محاولات العلم في علاج كورونا

محاولات العلم في علاج كورونا
محاولات العلم في علاج كورونا
بقلم:د. ابراهيم مطر

مصير العالم أمام فيروس كورونا ومحاولات الطب في العلاج، الإنسان أم كورونا؟

يقف فيروس صغير لا يرى بالعين وجهاً لوجه أمام الإنسان، فيستمر فيروس كورونا في خلق أزماتٍ عالمية وجعل كبرى دول العالم في مآزق عديدة، الأمر الذي استدعى زيادة الضغط الدوَلي على العلماء والأطباء حول العالم لإيجاد حلٍ من دواءٍ أو لقاح، في ظل حالةٍ من عدم الفهم الكامل لسلوك الفيروس، وحاجة العلماء لمزيدٍ من الوقت لدراسة الفيروس وتطبيق التجارب بكفاءة. 

الدواء والأمانة العلمية: 

لا يعرف المجتمع العلمي فيروس كوفيد-19 تمام المعرفة، لكنه يعرف كم يتوق العالم لسماع أخبارٍ سارة، يغذي ذلك سباقٌ محموم عالمياً لإنتاج أول لقاح ضد الفيروس، وعلى جبهةٍ أخرى يستمر في العديد من الدول تجريبُ أنواعٍ من الأدوية على المرضى وهي أدوية تستخدم في الأساس ضد أمراضٍ أخرى.

جرب الأستراليون مخبرياً دواء "إيفرميكتين" المضاد للطفيليات، ويتحدثون عن نتائج واعدة، ولكن لم تظهر ملامحها بعد. ويدرس اليابانيون زيادةَ مخزونهم من دواء "أفيجان" المعالج للإنفلونزا، وهو الدواء الذي تنتجه شركة فوجي فيلم اليابانية، يجري اختباره في الصين أيضاً كإحدى العلاجات التجريبية لمرض كورونا المستجد.

لكن دواء "هيدروكسيكلوروكوين" لا يزال الأكثر تداولاً إعلامياً والأكثر إثارةً للجدل حول العالم. 

دواء هيدروكسيكلوروكوين، دواء قديم بالأساس، اعتمد رسمياً عام ألفٍ وتسعمائة وخمسين، وهو يستخدم في علاج الملاريا والوقاية منها، ويستخدم أيضاً في علاج أمراضٍ مناعية، مثل التهاب المفاصل والذئبة الحمراء. 

مع انتشار فيروس كورونا أجريت دراساتٌ عدة في فرنسا والصين والولايات المتحدة بحثت إمكانية معالجته للوباء المستجد، في فبراير، أظهرت دراسة لأطباء من أكاديمية العلوم الصينية نجاح الدواء في وقف انتشار فيروس كورونا في الخلايا، دراسة فرنسية أخرى في المعهد الاستشفائي الجامعي في مرسيليا أكدت شفاء مصابين بفيروس كورونا بعد علاجهم على مدى ستة أيام متواصلة بدواء هيدروكسيكلوروكوين.

ويزعم أنصار هذا الدواء أن طريقة عمله تكون على جبهتين، الأولى وهي أنه يمنع الفايروس من استكمال مرحلة استنساخ نفسه داخل الخلايا وبالتالي التقليل من تكاثر الفيروس وخروجه إلى خلاليا أخرى، ويقلل من إمكانية عدوى الآخرين أيضاً. الجبهة الثانية هي أنه يثبط ما يسمى بالعاصفة السايتوكاينية، وهي مواد تخرج في الجسم تؤدي إلى انهيار الجهاز التنفسي. 

