دروس من الأزمات وتخطي التحديات

رام الله - دنيا الوطن
تتمتع علامة BMW بتاريخ طويل وعريق يمتد لأكثر من 100 عام، شهدت خلالها الكثير من الأحداث وواجهت العديد من التحديات الاستثنائية المشابهة للظروف الحالية.

ومرت العلامة بالعديد من الفترات التي كان فيها أداؤها قويًا وبعضًا من الظروف الصعبة خلال مسيرتها ابتداءً من المراحل الأولى من عمر العلامة وانطلاقتها من المصنع المتواضع التي كان يتم فيه تصنيع محركات الطائرات، وصولًا إلى الفترة الحالية التي باتت فيها BMW إحدى كبرى العلامات الفاخرة الرائدة عالميًا لصناعة السيارات والدراجات النارية.

واحتفاءً بتنظيم الاجتماع العام السنوي رقم 100، تتطلع مجموعة BMW إلى اللحظات التاريخية الهامة في مسيرة التطوير للمجموعة وتستذكر الوسائل والاستراتيجيات التي ابتعتها لمواجهة التحديات والتغلب عليها.

وتوفر كل أزمة، بما في ذلك الظروف العالمية الحالية، فرصة للخروج بقوة متجددة، فما هي القوى التي يتطلبها تحقيق ذلك؟ إنه شركة تتمتع بالقدرة على الابتكار وتتقبل التغير وتوجه أنظارها دومًا نحو المستقبل، شركة تقدم منتجات رائدة تتمتع بالجرأة على تطوير حلول فريدة وإرادة لا تقهر للمنافسة مع أفضل الشركات. وهذه القدرات والإمكانات والمهارات كانت دائمًا ما يمكن الشركة من تجاوز المصاعب وتخطي الأزمات والتغلب على التحديات. وتظهر مسيرة التاريخ ومؤشرات أداء الشركات على مدى الأعوام المائة الماضية الدور المتكرر للازمات في توفير منصة تجدد القوة وتتيح لمجموعة BMW مواصلة مسيرة النجاح.

1919: الحاجة للمحركات عالية الاعتمادية ليست حصرية بمجال الطيران

خلال الحب العالمية الأولى، كانت الشركة حديثة الولادة تصنع منتجًا واحدًا فقط، وهو محرك BMW Illa للطائرات، وكان المحرك الخطي سداسي الأسطوانات يتمتع آنذاك بصيت وشهرة واسعة باعتباره أفضل محرك طائرات خلال تلك الفترة.

واعتمدت مبادئ التصميم ذاتها في تطوير  الطراز اللاحق له، وأثبتت التقنيات المعتمدة في هذا التصميم تفوقها بتحقيق رقم عالمي قياسي، وبتاريخ 17 يونيو 1919، تمكنت طائرة مزودة بمحرك BMW IV من الصعود مع طيارها إلى ارتفاع 9760 مترً محققة إنجازًا غير مسبوق، إذ قبل هذه المحاولة لم تتمكن أي طائرة من الوصول إلى هذا الارتفاع، ولكن بعد نهاية الحرب منعت ألمانيا من تصنيع محركات الطائرات، وتولدت الحاجة لطرح أفكار جديدة تطبق فيها الخبرات في صناعة المحركات، ونتيجة لذلك وسعت BMW منتجاتها، وعملت على تسويق وحدات الطاقة تحت اسم “Bayern-Motor” أو “Bavaria Engine” والتي شاركت محركات الطائرات المصنعة سابقة باستخدام أنظمة عالية الكفاءة في استهلاك الوقود، واعتمدت وحدات الطاقة هذه بشكل رئيسي في القوارب والشاحنات والحافلات.

1923: الانتقال من شركة مزودة للمحركات إلى صناعة الدراجات النارية

كانت الاعتمادية الوسم الذي تميز به محرك “Bayern-Kleinmotor” الذي كان يسمى المحرك البافاري الصغير، وكان أول محرك مسطح بأسطوانات متوازية تنتجه BMW، وكانت العلامة توفره للمصنعين الآخرين، وكانت المحركات شركة فكتوريا الواقعة في نورمبيرغ المشتري الأكبر لهذا النوع من المحركات، والتي كانت تستخدمه بنجاح في الدراجات النارية التي تصنعها، ولكن حين انتقلت شركة فيكتوريا إلى استخدام المحركات المطورة داخليًا لديها، انهارت مبيعات BMW. وخلال هذا الوضع اتخدت إدارة الشركة قرارًا جريئًا، وتم توكيل رئيس المصممين لدى الشركة آنذاك ماكس فريز بتطوير تصميم كامل لدراجة نارية. وكانت النتيجة طراز BMW R 32 الذي شهد ضهوره العالمي الأول عام 1923 خلال معرض ألمانيا للسيارات، وفيما تركز اهتمام المصنعين الآخرين على الشكل الهندسي للدراجات النارية التي يصنعونها، عمل فريتز على تصميم طراز BMW R 32 بشكل يدعم المحرك وأداءه. وللمرة الأولى، تم تثبيت محرك مسطح ثنائي الأسطوانات على دراجة نارية بشكل تتعامد فيه الأسطوانات مع اتجاه الحركة. ومع استئناف عمليات تصنيع الدراجات النارية، تحولت BMW من مزود للمحرك إلى مصنع للمركبات.

