"كورونا" وفلسطين: تغيرات تفتح "أبواب الخلاص"

"كورونا" وفلسطين: تغيرات تفتح "أبواب الخلاص"
«كورونا» وفلسطين: تغيرات تفتح «أبواب الخلاص»
فيحاء عبد الهادي

تلقيتُ عدداً من التعقيبات، على مقالتي بعنوان: «فيروس كورونا: أي ثمن سوف تدفعه البشرية»، التي نُشرت يوم 5 نيسان 2020؛ على صفحات «الأيام».

أكَّدت الرسائل على ضرورة مراجعة دول العالم النيوليبرالية لأولوياتها، والاحتكام إلى مبادئ حقوق الإنسان العالمية؛ عوضاً عن الاحتكام لشريعة القوة، واحترام التعددية الثقافية والتنوع بدلاً من السياسات العنصرية وسياسة التمييز، وتوجيه السياسات المالية نحو الرعاية الصحية وتصنيع الدواء بدلاً من تصنيع الأسلحة الفتّاكة، وحذَّرت من الثمن الباهظ الذي يمكن أن تدفعه البشرية لو لم تجرِ مراجعة نقدية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ التي أنتجت الدمار عبر العالم.

ترحب «مساحة للحوار» باستضافة تعقيب الصديق المهندس «عبد الرحمن البيطار»، الذي حاور الأفكار التي طرحت في المقالة بعمق، وأضاف قضايا جديرة بالنقاش، والحوار.

*****

«البشرية يحكمها منذ أن بدأت تعي، وربما قبل ذلك، نُظُم شرّيرة، والنظام الدولي الذي أنتجته الحرب العالمية الأولى ثم الثانية هو بالتأكيد نظام شرير، لأنه أنتج اللامساواة، وسلب من حياة الناس العدل، وكرَّس الهيمنة والبلطجة، وأشكالًا من العنصرية؛ ما زالت الشعوب تدفع ثمن شرورها؛ لكن؛ يا صديقتي، من الذي صنع هذا النظام الدولي الشرِّير؟!

نظامنا الدولي منذ بدايات القرن الماضي صنعه التناقض الأزلي بين قوى الخير وقوى الشرّ في العالم ... ! ولقد تمكنت قوى الشرّ بعد الحرب العالمية الثانية مِن أن تَفرض جزءًا كبيرًا من قوانينها، وتمتلك الشرعية، بعد أن اضطرّت تحت ضغوط القوى الاجتماعية العريضة في المجتمعات الغربية إلى أنسنة نظامها المتوحش، من خلال الأخذ بجزء من مَطالب تلك القوى في تلك المجتمعات ... لكن القوى المهيمنة على النظام الدولي عادت بعد أن تمكنت من إسقاط الاتحاد السوفييتي في بداية العقد الاخير من القرن الماضي إلى محاولة تغيير قواعد اللعبة، والتخلّي عن القشرة الاجتماعية التي اكتست بها خلال الحرب الباردة، والكشف عن أنيابها وشراستها مجددًا؛ عبر تَمكين القوى النيوليبرالية من الإمساك بالمقود، وتحرير النظام العالمي من القيود الاجتماعية، وفَتْح أبواب العولمة، لتمكين شركات كبرى في العالم من التّحكّم بمصائر البشر، والسَّيطرة على الثروات، واستثمار الطبيعة وثرواتها، لمصالحها.

نعم، إن الأزمتين العالميتين اللتين حصلتا خلال الثلاثين عامًا الماضية، تؤذن بدخول البشرية مرحلة جديدة من حياتها، وفي الواقع؛ «الكورونا» أدْخَلَ العالم في أتون الحرب العالمية الثالثة. وكما أنتجت الحرب الأولى عُصبَة الأمم، ونظام الانتداب الاستعماري الذي كانت فلسطين إحدى ضحاياه، وكما أنتجت الحرب العالمية الثانية نظامًا دوليًا جديدًا تمثل في منظمة الأمم المتحدة التي كرَّست مبدأ تقسيم فلسطين، واستثنت الشعب العربي الفلسطيني من حقه في تقرير المصير، فإن الحرب العالمية الثالثة ستفرز نظامها الدولي الجديد.

