حجة الوهم

حجة الوهم
حجة الوهم 
 د. يسر الغريسي حجازي

"يمكن أن يكون الوهم حلقة فراغً خطيرًة، لأنه قادر على جعل الانسان عرضة للفشل وسخرية الجميع. إنه مثل تجاهل الواقع مقابل العيش في الخيال، ولكن بمجرد فتح العيون، سيبدو الواقع وكأنه صفعة على الوجه."  

كيف نفسر الوهم؟ ماذا يعني ذلك بالضبط ومن منا لم يقع ضحية وهم في حياته علي الاقل مرة واحدة؟ دعنا نعلم أولاً أن الوهم هو تفسير غير دقيق لما كنا نعتقده ونفهمه بصدق. ببساطة ان المظاهر مضللة بالفعل، وأنها لا تعبر علي الاطلاق عن كل ما نراه. بحكم طبيعته، يلاحظ الانسان ويفكر ثم يحلل ما يري وهذه هي الطريقة الأساسية لتخيل العصر الذي نحن فيه الان، واعطائه القيمة والاحتمالية. ان مصطلح الوهم باللاتينية يعني: "لعب ، خداع ، إساءة". يمكن لكل واحد منا ان يخدع نفسه، سواء كان مراهقًا أو بالغًا أو حتى شخصًا مسنًا. لماذا الانغماس في معتقداتنا، بينما نعرف في أعماقنا أن هناك احتمال كبير  أن تكون معتقداتنت محفوفة بالمخاطر أو خاطئة حتي؟ بكل بساطة، تمنحنا المعتقدات الأمان والمتعة. في لحظات الوهم هذه، نفكر فقط في المتعة والفرح، لتتشتت أفكارنا وتبعدنا تمامًا عن الوعي الذكي. إنها مسألة تبعث للمعرفة واذا ما كنا نفهم المواقف التي تواجهنا، وما هو السياق الروحي الذي نحن بصدد شرح تسلسل الأحداث وفهم الفعل أو السلوك، أو نص القانون؟ قبل كل شيء، هل يفترض علينا ان نري الأشياء كما هي او بحسب العلامات التي نراها؟ هل  يمكن أن يحل ذلك محل التواصل لفهم الأخطاء في الحياة الشخصية، أو حتى مع من يحيطون بناا؟ في اللغة اللاتينية ، تعني مصطلح "مترجم" الوسيط الذي يعمل بين طرفين، وهو أيضًا الذي يشرح الوضع بكل تفاصيله. انه الوسيط الذي يعمل في داخل أنفسنا، ويتوسط بين الرغبات والضمير ويستعين بمنجد القيم الأخلاقية المتأصلة فينا. هذه القيم موجودة لتذكرنا بالترتيب عندما ندخل غير منطقي. لكل منا طريقته الخاصة في تحليل وفهم الأشياء ، وهذا هو السبب الذي يوحدنا جميعًا معًا حتى لو لم نتواصل بنفس الطريقة. على سبيل المثال، قدمت الفنون المسرحية ، والرقص المسرحي في قرن العشرينات في ألمانيا (اعمال مصمم الرقص الألماني كورت جوس) ، التعبير في الكتابة الراقصة وحركات الراقصين. انتشر الرقص الحديث إلى أوروبا ثم في جميع أنحاء العالم،  من خلال القطعة المسرحية والرمزية ل"كافيه مولر"، من تصميم راقصة البالي الألمانية بينا باوش. في الواقع، ان الرقص الحديث هو بمثابة مسرح معبر يسمح بتفسير المواقف الدرامية، وفقًا للمساحة الخلابة التي اختارها الفنان. لذلك، سيقدم الفنان العرض مع وضع بصماته الخاصة، ويطلق العنان لخياله وخيال المتفرجين وهو في محاولته ان لايخرج من نص الموضوع. كل منا يشعر ويعبر، عما يسمعه أو يراه وفقًا لمعرفته وانطباعاته الشخصية. وفقا لفرويد (1927) ، في كتابه "مستقبل الوهم"، ان الوهم ليس بالضرورة خطأ، بل انه اعتقاد يتناقض مع الواقع لانه غير قابل للتحقيق. و في اللغة اللاتينية، يعبر الوهم عن "اللمس، والبصر، والسمع"، ويستخدم الخداع والاستحضار. لا يمكنه أن يضللنا فحسب، بل ان يقودنا ايضا إلى الاحلام حيث يتم حبس نزوات الخيال. كما يخبرنا فرويد عن وهم كريستوفر كولومبوس، عندما اعتقد أنه وجد طريقًا بحريًا جديدًا إلى الهند وشرح أن الوهم هو اعتقاد وأن الروح الانسان تندفع عندما يريد تحقيق الرغبة.

على سبيل المثال، قد يكون لدى الفتي المراهق فكرة مخادعة تعبر عن رغبته في الزواج من المغنية التي تعجبه. لا تزال هناك أمثلة كثيرة اليوم، من الناس الذين يحاولون تحقيق رغباتهم حتي لو كانت بعيدة المنال. لكن الحقيقة الأكثر قسوة، هي مشاركة الأحلام مع الآخرين والمخاطرة ان يكون الانسان محل للسخرية والتنمر من الأصدقاء ليصل ذلك الى الشبكات الاجتماعية و الأماكن العامة. من السهل أن نسمع الآخرين يقولون "إنه يأخذ أحلامه من أجل الحقيقة أو حتى" إنه يعيش في هذيانه". بالنسبة لفرويد، الوهم هو هدف رغبتنا أن نأخذه مثل حقيقة. واكد فرويد، ان الوهم هو الإيمان بواقع الرغبة. كما الوهم يخفي الحقيقة وكذلك تصورات الواقع، سواء على الذات أو حول العالم المحيط بنا. باختصار، يمكن أن يؤدي بنا إلى أخطاء مؤسفة. بالنسبة لديكارت، ينبع الوهم من أخطاء الحكم والمعلومات المتحصل عليها. حاول ديكارت حل لغز العصا الذي تبدو في الماء مكسورة، ولكن بمجرد لمسها، يتضح ان ذلك غير الصحيح وانها وهم بصري. وتسمح لنا قوانين البصريات، بفهم هذا الانحراف في الرؤية كما هو موضح في قوانين الانكسار.

ومع ذلك ، ينشأ الوهم خيبة الأمل عندما ندرك الحقيقة ومنطقنا الخاطئ حول الواقغ

. وينظر الي الوهم علي أنه مشكلة في المعرفة، (خيالي وفاقد الوعي 2006/17) بسبب أنظمة الاعتقاد التي يمكن أن تهيمن على إرادة البشر لرفض واقع الأشياء.

التعليقات