الأقصى ليس في القدس؟!

الأقصى ليس في القدس؟!
الأقصى ليس في القدس؟!

د. أحمد رفيق عوض

هناك موجة شرسة وواسعة وظالمة تسعى إلى شيطنة الفلسطيني وتجريمه وتحميله الفشل والسقوط والخيانة والكراهية والهزيمة أيضاً.

هذه الموجة التي تمثلت في الاجراءات التمييزية والقرارات العنصرية والدراما الجاهلة والتافهة، وجُندت من أجلها منابر إعلامية سوقية، وأقلام موتورة جاهلة، وسياسيون حاقدون وكارهون، لتتشكل جوقة من الأعداء وخدم الأعداء ووكلاء الأعداء ومن الجهلة والغوغاء سواء بسواء.

ولأن الغضب جميل ويسهل الانزلاق إلى براكينه وحممه، فإنني سأسيطر على مشاعري الشخصية لأقول بكثير من الانصاف، إننا أخطأنا كثيراً، وإننا نسمح لمن هب ودب أن يتحدث عنا ويقيم تجربتنا، وإننا قدمنا نماذج يسهل انتقادها والاشتباك معها، مثل كل شعب آخر، فنحن لسنا من طينة أخرى، نحن مثل البشر، ولسنا فوق اعتبارات الواقع والتاريخ، ويجري علينا ما يجري على كل الأمم. وبالتالي، فإن ما فعلناه طيلة 25 سنة مثلاً يستحق منّا قبل كل شخص في الدنيا أن نعيد الكلام فيه، وأن نطرحه على مائدة البحث والتحليل، وأن نراجع التجربة من ألفها إلى يائها، وخصوصاً على اعتبار ما يشاع عن امكانية ضم مناطق واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يتم استبدال كلمة المحتلة بكلمة "الشرعية". الضم يعني أننا نصل إلى سؤال كبير ومحرج: هل نستمر، وبأي ثمن؟!

ولأنني قلت ما يجب أن أقوله في هذا الصدد، أعود إلى الموجة الهوجاء والحمقاء التي تسعى إلى شيطنة الفلسطيني وتحميله أخطاء التاريخ العربي والإسلامي كلها، فلا يهمني حقاً أن يتحدث عنا أي شقيق عربي بالنصح أو النقد أو حتى التجريح، ما دام ذلك يصدر عن رؤية عربية ووطنية، ولكن الملفت للنظر، أو قل، الذي يفقع المرارة، إن الشيطنة لا تخص الفلسطيني بتجربته أو بأدائه أو بسلوكه العام. المشكلة هنا أن هذه الشيطنة تخص الاهانة القصوى لكل شيء؛ لعروبة الفلسطيني، ولقدسية مكان الفلسطيني، ولقدرة الفلسطيني على البذل والتضحية والشجاعة. الشيطنة هنا تعني شطب الفلسطيني من الثقافة والوجدان والعقيدة، تعني تجاوز كلام الله عن الأرض المباركة وكلام رسوله عن الفئة التي تبقى على الحق ومع الحق في أكناف بيت المقدس، وتعني أن الاحتلال الإسرائيلي نعمة أخرى على المنطقة، بل يفجعك ويفجع قلبك أن يطالب من نتنياهو أن يبيد الفلسطينيين ويخلص المنطقة والعالم منهم. وهكذا وصلنا إلى استدخال او استدعاء المحتل لينقذنا من أوضاعنا ويحمينا من بعضنا البعض.

ألا يثير ذلك القلب والوجدان والوعي وكل ما تربينا عليه.

هل ينفع أن نقول أننا في ذروة هزيمة ساحقة ماحقة؟!

هل ينفع أن نفسر ذلك بقلة الوعي؟!

هل ينفع أن نقول ذلك بفعل أجندات ومصالح وارتباطات وخوف من الانهيار والسقوط؟!

كائناً ما كان الأمر، فإن شيطنة الفلسطيني، هي فشل ذريع لكل ما كان من قبل أو معظمه، فشل لتجارب القرن العشرين كلها أو معظمها، فقد كانت التجربة العربية خلال ذلك القرن تجربة مرتجلة ومرتبكة، لم تستطع أن تتعايش مع الحداثة ولا أن تتمثل التراث، ولم تستطع أن تتميز عن معسكرين طاحنين ظالمين، ولم تستطع النخب العربية وماتزال أن تنسج علاقة مفيدة وناجحة مع جماهيرها، ولذلك كانت الخسائر والهزائم العسكرية والثقافية والفكرية، وكنا -نحن الفلسطينيين- أول من دفع ثمن ذلك التخلف والارتباط والارتجال، ولأن أحداً لم يعتبر ولم يغير من نهجه، فقد جاء الدور على الجميع الآن، أقول وأنا حزين وغاضب أن كل شعوبنا تدفع ثمن التخلف والارتباك. معظم شعوبنا العربية الآن تتعرض للتفكيك والاحتلال حتى المباشر منه والتهديد والفقر والجوع.

الآن، وبدلا من البحث عن مخارج لهذه الهزيمة الساحقة الماحقة، لا يجد بعض هؤلاء سوى أن يلعن الضحية الأولى وأن يشيطنها وأن يتخلى عن استحقاقاته تجاهها. وإذا كان الأقصى الذي باركنا حوله هو ما يشدنا إلى هذه القضية، فإن الأقصى ليس في القدس أصلاً. إلى هنا وصل الاستخذاء والغياب!

شيطنة الفلسطيني ليست اهانة لنا، انها عمليا تخلي بعض العرب والمسلمين أو من يدعون أنهم كذلك عن كل ما يميزهم ويزينهم.

شيطنة الفلسطيني امعان في التخلي عن العصر وتحدياته والقبول بإسرائيل قائدةً وحاميةً للمنطقة بكل ما فيها.

التعليقات