صندوق النقد العربي يُطلق إصدار ابريل من تقرير آفاق الاقتصاد العربي

في إطار الجهود التي يبذلها صندوق النقد العربي لدعم متخذي القرار في الدول العربية، أطلق الصندوق إصدار ابريل من تقرير "آفاق الاقتصاد العربي"، الذي يتضمن تحديثاً لتوقعات الأداء الاقتصادي للدول العربية على عدة أصعدة تشمل النمو الاقتصادي، واتجاهات تطور الأسعار المحلية، والأوضاع النقدية، والمالية، والتوقعات فيما يتعلق بالقطاع الخارجي في الدول العربية خلال عامي 2020 و2021.

يعيش العالم والمنطقة العربية ظرفاً استثنائياً في ظل انتشار فيروس كورونا وما استتبعه من تأثيرات اقتصادية واسعة النطاق على عدة أصعدة في ظل تأثر سلاسل الإمدادات العالمية، وحركة التجارة الدولية، وأنشطة الاستهلاك والاستثمار والتصنيع، وارتفاع مستويات عدم اليقين، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين. كما فرض الفيروس قيوداً على أنشطة العديد من القطاعات الاقتصادية في ظل اتجاه عدد من الدول لفرض حظر على حركة النقل بما أثر على قطاعات السياحة والطيران والتجارة والصناعات التحويلية وغيرها من القطاعات الاقتصادية الأخرى. في بداية العام كانت التوقعات تُشير إلى أن الأثر على الاقتصاد العالمي سوف يكون محدوداً في نطاق 0.1 نقطة مئوية في حالة ما إذا تم احتواء الفيروس خلال الربع الأول من العام. غير أن فرضيات أخرى لاحقة رجحت تراجعاً أكبر للنشاط الاقتصادي العالمي، متوقعةً تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2020 إلى نصف مستوياته المتوقعة قبل انتشار الفيروس. فيما ذهبت توقعات أخرى إلى أبعد من ذلك مشيرة إلى دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة ركود عالمي تفوق تلك المسجلة خلال الأزمة المالية العالمية.

فيما يتعلق بالدول العربية، أشار التقرير إلى تسجيل الدول العربية لمعدل نمو بنحو 2 في المائة لعام 2019 بما يعكس أثر كل من تباطؤ الطلب العالمي في ظل التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وانخفاض كميات الإنتاج النفطي في عدد من الدول العربية المصدرة للنفط التزاماً باتفاق "أوبك+"، فيما ساعدت الإصلاحات الاقتصادية المطبقة في العديد من الدول العربية على دعم مستويات النمو المسجلة العام الماضي في عدد من الدول العربية. سوف يكون للمستجدات المرتبطة بالفيروس تداعيات ملموسة على الاقتصادات العربية من خلال عدة قنوات من أبرزها الطلب الخارجي الذي يساهم بنحو 48 في المائة من إجمالي الطلب الكلي في الدول العربية. في هذا السياق من المتوقع تأثر صادرات الدول العربية النفطية وغير النفطية بتراجع الطلب العالمي، بسبب تباطؤ الطلب لدى عدد من شركائها التجاريين، حيث تُعتبر الدول المتأثرة بالفيروس حالياً من أهم الشركاء التجاريين للدول العربية كونها تستوعب 65 في المائة من الصادرات العربية.

من جانب آخر، سوف تتأثر الاقتصادات العربية جراء التوقف الجزئي لمستويات الإنتاج المحلي في عدد من القطاعات الاقتصادية نتيجة انتشار الفيروس، من أهمها قطاعات الخدمات الانتاجية على رأسها قطاعات السياحة والنقل والتجارة الداخلية والخارجية. كما سيكون له تأثير كذلك على القطاعات الصناعية الأخرى. تساهم هذه القطاعات مجتمعة بنحو 40 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي.

كما تأثرت الدول العربية المُصدرة للنفط بالتطورات في الأسواق العالمية للنفط التي تشهد تراجعاً في مستويات نمو الطلب على النفط، نتيجة تأثر نشاط عدد من القطاعات الاقتصادية المستخدمة للوقود بتداعيات انتشار الفيروس وبظروف فرض حظر على انتقالات الأفراد داخل وخارج الحدود في ظل أسواق يسيطر عليها زيادة كميات المعروض النفطي وهو ما سينتج عنه في المجمل انخفاض متوقع في الأسعار العالمية للنفط في عام 2020، بما يؤثر على القطاع النفطي الذي يسهم بنحو 27 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية، و42 في المائة من إجمالي الصادرات، و62 في المائة من إجمالي الإيرادات العامة.

