميادين غزة وتصدرت المشهد ضد الانقسام وقادت المسيرات النسوية أمام التشريعي لسنوات والسرايا والجندي كما هو الحال للدكتورة مي كيلة بعيدا عن أدائها الحكومي كانت في الميادين المنارة والساعة، مناصرة لغزة وضد الانقسام، ولم أتعود الدفاع عن وزير ولكن هنا أذكر حقائق عشتها مع حمد التي لا تعرف المجاملة ولا تضيع الوقت في الدفاع عن نفسها، وقد هوجمت مرارا وتكرارا ولم أكتب حرفا واحدا، لكن هذا المقال المتناقض دفعني للرد على الكاتبة كمسؤول وصاحبة قرار في وزارة الثقافة، ففاقد الشيء لا يعطيه، وأعتقد أن أغلب ما جاء في المقال ينطبق أكثر على الثقافة التي أعمل بها منذ سنوات، فجاء في غير محله وغير إتجاهه وفي موقع شبهة بإعتبار أن الكاتبة انتقدت أداء وزارتي السياحة والمرأة ولم تنتقد يوما وزارتها وهي الأولى بالنقد، وهي الأولى بالانتباه والنظر وصرف النظر لوزارات أخرى، في تناقض واضح تعيشه الكاتبة ، والغريب أن للكاتبة  مساحة نقد ولكن حين قمت أنا يوما ما بنقد الوزارة على صفحتي الشخصية ودون أي إساءة قامت الدنيا ولم تقعد ولم يحترموا قلمي وتاريخي الوطني وتم استدعائي وتبليغي بتنبيه شفوي بما يتناقض مع وزارة المفروض أنها تحمي حريات المثقف، بالعكس تلاحقه وتطارد صفحاته وكتاباته، المفروض أنها تنهض بالكاتب وتأخذ بيده، لا أن تمنع مؤلفاته أو ظهوره في الندوات والفعاليات، ولا تكريم، ولا إحترام، كيف تنتزع منا حرياتنا وتعطى لمتنفذين فيها ينتقدوا وزارات أخرى كمن تشتعل النار في بيته وعينه على بيت الأخرين وسجاده المنشور،  فينطبق عليها المثل (باب النجار مخلع)، ولذلك إذا كنا موضوعيين وأصحاب أقلام حرة نبدأ بأنفسنا، فلم تذكر الكاتبة ما وصلت له ظروف الثقافية، وهي صاحبة قرار فيها ولم تذكر حالة المثقفين المرضى، والكتاب المهمشين، والشباب والفنانين، وأسماء كثر لا احد يبحث عنهم يصارعون البقاء بالكلمة والريشة، ولا أحد يحمل معاناتهم، ريم البنا رحلت وأولادها لا معيل لهم، سامية فارس تعاني مرض الكلى لم يزرها أحد منذ سنوات، فتحي غبن الفنان العظيم لا أحد يذكره في المشهد، محمد الدلو فنان شاب يزهو بريشته لم تكرمه جهة رسمية أو تعني به صحيا والقائمة تطول، من بحث عن معاشات المثقفين ليستروا أنفسهم من سلط الحياة؟!، من حسن ظروفهم الإنسانية، كم كتاب طبع لشباب وتم دعمهم، كم مؤرخ فلسطيني كرم وكم ميدان جسد المثقفين المهمشين؟!!، فكيف لكاتب أن يسمح لنفسه ممارسة دور الرقيب والنقد، وهو صاحب قرار وشريك للنظام!!  فحلال عليهم النقد وحرام علينا في قمة الاجحاف والظلم، وعندما نتحدث عن رسالة الوزارات الأخرى وخطابها علينا أن نذكر أنفسنا بخطابنا وما وصلنا له وحالة المشهد الثقافي المتراجع والمتردي، الا نحتاج نحن أيضا لوزير غير نمطي على حسب وصفها لوزراء آخرين بعيدا عن التنظيمية والحزبية نحو الوطنية والشمولية في الرؤية بل نحتاج إلى تغيير، وأعرف أن مقالي هذا قد يقودني للأسوأ، لكنه لن يكون أسوأ مما نحن فيه، وفي وقت يجب أن نقول كلمتنا حتى لو كان على حسابنا فنحن دفعنا كثيرا من الأثمان لها، ونحن أيضا نحتاج لرجولة المواقف كما احتاجت الكاتبة لأنوثة الوزارة،  فرأينا لا يقبل عند الاخر في حين مسموح لهم ولمتنفذيهم إبداء الراي.

