بيت لحم تتجاوز أزمة (كورونا)

بيت لحم تتجاوز أزمة (كورونا)
رام الله - دنيا الوطن
حسن عبد الجواد

كشفت أزمة (كورونا) التي عاشتها محافظة بيت لحم، منذ بداية آذار الماضي، أن مائة عام من تقديم الخدمات الطبية النفسية والعقلية، وتدريب طلبة الطب والتمريض من مختلف الجامعات الفلسطينية، لم تشفع لمستشفى بيت لحم للطب النفسي، رغم جهود وزارة الصحة، وتغيير اسمه عدة مرات من "مستشفى الدكتور محمد سعيد كمال إلى مستشفى الأمراض العقلية"، بإزاحة الوصمة "دير المجانين" عن هذا المستشفى، الذي قدم خدمات جليلة ومتميزة للمرضى في كل أنحاء فلسطين التاريخية، خلال قرن من الزمان، وقبل العام 67 للمرضى من الأردن وسوريا ولبنان.

ولأسباب تتعلق بهروب المجتمع من مسؤولياته، وحتى العائلات من مرضاها، ومن حقيقة أن الاحتياج النفسي موجود لدى غالبية المجتمعات البشرية، وبسبب حالة القصور الاجتماعي والثقافي لدى من يصرون على هذه التسمية غير العلمية وغير الصحية، على طريقة بعض الأفلام السينمائية المصرية التي أساءت للطب النفسي، فقد لاحقت هذه الوصمة ليس المرضى فحسب، وإنما أصابت إلى حد ما العاملين من الأطباء والممرضين وموظفي الإدارة والخدمات فيه، الذين وصف بعضهم المستشفى بالمكان الأكثر أمانا في المحافظة من فايروس (كورونا).

تماما كما فعلت أزمة (كورونا)

وفي مواجهة هذه الثقافة البائسة، فان العاملين في المستشفى على اختلاف وظائفهم، ورغم حاجتهم لتعزيز كادر المستشفى، كان لهم الدور الهام في الارتقاء بالخدمات الطبية النفسية المقدمة للمرضى. ومع أن العديد من مؤسسات المجتمع المحلي، في محافظتي الخليل وبيت لحم، وفي محافظات أخرى، قدمت الدعم والإسناد لاحتياجات المستشفى، إلا أن هذا الدعم لم يرتقي للمستوى المطلوب لهذا الصرح الوطني الصحي والعلمي، والذي هو اليوم بحاجة للدعم الحقيقي من المجتمع المحلي، في كل أنحاء الوطن، وخصوصا من القطاع الخاص.

مستشفى بيت لحم للطب النفسي مائة عام من الخدمة النفسية والعقلية

يعتبر مستشفى بيت لحم للطب النفسي، أو ما كان يطلق عليه "مستشفى الأمراض العقلية" أو "مستشفى المجانين" بلغة الشارع، الوحيد في فلسطين، الذي يقدم الخدمات العلاجية للمرضى النفسيين بكفاءة عالية على كل المستويات " العلاج الدوائي، العلاج النفسي، والعلاج التأهيلي الوظيفي".

وقد أقيم بناء هذا المستشفى على قطعة ارض كان يطلق عليها "كرم القسيس مولر"، الذي استأجر هذه الأرض المزروعة بكروم العنب، في أواسط القرن التاسع عشر. وبعد الحرب العالمية الأولى استولت حكومة الانتداب البريطانية على هذا المبنى.

وفي عام 1922 حول الانتداب البريطاني، هذا البناء الذي كان يستخدم منذ 1898 لرعاية الأيتام، إلى مستشفى للأمراض العقلية للمرضى من الرجال عربا ويهودا حتى عام 1948 .

وباشرت الحكومة الأردنية إشرافها على هذا المستشفى، حيث نقلت قسم النساء من المؤسسة السويدية ليصبح بذلك جناحا للرجال وأخر للنساء ، حيث كان يستخدم قبل ذلك لرعاية الأيتام.

وعندما أعلن عن أول إصابات فايروس كورونا بمحافظة بيت لحم، كان للإجراءات الطبية الوقائية التي اتخذتها ادارة المستشفى، الأثر الكبير في تجنيب المرضى ومختلف العاملين في أقسامه الإصابة بهذا المرض.