ولكن، خبراء عدة يأخذون موقفاً ضد هذا الدواء، وذلك بسبب أعراضه الجانبية الخطيرة جداً، أهمها زيادة احتمالية حدوث اضطرابٍ شديد في نظم القلب مما قد يؤدي بالمريض إلى سكتةٍ قلبية ثم الوفاة، خاصةً عند كبار السن ومرضى القلب، حيث أنه يقوم بإغلاق قنوات البوتاسيوم في خلايا القلب، مما يؤدي إلى بطء في سريان كهرباء القلب واحتقان  الإشارة العصبية فيه، الأمر الذي قد يؤدي إلى نوعٍ قاتل من مرض القلب يسمى الرجفان البطيني، ويؤدي إلى الوفاة بسرعةٍ فائقة. يضعنا هذا أمام احتمالٍ خطير وهو أن عدداً من الوفيات قد يكون بشكلٍ مباشر بسبب الدواء وليس المرض!

بالإضافة إلى ذلك، فإن دواء هيدروكسيكلوروكوين يؤدي إلى اعتلال سريع في شبكية العين، وهي أهم جزء مسؤول عن الرؤية في العين، وبالتالي فإن استخدام الدواء يضع المرضى أمام احتمالية فقدان بصرهم، بالإضافة إلى أعراضٍ جانبية أخرى مثل تساقط الشعر، والطفح الجلدي، واضطراب الجهاز الهضمي. 

ومع أن الدواء ما زال قيد الاختبار، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدا في غاية الحماسة لاعتماده علاجاً حيث قال في تغريدةٍ عبر تويتر، "هيدروكسولوروكوين وأزيثرومايسين، عندما يستخدما معا،ً لديهم الفرصة لصنع فارقٍ تاريخي في عالم الطب"

وفي ردٍ على ترامب، قال أنتوني فاوتشىي، مدير المعهد القومي الأمريكي للأمراض المعدية، "لا يمكن اعتماد أي دواء بناء على قصةٍ ما، وأن تعافي الحالات قد يكون بسبب مناعة المرضى وليس بسبب فعالية الدواء"، علماً بأن استخدام الدواء بشكل أعمى قد يؤدي إلى زيادة الوفيات، وفي الحقيقة أن إضافة أزيثرومايسين –كما أوصى ترامب- يزيد من احتمالية السكتة القلبية عن ما يزيدها هيدروكسيكلوروكوين وحده

منتقدو ترامب قالوا أن تحمسه الزائد مرتبط بدوافعه الحقيقية لدفع عجلة الاقتصاد عبر صناعة الدواء، وأياً كانت نوايا ترامب فإن هيئة الأغذية والدواء الأمريكية لا تزال ترفض اعتماد هذا الدواء لعلاج كورونا دون إخضاعه لشهور من التجارب العلمية. 

في الوقت ذاته، هناك أطباء وباحثون يوصون بالإسراع في تعميم استخدام الدواء بغض النظر عن الأضرار في محاولةٍ لإنقاذ أكبر عددٍ من المرضى حتى وإن كانت فعالية الدواء ما زالت أمراً مشكوكاً به، أبرزهم الطبيب الفرنسي ديديه راؤولت، مدير المستشفى المتوسطي لمكافحة الأمراض المعدية في مارسيليا، حيث أعلن في مارس الماضي عن نجاح الداوء في علاج أربعةٍ وعشرين مريضاً بكورونا، تصدت له رئيسة قسم الأمراض المعدية في مستشفى سانت أنطوان في باريس كارين لاكومب قائلةً في حوار لقناة فرنسا الثانية: "ما يحدث في مارسيليا هو فضيحة، لا يمكننا استخدام أدوية دون التأكد من فعاليتها، وتعريض المرضى لمشكلات صحية أكثر خطورة، إن تلك التجارب هي ما زالت بدائية ولا يمكن اعتمادها" 

في صعيدٍ آخر، فإن شهرة دواء هيدروكسيكلوروكوين كعلاج مقترح للكورونا، أدى إلى طلب الدواء بشكل كبير من الأسواق وبالتالي نفاده، مما أدى إلى انتكاساتٍ صحية لدى مرضى الذئبة الحمراء الذين اعتادوا على هذا الدواء كعلاج لمرضهم قبل كورونا أما الآن فهؤلاء المرضى لا يجدون الدواء في الأسواق، حيث أطلقت الناشطة التونسية لينا بن مهني حملة عبر هاشتاق #وينه_الدوا لتعبر به عن صرخات المرضى الذين لم يعد بمقدرتهم الحصول على الدواء.