أما بالنسبة للدول العربية المستوردة للنفط، فسوف تتأثر بتراجع المتحصلات من النقد الأجنبي في ظل انخفاض متوقع لمستويات التصدير نتيجة انتشار الفيروس، وكذلك تأثر تحويلات العاملين في الخارج التي تسهم في بعض من هذه الدول بما يفوق 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وهو ما قد يولد ضغوطات على العملات المحلية بالنسبة لبعض الدول التي ترتبط بنظم أسعار صرف مرنة، ويرفع من كلفة سداد أقساط وفوائد الدين الخارجي.

في المجمل، سيكون لهذه التطورات أثراً على معدلات البطالة في الدول العربية التي من المتوقع أن تشهد ارتفاعاً خلال عام 2020 خاصة على ضوء تضرر عدد من القطاعات الاقتصادية الموفرة لفرص العمل، على رأسها قطاع السياحة الذي يسهم بنسبة تتراوح ما بين 12 و19 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عدد من الدول العربية التي تعد وجهات سياحية عالمية. كما سوف يُعمق من أثر هذه التطورات على سوق العمل في العديد من الدول العربية تأثر نشاط قطاع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الذي يسهم بنحو 45 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ونحو ثلث فرص العمل المولدة في القطاع الرسمي.

استناداً إلى ما سبق، وبهدف تجاوز الآثار الاقتصادية المرتبطة بانتشار الفيروس، تبنت حكومات الدول العربية ممثلةً في البنوك المركزية ووزارات المالية حزم تحفيزية بقيمة تقارب 180 مليار دولار (9.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية) حتى تاريخه بهدف دعم القطاعات والفئات المتضررة، وتقليل حجم الأثر المتوقع، الناتج عن تقييد الفيروس لحركة النشاط في عدد من القطاعات الاقتصادية الأساسية على دخول الأسر والشركات. شملت حزم التحفيز عدة تدخلات تنوعت ما بين توجيه المزيد من المخصصات المالية لدعم الأنظمة الصحية، وخفض الفائدة بنسب تراوحت ما بين 1.5 إلى 3.0 نقاط مئوية، وخفض نسب الاحتياطي الإلزامي، وضخ سيولة في القطاع المصرفي لدعم الائتمان، وتأجيل أقساط وفوائد القروض المستحقة على القطاعات المتضررة والفئات المتأثرة. كما شملت التدخلات أيضاً تطبيق برامج الدخل الأساسي المُعمَّم في بعض الدول العربية.

وفق فرضية متفائلة وبافتراض توقع احتواء الأثر الاقتصادي لفيروس كورونا المُستجد خلال النصف الأول من عام 2020 وعدم حدوث حالات إغلاق واسعة النطاق ممتدة زمنياً، من المتوقع تراجع معدل نمو الاقتصادات العربية إلى نصف معدلاته المتوقعة قبل انتشار الفيروس. أما في حال امتداد أثر انتشار الفيروس إلى كامل عام 2020، فمن المتوقع أن تشهد الاقتصادات العربية حالة ركود اقتصادي خلال العام الجاري. في المقابل، من المتوقع تعافي نسبي لأداء الاقتصادات العربية عام 2021 بما يعكس تحسن مستويات الطلب العالمي والتجارة الدولية وارتفاع الأسعار العالمية للنفط.

على صعيد اتجاهات تطور الأسعار المحلية، شهد عام 2019 استمرار تراجع معدل التضخم في الدول العربية ليصل إلى حوالي 5.0 في المائة مقارنة مع نحو 9.4 في المائة محقق في عام 2018. يُعزى ذلك إلى تراجع الطلب المحلي في بعض الدول، والتغيرات التي شهدتها الأسعار العالمية للنفط والمواد الخام، إضافة إلى التراجع التدريجي للضغوطات التضخمية الناتجة عن تدابير الإصلاح المالي التي طبقتها بعض الدول العربية خلال العامين السابقين. من المتوقع تأثر معدلات التضخم في عام 2020 بالتداعيات الناتجة عن فيروس كورونا على مستويات العرض والطلب، وبانخفاض الأسعار العالمية للنفط، فيما يتوقع ارتفاعه في عام 2021 في ظل التعافي المتوقع للطلب العالمي والمحلي والأسعار العالمية للنفط. 