وفي نظري، فإن هذا النظام سيكون مختلفًا، وسينتج قوانينه الخاصة، ففي الوقت الذي استأثرت فيه أميركا بمقاليد الهيمنة على العالم الغربي، بعد الحرب العالمية الثانية، وتقاسمت قدرًا من السلطة العالمية مع الاتحاد السوفييتي، فإن الحرب العالمية الثالثة ستشهد في مرحلتها التالية صراعًا مع الصين ينتهي باتفاق على قيادة العالم لمرحلة وسيطة معاً، لكنَّ هذا الاتفاق سيكرِّس ولأول مرَّة في العصر الحديث حالة انحسار مفاعيل الغرب الاستعماري بقيادة أميركا، وسيؤدي الى تشرذمه وإضعافه، في الوقت الذي ستزداد فيه قوة الصين وحلفاؤها ودورها في العالم الجديد القادم.

ماذا عن فلسطين في إطار النظام الدولي القادِم ؟

أنا أعتقد أن إسرائيل سينالها الضعف في المرحلة القريبة والوسطى القادمة، أو فُقدان قَدْر من الهيمنة الذي سينال من الولايات المتحدة، ومن تشرذم المعسكر الغربي.

طريق الحرير، وهو المشروع الصيني لتكريس الوجود الصيني في العالم، من خلال الاختراق الاقتصادي للصين للأسواق الآسيوية والأوروبية والأفريقية وغيرها ،... لا يستطيع التّخلّي أو استثناء أفغانستان، إيران، العراق، وسورية من مَسارات الطريق، وهذا الخط، يخدمه ميناء طرطوس (الذي كرَّس الروس نفوذهم فيه)، والساحل السوري، إلى القَدر الذي تَستطيع فيه الصين الاستغناء عن  الساحل الفلسطيني، في مرحلة استمرار بقاء الصراع على فلسطين، في ظل استمرار تمسك الشعب العربي الفلسطيني بحقوقه وبأرضه.

لذا سيكون الصراع في المرحلة القادمة مريراً على العراق، وأفغانستان، وتأمين تحريرهما من الهيمنة الأميركية أو ما تبقى منها، لتأمين الأرض التي يمرّ عبرها طريق الحرير . وبالطّبع، فإن تحرير العراق من الهيمنة الأميركية سيعني تلقائيًا انتهاء النفوذ الأميركي في سورية، وسيضعف القوى الحليفة لأميركا في لبنان وسيؤدي بالطَّبع الى زيادة النفوذ الصيني وحليفتها روسيا، في المنطقة.

هل التغيرات الجيوسياسية هذه ستكون لصالح قوى اليمين الصهيوني المسيطر على دولة الكيان الصهيوني في فلسطين ؟!

 أعتقد أن التغيرات، سوف لن تكون في صالح القوى التي تنهج سياسات عنصرية، لذلك؛ أرى أن ضعفًا شديدًا سيلحق بقوى اليمين العنصري في إسرائيل، وفي بقية بلدان العالم.

لذا، فإن على الحركة الوطنية الفلسطينية أن تتحضَّر للتعامل مع التغيرات الجيوسياسية، التي ستحصل في العالم خلال العشرين عامًا القادمة، لعل ذلك سيشهد إسدال الستارة على المشروع الصهيوني العنصري في فلسطين، وبزوغ أنوار الدولة الديمقراطية الواحدة، على كامل أرض فلسطين، من البحر إلى النهر.

باختصار، إن معركة القوى الاجتماعية العريضة مع القوى المهيمنة المتوحشة، مستمرّة».

 عبد الرحمن البيطار

*****
نعم، هي معركة مستمرة وشرسة، ولكن؛ إذا كانت القوى المتوحشة المهيمنة مستعدة لها؛ ماذا عن قوى التغيير الاجتماعية العريضة؟ في ظل التجزئة والتفتت والشرذمة في فلسطين، وفي العالم؟ متى تستعدّ؟

ينفتح السؤال على السؤال، وتتسع دائرة الحوار.
    [email protected]

التعليقات