لا يمكن لأي كاتب أن ينصب نفسه حكما وجلادا وضحية في ان واحد، بل الكاتب الحقيقي والمثقف الحقيقي غير المزيف المثقوب، يجب أن يكون موضوعي ذو رؤية شمولية فلم نسمع مثلا الراي عن باقي الوزراء ، فجسد هذا المقال مشهد التناقض وإستغلال القيم لصالح الفكرة الشخصية، على حساب الفكرة العامة، بما يتماشى ويتوافق مع اسطوانة التعديل الوزاري ليتأكد لنا أنه مسيس أو غير مدروس، فالقلم الحر يجب أن يتحرر من كل ما حوله ولا يعرف المواربة وإمساك منتصف العصا، فإذا كنا نتحدث عن تغيير النمطية فعليها أن تشمل كل الوزارات وأداء ومراجعات للذات والأداء العام على مدار سنوات طويلة، ولوزراء هم مخلفات الحكومات السابقة مازالوا حتى الان ومنهم وزيرة السياحة التي ذكرتها الكاتبة وتحدثت عن نمطيتها لكنها لم تذكر أساس المعضلة أنها وزيرة لم تتغير خلال ثلاث حكومات، وذهبت للتطرق الى الجانب الديني مما يبعث بقصر النظر والريبة وبضرب نسيجنا، ففي النقد يجب أن نعود لأصل الحكاية، وجذورها ولقوانينها ومنها قانون الخدمة المدنية المجحف، ونعود للتقاعد والقرارات وكل ما حولنا، تجزئة المعضلة، معضلة اكبر، والمبادئ لا تتجزأ، والهدف هو تغيير حقيقي في الكل، ويبقى ذكر نصف الحقيقة  خديعة،فإما الحقيقة كاملة أو لا حقيقة، إن الحالة الثقافية وما وصلت لها في أسوأ ظروفها من منظوري، فإذا سمح للكاتبة أن تنتقد وهي جزء من النظام فمن حقنا أيضا أن نمارس الحقيقة وحقوقنا مهدورة، ولكم أن تسألوا المثقفين والكتاب والفنانين والرسامين والأدباء إلى ما وصلت له الحالة الثقافية حيث نجد أنفسنا في صراع بين المثقفين المزيفين والمثقفين الحقيقين لتصبح وزارة إشتباك ثقافي وتراجع إلى الوراء حيث يهان المثقف وتداس كرامته بالتأكيد نحن في إنهيار ثقافي، فدمعة كاتب، صرخة شاعرة، وأنين منشد وغيرها، كفيلة بأن تهز المشهد، نعم نحتاج إلى تغيير ولكن ليس على المقاس وبأقلام النظام عن النظام بل بأقلام الحقيقة ومن دفعوا ثمن الحقيقة معاناة  حياتهم، أنا مع التغيير الكامل لا المجتزأ في مفهوم إدارة الوزارات والذي من خلاله تصبح دولة مؤسسات ويقوم رئيس الوزراء بدوره الكامل بل ويصبح حتى تغييره شكلي لان المؤسسة باقية  وما غير ذلك عبث ومضيعة لأعمارنا وإهدار لعمرنا، واجحاف لنضالات شعبنا، وما تبقى لنا هو الحفاظ على اقلامنا لحين تحقيق الأفضل وما غير ذلك تكون اقلامنا طائشة تصيبنا لا تنقذنا.

التعليقات