فيما يتعلق بالأوضاع النقدية، ففي ظل ارتباط عدد من العملات العربية بالدولار الأمريكي واتجاه هذه الدول إلى المواكبة الكاملة أو الجزئية لجولات الخفض الثلاث التي تبناها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عام 2019، غلبت الاتجاهات التوسعية على وضعية السياسة النقدية -مقاسةُ بالتغيرات في أسعار الفائدة الرسمية- في عدد من الدول العربية، في حين تبنت دول عربية أخرى سياسات نقدية محايدة من خلال الإبقاء على أسعار الفائدة الرسمية بدون تغيير. فيما يتعلق بالدول العربية التي تتبنى نظماً أكثر مرونة لأسعار الصرف تباينت وضعية السياسة النقدية في هذه الدول، حيث اتجهت بعض دول المجموعة إلى رفع سعر الفائدة بهدف امتصاص الضغوط التضخمية، في حين ساعد نجاح أطر استهداف التضخم في دول عربية أخرى على احتواء الضغوط التضخمية، مما ممكن بنوكها المركزية من إجراء تحول في وضعية السياسة النقدية باتجاه تبني سياسات نقدية تيسيريه لدعم النشاط الاقتصادي وحفز الائتمان الممنوح للقطاع الخاص.

في ظل التداعيات المرتبطة بظهور فيروس كورونا المستجد، سيطرت الاتجاهات التيسيرية على موقف السياسة النقدية في معظم الدول العربية خلال الربع الأول من عام 2020 التي قامت على اختلاف نظم أسعار الصرف بها بخفض أسعار الفائدة الرسمية بما يتراوح بين 1.5 و3 نقطة مئوية لدعم قدرة القطاع المالي على توفير الائتمان للقطاعات الاقتصادية خاصة تلك المتضررة من الأزمة. كما لعبت المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية دوراً بارزاً على صعيد توفير الدعم الكافي للاقتصادات العربية في هذه الظروف الاستثنائية من خلال ضمان توفر السيولة الكافية، وتشجيع التوسع في منح الائتمان، وتقليل أعباء المديونية على القطاعات المتأثرة. سوف تواصل الإصلاحات المتبناة في الدول العربية على صعيد السياسة النقدية خلال أفق التوقع تركيزها على زيادة مستويات كفاءة السياسة النقدية في تحقيق مستهدفاتها من خلال تطوير بعض أدوات السياسة النقدية القائمة، واستحداث أدوات نقدية جديدة لضمان إدارة السيولة، وزيادة مستويات كفاءة الأطر التشغيلية للسياسة النقدية. كما ستواصل تدخلات المصارف المركزية تركيزها على ضمان استقرار أسواق الصرف الأجنبي، وتمكين القطاع المصرفي من مواجهة التحديات التي ترتبط بمحدودية الموارد من النقد الأجنبي ببعض الدول بما يضمن استقرار أسواق الصرف.

على صعيد الأوضاع المالية، أشار التقرير إلى انخفاض عجز الموازنة المُجمعة للدول العربية إلى الناتج -مقوماً بالدولار- من 3.8 في المائة في عام 2018 إلى 3.4 في المائة من الناتج خلال عام 2019. سوف تؤثر المستجدات المرتبطة بفيروس كورونا على الموازنات العربية التي من المتوقع أن تتراجع إيراداتها النفطية والضريبية، في الوقت الذي ستحتاج فيه حكومات هذه الدول إلى زيادة مستويات الإنفاق لدعم الأنظمة الصحية، وتمويل حزم الإنفاق المخصصة للتخفيف من الآثار السلبية للفيروس على الاقتصاد. بناءً عليه، من المتوقع تضاعف مستويات عجز الموازنة العربية المجمعة للدول العربية في عام 2020، فيما يتوقع تراجع العجز خلال عام 2021.

أما فيما يتعلق بالقطاع الخارجي، فتشير البيانات الأولية لعام 2019 إلى تأثر ميزان المعاملات الجارية للدول العربية كمجموعة بالتغيرات التي شهدتها الأسعار العالمية للنفط والتطورات في أداء الاقتصاد العالمي خاصة دول منطقة اليورو الشريك التجاري الأبرز لعدد من الدول العربية. كمحصلة للتطورات سالفة الذكر، تشير التقديرات إلى تراجع الفائض في ميزان المعاملات الجارية خلال عام 2019 ليصل إلى 42 مليار دولار تشكل نحو 1.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. من المتوقع تحول الفائض المسجل في موازين مدفوعات الدول العربية خلال عام 2019 إلى عجز بنسبة 0.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2020 بما يعكس تأثير الانخفاض المتوقع للأسعار العالمية للنفط وكذلك تأثير التداعيات المرتبطة بفيروس كورونا على الاقتصاد، فيما يتوقع تحول العجز إلى فائض في عام 2021 ليشكل نحو 2.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

التعليقات