أزمة نفط جديدة فى عام 2020 .. من الخاسر؟

أزمة نفط جديدة فى عام 2020 ..  من الخاسر؟
أزمة نفط جديدة فى عام 2020 ..  من الخاسر؟

د. عبير عبد الرحمن ثابت

منذ قرن من الزمن ومنطقة الخليج العربى تعتبر أحد أهم مناطق العالم حيوية، وذلك كونها قلب طاقة العالم النابض والذى يضخ دماء الاقتصاد العالمى المتمثل فى النفط الخام؛ ومن المتوقع أن يبقى كذلك لعقود قادمة فى ظل غياب أى بديل عنه كمصدر طاقة لتحريك عجلة الاقتصاد العالمى.

من هذا المنطلق مثلت منطقة الخليج العربى الغنية باحتياطيات نفطية كبيرة نفوذ مهم للغرب، وباعتبارها أهم منطقة حيوية للاقتصاد الأمريكى والعالمى تخضع للنفوذ الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ وتعتمد عليها الولايات المتحدة لإدارة عجلة الصناعة الأمريكية. وقد أبرمت الولايات المتحدة عدة اتفاقيات اقتصادية وعسكرية وضمنت بموجبها موطئ قدم عسكرى فاعل على الأرض للدفاع عن مصالحها الاقتصادية في المنطقة، وهو ما أدى إلى انتشار العديد من القواعد العسكرية البرية والبحرية في منطقة الخليج ومياهه، وقد اتضح هذا النفوذ جليا خلال الحروب التي حدثت في المنطقة في العقود الماضية .

وبقى الحال على ما هو عليه فى تلك المنطقة باعتبارها أهم مناطق النفوذ الأمريكى فى العالم؛ لكن تطور تكنولوجى حدث فى الولايات المتحدة العام2014 غير الكثير من المعادلات والحسابات الاقتصادية  الاستراتيجية وتغيرت معها الحسابات والاستراتيجيات السياسية للولايات المتحدة الأمريكية؛ ولاحقا لهذا التطور التكنولوجي تمثل فى ابتكار شركات النفط الأمريكى لتقنيات جديدة لاستخراج النفط الصخرى على وقع الارتفاع فى أسعار النفط التى شهده العام 2013؛ والذى تجاوز خلاله برميل النفط حاجز 100 دولار . هذه التقنيات يتم بموجبها استخلاص النفط من طبقات صخرية صماء تحوى مخزونا من خام النفط الخفيف بتكلفة أقل من 50 دولار للبرميل.  

ومن هنا بدأت ثورة النفط الصخرى فى الولايات المتحدة التى تحوى احتياطى كبير من هذا النفط فى الطبقات  الجيولوجية بها؛ ومع اقتراب عقد من الزمن على هذا التاريخ شهدت خلاله هذه التقنية مزيدا من التقدم التكنولوجى فى صناعة النفط الأمريكى أدت إلى تخفيض كلفة الانتاج للبرميل من النفط الصخرى ليقترب شيئا فشيئا من كلفة النفط العادى وحتى أن بعض الدراسات رجحت أن تصل كلفة إنتاج البرميل الواحد من النفط الصخرى مستقبلا إلى أقل من 10 دولارات . وأصبح لدى الولايات المتحدة اكتفاء ذاتى من النفط وتحولات خلال السنتين الأخيرتين إلى مصدر للنفط الخام ينافس أسواق العالم ويريد موطئ قدم فى سوق التصدير للخام بجانب الأوبك وروسيا الاتحادية .

وهو ما تجلى واضحا فى الأزمة النفطية المفتعلة الأخيرة بين روسيا والمملكة السعودية والتى لعبت فيها الولايات المتحدة الأمريكية ولأول مرة دور الوسيط المحايد وكأنها تعلن عن نفسها لاعبا مهما جديدا فى سوق تصدير النفط العالمي؛ لاعب اقتصاديا مصدر لا مستورد كما عهده السوق الدولى للخام؛ لاعب له مصالحه الاقتصادية التى قد تتضارب مع حلفائه التاريخيين بعدما تحول من مستورد مستفيد إلى مصدر منافس، لكن هذا التدخل الأمريكي والذى أتى فى توقيت يبدو مخطط له بإحكام بعد انهيار أسعار الخام عالميا وتوقعات خبراء الاقتصاد أن يصل سعر الخام مستقبلا إلى صفر دولار إذا ما استمرت أزمة المضاربة فى زيادة الانتاج التى تبنتها السعودية للضغط على روسيا.

هذا التدخل الأمريكى الناجع والذى أدى إلى حلحلة الأزمة بين روسيا والسعودية ونقول حلحلتها وليس حلها؛  هذا التدخل يذكرنا بالتدخل الأمريكي الحاسم فى أزمة السويس 56 من القرن الماضى؛ والذى كان بمثابة تنصيب الولايات المتحدة الأمريكية الوريث الوحيد والراعى الرسمى للمصالح الغربية خلفا للمملكة المتحدة .

والسؤال المطروح اليوم من سترث الولايات المتحدة الأمريكية فى سوق النفط العالمية بعدما تحولت من مستورد إلى منتج للنفط الخام؛ وما هو مستقبل دول الخليج النفطية فى ظل واقع كهذا يفقد فيه برميل النفط نصف سعره؛ علما أن هذه الدول تعتمد بما يزيد عن 60% فى أحسن الأحوال من موازناتها السنوية على عائدات تصدير النفط الخام، وما هو مستقبل أمن منطقة الخليج والذى لا ينفصل بالمناسبة عن أمن منطقة الشرق الأوسط وأوروبا فى ظل تغير اقتصادى جذرى من هذا القبيل، وهل من الممكن أن تتحول منطقة الخليج إلى منطقة فوضى مفتعلة واقتتال قد تصل إلى حالة بعض الدول المحيطة لكى تفسح المجال للعملاق الأمريكى ليتربع على عرش أسواق تصدير الخام بعدما فقدت المنطقة أهميتها الاقتصادية للولايات المتحدة، وهو ما سيترتب عليه تغيرات كبيرة قد تبدو دراماتيكية فى المنطقة برمتها فى ظل تنامى قوى إقليمية ودولية فى المنطقة تسعى وبكل قوتها لإيجاد قاعدة نفوذ لها.

والسؤال الأهم ما علاقة كل هذا بما يعرف بصفقة القرن والتي تسعى لشرعنة وجود إسرائيل في المنطقة وتموضعها في القطاعات الاقتصادية والسياسية والأمنية وغيرها؛ والتى هي جزء من الترتيبات الأمريكية الاستراتيجية طويلة الأمد للنفوذ الأمريكى فى المنطقة؛ والذى من الواضح أنه سيختلف شكلا ومضمونا عن ما كان سائدا لقرن من الزمن. وأين هى المصالح العربية المشتركة فى كل هذا القادم؟ وهل ثمة وجود لمصالح عربية مشتركة فى كل ما نرى؟؟؟

أستاذ علوم سياسية

التعليقات