1948: بداية جديدة على عجلتين

بعد نهاية الحرب وفي عام 1945، فقدت BMW مصنعها الواقع في أيسناخ، فقد كانت المدينة ضمن المنطقة الواقعة تحت احتلال الاتحاد السوفياتي، وأدى ذلك إلى فقدان جميع المعارف الضرورية لصناعة السيارات، وفي في الوقت ذاته بدأ العمل على تفكيك المرافق الكائنة في ميونيخ، والتي تدمرت أجزاء منها. ولكن وبغض النظر عن ذلك، كانت البداية متواضعة بصناعة الاحتياجات الطارئة من الأواني المطبخية، والتجهيزات، والأدوات الزراعية، بالإضافة إلى الدراجات الهوائية ذات الهيكل المصنوع من السباك المعدنية خفيفة الوزن. ثم سمحت السلطات العسكرية باستئناف انتاج المركبات التي تعمل بالوقود، ليتم انتاج طراز BMW R 24 عام 1948 في ميونيخ ليكون أول دراجة نارية تنتجها الشركة بعد الحرب. ولقي المحرك أحادي الأسطوانة استقبالًا حماسيًا، وأصبح اسمه رمزًا للجرأة في ريادة الأعمال، ومؤشرًا على بداية مرحلة جديدة في التنقل. بيعت أكثر من 12 ألف وحدة، فيما حقق الطراز اللاحق الذي حمل اسم BMW R 25 ضعفي مبيعات سلفه، وبعد عام واحد، طرحت BMW طراز BMW R 51/2 المزود بمحرك مسطح ثنائي الأسطوانات.

1957: ضعف في المبيعات وأسواق جديدة

مع حلول عام 1954، ارتفعت الإنتاجية السنوية في المصنع الواقع في ميونيخ إلى 30 ألف دراجة نارية، ولكن الأوضاع تبدلت بعد ذلك بفترة قليلة وتغيرت أوضاع السوق، فقد خسرت الدراجات النارية الكثير من ألقها وصورتها لصالح السيارة، وفي غضون ثلاث سنوات فقط، هبطت المبيعات إلى 5400 دراجة نارية فقط. ومع ذلك، واظبت الشركة على تصنيع الدراجات النارية، واستمرت الطلبات الدورية الواردة من المؤسسات الحكومية خلال فترة الأزمة، فقد لاقت الدراجات النارية التي تنتجها علامة BMW نجاحًا بشكل خاص لدة قوى الشرطة في ألمانيا بالإضافة إلى الدول الأخرى لما تتمتع به من اعتمادية عالية وسهولة في الصيانة والتشغيل، ومهد تزويد دوريات الشرطة بالدراجات النارية الطريق لدخول أسواق جديدة، وأكدت المثابرة والإصرار دورهما الحاسم، فقد بشرت الطرازات الجديدة ونقل عمليات انتاج BMW Motorrad لإلى برلين في عام 1969 بافتتاح فصل جديد في مسيرة النجاح. ومنحت سلسلة /5 المطورة حديثًا والمصممة لأن تكون مركبة سباق رياضية دفعة قوية لقطاع الدراجات النارية. وبفضل ما تتمتع به طرازات هذه السلسلة من مزايا الرفاهية والقيادة الرياضية، شهد قطاع الدراجات النارية عودة قوية، وكانت BMW في وضع مثالي لاغتنام هذه الفرصة بطرازاتها الجديدة مما أتاح لها الخروج بموقع أقوى من أزمة الدراجات النارية.

1959: نسبة صغيرة من حاملي الأسهم يمنعون الاستحواذ على الشركة، و"فئة جديدة" تعود بالشركة إلى النجاح

مع نهاية خمسينيات القرن الماضي كانت BMW على وشك الانهيار الاقتصادي، فقد وضع تباطؤ المبيعات في قطاع السيارات والدراجات النارية الشركة بمواجهة صعوبات قوية، وفي الاجتماع العام السنوي الذي أقيم في ديسمبر 1959، كان الاستحواذ على الشركة من قبل دايملر بينز أمرًا مسلمًا به، ولكن ذلك فشل في اللحظات الأخيرة نتيجة لجهود مجموعة صغيرة من حاملي الأسهم الذين قاوموا بشدة خطة إعادة الهيكلة التي تضمنها مشروع الاستحواذ، وكانت مقاومة حاملي الأسهم لهذا المشروع أنه بنظرهم قد وضع تقييمًا ضعيفًا لعلامة BMW والطاقم العامل في الشركة في عملية إعادة الهيكلة، وحافظت BMW على استقلاليتها ولكن أسس التعافي الاقتصادي جاءت بعد سنة كاملة مع خطة إعادة هيكلة طورت تحت رعاية أحد كبار حاملي الأسهم هيربيرت كواندت، وتمركزت خطته حول استقلالية BMW AG ووضع هيكليات جديدة للشركة وطرح طرازات جديدة. وعادت BMW إلى درب النجاح مع طراز جديد ضمن فئة السيارات الصغيرة هو BMW 700، لكن العودة الحقيقية والنجاح الكبير جاءا مع طراز BMW 1500 الذي كان الطراز الأول ضمن "الفئة الجديدة".

