الهجرة والممارسات الخاطئة

الهجرة والممارسات الخاطئة
الهجرة والممارسات الخاطئة
بقلم: قيس مراد قدري
كاتب صحفي مقيم في السويد

ما كنت سأخوض في الموضوع بسبب حساسيته لدى الكثيرين من المهاجرين. لكن وفاة الشاعر الفلسطيني الدانماركي يحيى حسن وهو في سن الرابعة والعشرين ربيعا جعلني أسلط الضوء على موضوع التربية الخاطئة لدى المهاجرين والتي أوصلت عدد لا يستهان به من الأبناء الى جادة الانحراف.
عملي الصحفي لعقود طويلة علمني البحث دوما عن الحقيقة وتجربتي كمستشار للدولة السويدية لدمج المهاجرين وحتى عملي ولو لفترة قصيرة جدا في مهنة التدريس في احدى مدارس الثانوية العامة منحتني رؤية واطلالة شاملة على التحديات التي تواجهها الأسر المهاجرة.
المجتمعات الاسكندنافية بالمجمل هي مجتمعات علمانية في سوادها الأعظم. لا تؤمن بالحياة بعد الموت لذا تراها متصالحة مع نفسها وبعيدة عن مسألة الحساب والعقاب التي تهيمن على مناحي الحياة في المجتمعات المتدينة. القوانين الوضعية في هذه البلاد مفصلة وفق أسس التربية التي درجوا عليها قبل وصول موجات الهجرة الكبيرة المتتابعة التي شهدتها هذه البلاد خلال العقود الأربعة الماضية والتي جلبت معها مفاهيم كثيرة لم تكن معروفة من قبل.
في الدول الاسكندنافية لا وجود لما يسمى (غيتو) بل هو من صنع المهاجرين أنفسهم خصوصا لدى الفئات الأمية أو شبه الأمية للأولياء الذين تصرفوا بشكل طبيعي في البحث عن أماكن سكن يتواجد فيها من يتكلمون لغة الأم خصوصا وأن اللغات المحكية في هذه البلاد ليست سهلة لتعلمها والتي تعتبر ضرورة جدا للانخراط في المجتمع.
كثير من الأسر المهاجرة وخصوصا القادمين من دول ذكورية الطابع أصيبت بخيبة أمل كبيرة بسبب القوانين التي تنصف المرأة أكثر من الرجل لجهة المساعدات المادية والعينية التي تقدم للأسر المهاجرة وهو ما أدى الى ارتفاع حاد في معدلات الطلاق بين تلك الأسر حيث أن المرأة تحررت من القيود الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تمنح الرجل سلطة الآمر الناهي. أما بالنسبة للأبناء فان الهوة بينهم وبين ذويهم ازدادت اتساعا مع مرور الوقت كونهم الشريحة التي تعلمت اللغة ومارست الحياة خارج المنزل كما هي في المجتمع الجديد في حين بقي الآباء مكانك راوح أي جسد في الغربة وروح متعلقة بالموطن الأصلي من خلال القنوات التلفزيونية وشبكات التواصل الاجتماعي المتوفرة لدى الجميع.
كي لا أظلم المهاجرين من الدول العربية فحسب مع أني أريد تسليط الضوء عليهم فان انفتاح الدول الاسكندنافية على بقية دول الاتحاد الأوربي باستثناء النرويج التي ظلت خارجها فان الحدود المفتوحة جلبت الكثير من الويلات لجهة العصابات المنظمة القادمة من دول أوروبا الشرقية أو دول البلطيق حيث زادت السرقات وعمليات تهريب المخدرات والسلاح والتي أدت بالضرورة الى ارتفاع معدلات الجريمة في هذه البلاد.
المهاجرون القادمون من الشرق جلبوا معهم عادات وتقاليد لا تستقيم مع نمط الحياة في هذه الدول؛ وتمسكهم بها جعل حياتهم أكثر صعوبة وحالت بينهم وبين التأقلم في هذه المجتمعات. فقد وصل الأمر الى حدود خروج مظاهرات في الدانمارك رافعة الأعلام السود تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية وهذا بدوره أخاف هذه المجتمعات التي بدأت تظهر فيها أحزاب سياسية يمينية متطرفة ضد الهجرة القادمة من دول إسلامية خصوصا بعد أحداث أيلول التي أججت (الاسلاموفوبيا).
المهاجرون يمثلون عشر السكان الأصليين أو أكثر أو أقل في مجمل الدول الاسكندنافية الثلاث مع ذلك فان نسبة الموجودين في سجون البلاد تعادل ٤٣٪ وبقياس النسبة والتناسب نتحدث عما يزيد عن ٨٠٪ من الجرائم ارتكبت من قبل المهاجرين.
العلاقات الجنسية في هذه البلاد تعتبر من الأمور الطبيعية وتقوم على أساس التفاهم بين أي اثنين وهي ليست مبتذلة كما يهيأ للبعض والقانون يجيز مثل هذه العلاقة والإقامة تحت سقف واحد دونما عقود زواج مدني الا اذا أراد الطرفان تسجيل ذلك لدى مصلحة الضرائب وليس المحكمة فانه يعتبر زواجا كاملا وتنطبق عليه كل القوانين المرعية في الزواج المدني. 