الخدمات التي يقدمها المستشفى

ويستخدم المستشفى المقام اليوم على 61 دونم، كمركز تعليمي ومعترف به من قبل المجلس الطبي الأردني، ومنه انطلقت كافة البرامج والخدمات النفسية بشكل تدريجي. وبدا بفتح عيادات نفسية في كافة المدن الفلسطينية، وصولا إلى إنشاء مراكز نفسية متخصصة، بالتعاون مع الجهات الدولية.      

وهو المستشفى الوحيد في المنطقة، الذي يقدم خدمات الصحة النفسية المجتمعية في العيادات الخارجية التابعة للمستشفى، وكذلك الخدمات التمريضية التي تقوم بمهمة مراقبة سلوك المرضى وتوجيههم، والذي تحول إليه كافة الحالات من كافة محافظات الوطن من اجل العلاج والمعاينة والمتابعة مجانا، وتقديم الخدمات الاجتماعية المتعلقة بدراسة الظروف المعيشية للمرضى، والخدمات النفسية، والتي تشمل تقديم الخدمات النفسية للمرضى المقيمين والمراجعين، وتقديم جميع أنواع الفحوصات النفسية والإرشاد. وفي المستشفى قسم لتخطيط الدماغ، وأخر للطب العدلي، كما ويقدم الخدمات التعليمية المختلفة من تأهيل الأطباء المقيمين في الطب النفسي للتقدم لامتحان البورد الأردني، ويقوم على تدريب أطباء الامتياز في الطب النفسي، وطلبة الطب في جامعة القدس، وتدريب كليات التمريض في جامعات الوطن، وطلاب العلوم الإنسانية كالخدمة الاجتماعية من مختلف جامعات لوطن.

ان تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمرضى النفسيين وأسرهم، يساهم في محاربة الوصمة ودمج المرضى النفسيين وعائلاتهم في المجتمع المحلي، ونشر الوعي المجتمعي بطبيعة المرض النفسي، ودمج خدمات الصحة النفسية في الرعاية الصحية الأولية.

وهناك نوعان من المرضى داخل المستشفى:"النوع الأول: الحالات المزمنة، والتي تقيم بشكل دائم للحالات التي يصعب إرسالها إلى المجتمع نتيجة ظروفها المرضية والاجتماعية. والنوع الثاني: الحالات الحادة التي تحول من كافة محافظات الوطن من اجل إدخالها وعلاجها وإرسالها إلى المجتمع، ويتم إدخال هذه الحالات لعدة أسابيع خلال فترات الانتكاسة المرضية."

خطة عمل لمواجهة فايروس كورونا

الدكتور إبراهيم خليل اخميس مدير مستشفى بيت لحم للطب النفسي قال "للأيام": " فور الإعلان عن إصابة مواطنين في بيت لحم بفايروس كورونا عقد اجتماع لإدارة المستشفى والطواقم الطبية والتمريضية، وتم وضع خطة طوارئ وبروتوكول صحي. وتقرر التعميم على مراكز الرعاية الأولية في المحافظات الفلسطينية بالتعامل مع الحالات النفسية، والتقليل من عمليات التحويل للمستشفى، للحد من خطر نقل العدوى إلى مرضى المستشفى في بيت لحم.       

وتابع الدكتور اخميس:"تقرر تطبيق إجراءات صحية وقائية وفق بروتوكولات وزارة الصحة، للتعامل مع الحالات التي يتم إدخالها، وتم تجهيز قسم كامل لاستقبال أي حالات طارئة من قبل وزارة الصحة." هذا إضافة إلى حرص ادارة المستشفى على إجراء عمليات تعقيم يومية لمختلف أقسام ومرافق وساحات المستشفى."

وتنفيذا لخطة مواجهة فايروس كورونا، تم إرسال 80 مريضا إلى أسرهم، فيما تبقى على أسرة المستشفى 100 مريض بينهم 25 مريضة، من مختلف المحافظات، بينهم 70 مريض ثابت الإقامة، وبعضهم يتلقى الخدمة الطبية من منتصف السبعينات.