1973: تخطي أزمة البترول وعودة من التقلبات الدورية

تغيرت نظرة المجتمع إلى قطاع السيارات بعد أزمة البترول في عام 1973 مع فروض حدود عليا للسرعة لا تتجاوز 100 كم/سا وحظر السيارات بشكل تام في أيم عطلة الأسبوع، ولم اعد السيارات الكبيرة المزودة بمحركات ضخمة أو السيارات الرياضية من الطرازات المفضلة، ولكن، واظبت إدارة BMW العمل خلال هذه الفترة الصعبة لتخرج الشركة منها بشكل أقوى، وسلطت الاستثمارات الضوء على أهمية اتباع استراتيجية لمواجهة التقلبات الدورية، وفي ميونيخ تم افتتاح المقر الرئيسي للشركة الذي يعرف باسم "الأسطوانات الأربع" كما افتتح متحف BMW، وفي دينجولفينج انطلقت العمليات التشغيلية في المصنع الجديد في شهر نوفمبر من عام 1973، واستجاب مهندو تطوير المركبات بسرعة إلى متطلبات السوق وقدموا طرازي BMW 1502 و BMW 518اللذان يتميزان بكفاءة في استهلاك الوقود في عام 1974. ومع تلاشي أزمة البترول في ربيع عام 1975، حطمت BMW رقمها السابق لعام 1973 من ناحية المبيعات بنسبة تقارب 50% بعد عن تم تسليم 78 ألف مركبة، وحقق طرازا BMW 1502 و BMW 518 أداء قويًا في المبيعات.

1994: استحواذ ونتائج – MINI ورولز-رويس تنضمان إلى مجموعة BMW

واصلت BMW النمو في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لتصبح واحدة من أسرع شركات السيارات نموًا في العالم مع مجموعة واسعة من الطرازات المتوفرة وكادر بشري يزداد باطراد. وجاء الاستحواذ على مجموعة روفر البريطانية لصناعة السيارات بتاريخ 31 يناير 1994 بهدف توسيع قائمة الطرازات بشكل أكبر، ولكن فرص التطوير كانت أقل من المتوقع مع عملية الشراء، وخضعت الشركة إعادة هيكلة لتشكل مجموعة BMW وتم بيع الشركة البريطانية مجددًا بعد ست سنوات فقط. مع الحفاظ على علامة MINI فقط تحت راية مجموعة BMW, وأحدث طراز MINI المعاصر عند طرحه لأول مرة في عام 2001 ثورة هائلة في قطاع السيارات الصغيرة، محاكيُا النجاء الفائق الذي حققه سلفه الكلاسيكي. وانطلق طراز MINI الجديد في رحلة نجاح مستمرة بفضل النوعية العالية ومزايا الأمان المعاصرة، المترافقة بتجربة القيادة الممتعة والتفرد في التصميم. وزيادة عن ذلك، نجحت مجموعة BMW بالاستحواذ على حقوق علامة رولز-رويس. ومنذ عام 2003، كانت BMW حاضرة في فئة السيارات فائقة الرفاهية، وتم بناء مصنع جديد لانتاج طراز رولز-رويس فانتوم في غودوود في المملكة المتحدة.

2009: مشروع i يثمر في الأزمة الاقتصادية

في خريف 2008، هزت أزمة اقتصادية عالمية قطاع المصارف وامتدت آثارها إلى العديد من القطاعات الأخرى، ونتيجة لذلك انخفضت مبيعات السيارات في الأسواق العالمية الكبرة بشكل كبير، وتم العمل مع الحكومات لتوفير حزم تحفيز اقتصادية بهدف إنعاش الطلب ودعم شراء الطرازات عالية الكفاءة، فيما بذلت جهود كبيرة عالميًا لتأمين مستقبل قطاع السيارات، وأطلقت مجموعة BMW مشروعًا سريًا كان من شأنه تغيير مفهوم التنقل الشخصي. ونحو هذا الهدف كانت مجموعة BMW قد أطلقت مشروع i في خريف 2017. وكان الهدف تطوير سيارة كهربائية بالكامل للاستخدام داخل المدن، وبالتوازي مع تصميم نظام بيئي متكامل للقيادة بدون انبعاثات كربونية محليًا. وتم تقديم سيارة BMW i3 في خريف 2013، وترافق ذلك مع مجموعة من المفاهيم والحزم والخدمات للمواد المبتكرة، وعملية إنتاج لا تؤثر سلبًا في البيئة وبنية تحتية للشحن تحول التنقل الكهربائي إلى تجربة مريحة تتميز بالقيادة الممتعة.

التعليقات