تنتشر أحاديث أخرى عن دواء يسمى ريميديسفير في الولايات المتحدة،  حيث نشرت تقارير تزعم تحقيق عقار ريمديسفير نتائج إيجابية على  113 متطوعاً مصاباً بفيروس كورونا المستجد في مستشفى جامعة شيكاغو بولاية إلينوي، ولكن أصدرت المستشفى بيانا أنكرت فيه حدوث أي تقدم.

وأكد بيان الجامعة أن "كل المعلومات المتداولة حول لقاح ريمديسفير مصدرها منتدى داخلي لزملاء يتحدثون بشأن العمل الجاري وتطوراته، دون إذن. إن التوصل إلى أي استنتاجات في هذه المرحلة سابق لأوانه وغير سليم من الناحية العلمية".

من ناحية أخرى، قال الدكتور خالد الشامي الأستاذ المساعد بكلية الطب بجامعة جون هوبكينز أن عقار ريمديسفير "غير مؤثر في تجارب سريرة متقدمة على مرضى كوفيد-19"، وأشار الدكتور الشامي إلى أن هناك عقار يسمى "توسيلزوماب" يتميز بفعالية أكثر من غيره من العقارات المطروحة في التجارب السريرة الحالية، وهذا أكدته دراسة حديثة نشرتها دورية نيو إنجلند الطبية".

وحتى هذه اللحظة، لم تعتمد هيئة الدواء والأغذية رسمياً أي دواء أو أسلوب معتمد لعلاج كورونا المستجد.

سائل الذهب:

يتحدث علماء آخرون عن علاج آخر ممكن وهو ما يسمى بالعلاج المناعي، وشرح الكاتب باتريك مولولاند في مقاله في الغارديان أنه يتم أخذ عينة دم من إنسانٍ متعافٍ من المرض، حيث تكون لديه في بلازما الدم أجسام مضادة تعرف الفيروس وتشكل مناعةً ضد رجوعه، فيتم استخلاص هذه الأجسام المضادة من دم إنسان متعافٍ ونقلها إلى دم إنسان مريض، لكن هذه الطريقة تواجه مشكلة أنها تتطلب وجود متعافين من الفيروس بحيث ألا يكون لديهم أمراض معدية أخرى، والمشكلة الأخرى أن الفيروس قد يغير من نفسه عبر حدوث طفرات. 

الدكتور إلداد هود، الأستاذ المساعد في كلية الأطباء بجامعة كولومبيا، يقول في تصريحٍ لقناة الجزيرة، أن تجارب العلاج المناعي عبر البلازما ستحتاج إلى عام على الأقل، وأن هذه التجارب ستبدأ في أول مايو المقبل. 

تستعد بريطانيا لاستخدام دم الناجين من فيروس كورونا في علاج المرضى المصابين به والموجودين حالياً في المستشفيات.

وبدأت الإدارة الخاصة بالدم وزراعة الأعضاء في هيئة التأمين الصحي في بريطانيا في الاتصال ببعض المرضى الذين تعافوا من كوفيد-19 لمعرفة إن كان يمكن نقل بعض البلازما لديهم إلى المرضى بالفيروس حالياً.

وقالت الهيئة في بيان: "نتصور أن هذا سيستخدم مبدئيا في محاولات لعلاج ممكن لكوفيد-19. وإذا ووفق عليه تماما، فسوف تتحقق التجارب من إن كان نقل بلازما الأشخاص الذين تعافوا ويمرون الآن بمرحلة نقاهة، يمكن أن يحسن سرعة شفاء المرضى الحاليين بالفيروس، وفرص نجاتهم.