وقال الدكتور اخميس:" ان المستشفى لا يستقبل الحالات الدائمة من المرضى، وذلك بقرار من وزارة الصحة، التي تقوم بتقديم الخدمات الطبية الكاملة دون انقطاع،  من أدوية ومواد غذائية، ومتابعة إدارية.

 ولفت الدكتور اخميس، إلى التحديات التي وضعت أمام ادارة المستشفى والعاملين فيه، جراء مخاطر تفشى وباء الكورونا، حتى لا ينقل المرض لمرضى المستشفى المقيمين، حيث منع العاملين من التواصل مع المركز الوطني لمعالجة مرضى الكورونا المجاور للمستشفى، خاصة أن عدد العاملين في المستشفى كبير ويصل الى 130 موظفا بينهم 12 طبيبا، و70 ممرضا وممرضة، وعشرات العاملين في الإدارة والصحة والإرشاد.

ودعا إلى زيادة اهتمام المجتمع المحلي بالمستشفى، والمساعدة في تطوير المرافق الداخلية، ومواجهة نظرة الوصمة التي تلحق بالمرضى والعاملين أحيانا، كما فعلت أزمة الكورونا بمرضاها.

تجاوزنا الصدمة والمخاوف مع بداية انتشار الفايروس

وقالت ختام قراقع رئيس قسم الحالات الحادة للنساء "ماجستير صحة نفسية"، والتي تعمل منذ 10 سنوات في المستشفى:"ان قسم النساء يقوم باستقبال الحالات النفسية الحادة من النساء، واللواتي يكون لديهن اضطرابات نفسية تشكل خطرا على حياتهن وغيرهن في المجتمع، ويقدم لهن العلاج بالأدوية والعلاج النفسي، وبالصدمات الكهربائية أحيانا."

وقالت:"انطلاقا من شعورنا العالي بالمسؤولية الصحية اتجاه المرضى، والمسؤولية المجتمعية، باشرت ادارة المستشفى  بمجرد إعلان حالة الطوارئ من قبل الحكومة الفلسطينية، باتخاذ كافة الإجراءات الوقائية بالتنسيق مع وزارة الصحة، التي وفرت كافة احتياجات المستشفى الطبية والغذائية واللوجستية، التزاما بالبروتوكول الصحي للوزارة، ومنظمة الصحة العالمية، واتخاذ إجراءات أخرى للتخفيف من الإدخالات للمرضى، إلا للضرورة القصوى."

وأشارت إلى أن نظرة الوصمة الاجتماعية  لدى المجتمع لا تصيب المرضى فحسب، وإنما العاملين بمختلف تخصصاتهم في المستشفى، وهي نظرة تعبر عن قصور ثقافي واجتماعي ، وتتسبب بأضرار تلحق بهم على المستوى الاجتماعي والوظيفي، ما يتطلب وضع حد لهذه النظرة بالتوعية والإرشاد.

وتابعت:" صحيح كان لدينا تخوف في بداية انتشار فايروس كورونا، إلا أننا تجاوزنا هذه الصدمة والمخاوف، لأننا شعرنا أننا أمام تحدي مهني ووطني لمواجهة هذا الوباء، وقد استطعنا تحقيق نجاحات في المستشفى، وفي بيت لحم، وجميع أنحاء الوطن."

خلية أزمة تلتزم ببروتوكول وزارة الصحة

وقال مدير شؤون التمريض في المستشفى يوسف إبراهيم شتات، والذي يعمل في المستشفى منذ "30 عاما":" انه منذ اليوم الأول للإعلان عن إصابة عدد من المواطنين في بيت لحم بفايروس كورونا، تم تشكيل خلية أزمة برئاسة مدير المستشفى، وبالتنسيق مع ادارة المستشفيات وإدارة التمريض، ومسؤولي وزارة الصحة، وصياغة خطة والية عمل لكل قسم، كما تم تفريغ المستشفى من الطلبة المتدربين وعددهم 200 طالب من مختلف الجامعات الفلسطينية، وإغلاق المستشفى، ومنعت الزيارات للمرافقين، وجرى تحييد الأقسام، ووزعت الألبسة الوقائية على العاملين في المستشفى، وفقا لبروتوكول وزارة الصحة، وقدمنا كل مساعدة ممكنة للمركز الوطني لعلاج حالات الكورونا."