بعض الفتيات من أصول شرق أوسطية دخلن في تجربة هذا النوع من العلاقة وهو ما أدى الى بروز ظاهرة (القتل بدواعي الشرف) ولعل جريمة قتل فاديمة شاهيندال (كردية) ابنة الستة وعشرون عاما من قبل والدها عام ٢٠٠٢ قد أججت مشاعر الغضب لدى المجتمع وتحولت قضية رأي عام. علما أن جرائم أخرى ارتكبت لنفس الدوافع.
كذلك مسألة العنف الأسري التي تجلت بمقتل الطفلة الفلسطينية يارا النجار ٨ أعوام عام ٢٠١٤ التي جاءت من غزة وعاشت في كنف خالها ثم وجدت ميتة وتبين أن في جسدها ١٧ كسر نتيجة الضرب بآلات حادة من قبل زوجة خالها التي تعاملت معها كخادمة لها.
القوانين في هذه البلاد في حال حدوث طلاق بين زوجين فان المسكن يكون عادة من نصيب الزوجة وتتكفل الدولة بتأمين مسكن للزوج. هذا القانون فتح الباب على مصراعيه أمام المتلاعبين بالقوانين؛ فكثيرا ممن وثقوا زواجهم مدنيا وأقاموا مراسم وفق الشريعة الإسلامية بحضور شيخ وشهود ( الزواج من خلال مشايخ مرخص لها القيام بذلك مرتبط بالجهات الرسمية ويسجل شرعيا ومدنيا) أو مرتبطين بزواج شرعي في بلادهم الأصلية وجدوا ضالتهم في ذلك فأقدموا على عملية الطلاق مدنيا فقط وحصلوا على مسكن إضافي قاموا بتأجيره في حين ظلت العلاقة الزوجية كما هي إسلاميا (علما أن الطلاق المدني هو طلاق بائن شرعا) أي أنهم يحللون ويحرمون كما يحلوا لهم وبما يخدم مصالحهم. 
في مدينة تبعد ١٦٠ كم عن العاصمة ستوكهولم زوجان لديهما طفلين دخلا في تجربة الطلاق المدني وحصلا على السكن الإضافي وقاما بتأجيره بعقد خارجي وبقيت علاقة الزوجين كما هي تحت سقف واحد الى أن تفتق ذهنهما عن أن الزوجة بما أنها مطلقة وحرة في نظر القانون يمكن تزويجها من شخص آخر يريد الحصول على الإقامة الدائمة ومن ثم الجنسية مقابل مبلغ لا يستهان به من المال. المهم تمت عملية التزويج من شاب عراقي أمام الدولة (مدنيا) دون علاقة جنسية بينهما. الزوجة مع مرور الوقت طمعت بالحصول على مبالغ إضافية فما كان من الشاب العراقي أن أقدم على قتلها وقام بتسليم نفسه للشرطة. انتهت الحكاية بأن أودع الطفلان لدى أسرة سويدية ولن يراهما الأب أو يعرف مكان وجودهما طوال حياته؛ كما أنه خلال قضاء فترة محكوميته في السجن بدواعي النصب والاحتيال على القانون عليه أن يسدد كل فلس تقاضاه من وراء تأجير السكن الإضافي من راتبه الذي يتقاضاه وهو في السجن وسينتهي الأمر بعد انقضاء محكوميته الى سحب الجنسية منه وطرده خارج البلاد.
نموذج آخر للتربية الخاطئة للجالية المسلمة رأيته عندما عملت مدرسا في احدى الثانويات في العاصمة ستوكهولم. طبيعي أن يكون بين الطلاب فتيات محجبات كان ذويهم يوصلونهم حتى بوابة المدرسة وأول ما كنا يفعلنه يسارعن الى الحمامات ويخلعن الحجاب ويضعن (المسكارا). وقبل العودة الى المنزل يعود الحجاب وكأن شيئا لم يكن. أي أن ارتداء الحجاب لم يكن عن قناعة. طبعا هذا الأمر لا ينطبق على كل المحجبات لكن هذا ما حصل وما رأيت ولمست.
الشاعر الفلسطيني الدانماركي يحيى حسن نشأ في بيئة موبوءة وتعرض للضرب المبرح هو وأشقائه من قبل والده لذا تمرد على واقعه وأمضى سنوات في مراكز تأهيل الأحداث وانضم الى العالم السفلي وارتكب ٤٢ جريمة (ليس بينها القتل عدا حالة واحدة اعتبرت شروع بالقتل) وانعكس ذلك في قصائده التي انتشرت كالنار في الهشيم بين الناس وتعاطف معه الكثيرين من أبناء الجيل الثاني من المهاجرين ونقم عليه الكثيرون من المتمسكين بالعادات والتقاليد التي جلبوها معهم من مواطنهم الأصلية. هذه الظواهر موجودة وباقية حتى يومنا هذا.
ما تقدم لا يعني أن هذه البلاد هي المدينة الفاضلة لكن مؤكد أنها لم تعد كما كانت؛ وكثير من المفاهيم التي كانت سائدة قبل الهجرات المتعاقبة قد تغيرت والى الأبد.

التعليقات