لا يعد استخدام دم المرضى المتعافين فكرة جديدة في الطب. فقد سبق استخدامها قبل أكثر من 100 سنة، خلال وباء الأنفلونزا الأسبانية، وقبل سنوات في علاج إيبولا وسارس.

ولم تبحث فعالية تلك الطريقة سوى بعض الدراسات القليلة، وهناك بحوث كثيرة يجب إجراؤها لمعرفة مدى فعاليتها مع فيروس كورونا، ويقول البعض أن علاج سائل البلازما ليست عصا سحرية، ولكن إن أثبتت فعاليتها، سيصبح اسمها حينها "سائل الذهب".

فيروس ذكي وإمكانية صنع لقاح: 

أينما ذهبنا في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي سنجد أخباراً تتحدث عن اللقاح، يقول دكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، "عملية إيجاد لقاح ستحتاج على الأقل عاماً ونصف" 

وحتى نتعرف على آلية إنتاج اللقاح وطريقة عمله، علينا أن نعرف أولاً كيف يعمل جهاز المناعة، يحتوي جهاز المناعة لدى الإنسان على أنظمة دفاعٍ متعددة، للتعرف على غزاة الجسم: الفيروسات والبكتيريا وغيرها. 

جنود المعركة هم كريات الدم البيضاء بأنواعها، والتي لكل منها وظيفة مختلفة. تهاجم كريات الدم البيضاء الأجسام الغريبة التي تدخل الجسم وتحاول القضاء عليها، ثم تخلق ذاكرة لدى جهاز المناعة للتعرف على هؤلاء الغزاة في حال دخولهم مرةً أخرى، وتخرج أجسام مضادة. 

اللقاح بشكل أساسي هو عينة صغيرة أو مخففة من المرض، تدفع الجسم ليعتقد أنه يتعرض لهجوم، ليقوم بشكل سريع لإعلان حالة الاستنفار وإنتاج أجسامٍ مضادة دون تعريض الجسم لحدوث مرض حقيقي. 

في مطلع العام، نشر العلماء الصينيون تسلسل الحمض النووي لكورونا، مما مكن الباحثين من سرعة البدء بالعمل على اللقاح، وأعلنت عدة شركات في الصين وأوروبا والولايات المتحدة بالعمل على ذلك، الأمر يبدو سهلاً، لم لا يبدأ صنع لقاحٍ الآن؟

إن إنتاج اللقاحات يخضع لضوابط صحية مشددة، وفي بعض الأحيان تصل مدة إنتاجه إلى خمسة عشر عاماً، 

وإن كان الفيروس جديداً  ربما تتغير طريقة تصرفه عكس ما يتوقعه العلماء، أو أن يتغير تسلسله الجيني فيصبح الفيروس ليس مشابهاً للقاح، وبالتالي قد يصبح اللقاح بلا فائدة.

أعلن وزير الصحة البريطاني، مات هانكوك، الثلاثاء 21 نيسان، عن تجارب سريرية للقاح ضد فيروس كورونا قد بدأت بالفعل وذلك تحت إشراف علماء في جامعة أوكسفورد، ويهدف هذا المشروع البريطاني بشكل جدي لإيجاد جرعات من هذا اللقاح بحلول سبتمبر من العام الحالي.

إذن ما تزال جائحة كورونا تؤرق العالم، وكما رأينا قصور الكثير من التجارب، مع زيادة إمكانية انتهاك حقوق الإنسان والوقوع في معضلاتٍ أخلاقية، واضعاً الطب الحديث في اختباراتٍ جسيمة، يبقى السؤال مفتوحاً على احتمالات من نار،والجميع يتساءل عن مصير العالم أمام فيروس كورونا، الإنسان أم كورونا؟

التعليقات