صندوق النقد العربي يصدر العدد العاشر من موجز سياسات

صندوق النقد العربي يصدر العدد العاشر من موجز سياسات
رام الله - دنيا الوطن
في إطار حرصه على تطوير أنشطته البحثية، أطلق صندوق النقد العربي سلسلة بحثية بعنوان "موجز سياسات"، تستهدف دعم عملية صنع القرار في الدول العربية من خلال توفير إصدارات بحثية موجزة تتطرق لأبرز الأولويات والموضوعات ذات الاهتمام بالنسبة للدول العربية الأعضاء مصحوبةً بتوصيات لصناع السياسات.

تطرق العدد العاشر من هذه السلسلة إلى موضــوع "أطر الشراكة بين القطاعين العام والخاص "، حيث أشــار الموجز إلى أن مفـهـوم الشـراكـة بين القطاعين العام والخاص يحظى باهتـمام كبيـر، مـنـذ مطلع القرن الماضي، وخاصة من جـانب الـدول والمـؤسسـات الـدوليـة، فـقـد عرفتـها الأمم المتحدة على أنها: "التعاون والأنشطة المشتركة بين القطاعين العام والخاص بغرض تنفيذ المشاريع الكبرى، وبحيث تكون الموارد والإمكانيات لكلا القطاعين مستخدمةً معاً، وذلك بالطريقة التي تؤدي إلى اقتسام المسؤوليات والمخاطر بين القطاعين بطريقة رشيدة، لتحقيق التوازن الأمثل”. كما أشارت الأمم المتحدة إلى إطار من السياسات المُقترحة بهدف تشجيع مشاركة القطاع الخاص في تمويل مشروعات التنمية المستدامة يشمل مجموعة من التدخلات تستهدف تبني جيل جديد من استراتيجيات وحوافز تشجيع الاستثمار في المشروعات التنموية، وتعزيز اتفاقيات الاستثمار الإقليمية لدعم قدرات الحكومة الوطنية على تنفيذ مثل هذه المشاريع، إضافةً إلى تشجيع آليات مبتكرة للتمويل.

على مستوى الدول العربية، يكتسب تمويل المشاريع التنموية بشكل عام، وتلك المرتبطة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة بشكل خاص أهمية كبيرة على ضوء الاحتياجات التمويلية الكبيرة المرتبطة بهذه المشروعات، والحاجة إلى تطوير البنية التحتية بما يدعم وتيرة النمو الاقتصادي ويوفر المزيد من فرص العمل. كما أن عدد من الدول العربية يواجه حيزاً مالياً محدوداً للتوسع في الإنفاق الرأسمالي، مما يتضمن التعويل بشكل كبير على توجيه المدخرات الخاصة نحو الاستثمار في بعض مشاريع التنمية لا سيما فيما يتعلق بالبنية التحتية المادية والرقمية.

ساهم ضيق الحيز المالي الضيق في تعزيز الاتجاه نحو الاستفادة من مشروعات الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص. فقد شهدت الموازنة العامة للدول العربية ضغوطات في السنوات الأخيرة حيث ارتفع عجز الموازنة من 2.7 في المائة في عام 2014 إلى 10.1 في المائة في عام 2015. رغم اتجاه العجز إلى الانخفاض في السنوات الأخيرة إلى 4.3 في المائة في عام 2018، إلا أن الموازنات العربية لازالت تشهد تحديات كبيرة سواءً فيما يتعلق بتمويل الإنفاق الرأسمالي أو رفع مستويات كفاءته، وكلها عوامل تحفز على المزيد من تنفيذ مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص لمواجهة الاحتياجات التمويلية وتنفيذ المشروعات بكفاءة أعلى.

تطرق الموجز إلى بعض التجارب العربية الناجحة في الدول العربية على صعيد الشراكات ما بين القطاعين العام والخاص وأشار على سبيل المثال إلى أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الإمارات، تهدف إلى تغيير نشاط الحكومة من تشغيل البنية الأساسية والخدمات العامة، إلى التركيز على وضع السياسات والاستراتيجيات لقطاع البنية الأساسية ومراقبة مقدّمي الخدمات بهدف الارتقاء بها. كما تهدف إلى الاستفادة من القدرات الإدارية والتقنية والتمويلية للقطاع الخاص، وإشراكه في تحمل المخاطر. تستند الشراكة بين القطاعين العام والخاص على ترتيبات تعاقدية بين واحد أو أكثر من الجهات الحكومية، وإحدى شركات القطاع الخاص في مشروعات معينة، يتم بمقتضاها قيام الشريك الخاص بإمداد الحكومة بالأصول والخدمات، التي تقدم تقليديا من القطاع العام، بصورة مباشرة.

في مصر، تهدف المشاركة مع القطاع الخاص في الأساس إلى تقديم الخدمات العامة من خلال قيام الحكومة بالتعاقد مع شركات القطاع الخاص لبناء وتمويل وتشغيل مشروعات البنية الاساسية والخدمات والمرافق العامة، ذلك على أن تؤول أصول المشروع في نهاية مدة التعاقد إلى ملكية الدولة، مما يؤدي إلى زيادة حجم أصول الدولة. كما تهدف الشراكة مع القطاع الخاص إلى تحسين جودة الخدمات المُقدمة للمواطن وتخفيف العبء على ميزانية الدولة دون التأثير على قدرة الدولة على التدخل لإتاحة تلك الخدمات بأسعار اجتماعية عادلة، وتوفير فرص عمل جديدة وتشجيع الاستثمار والاستهلاك.

بالنسبة للكويت، تم وفقا للقانون المُنظم للشراكة بين القطاعين العام والخاص إﻧﺷﺎء ﻫﯾﺋﺔ ﻟﻣﺷروﻋﺎت اﻟﺷراﻛﺔ ﺑﯾن اﻟﻘطﺎﻋﯾن اﻟﻌﺎم واﻟﺧﺎص، وبحيث تكون هي اﻟﺟﻬﺔ اﻟﺣكوﻣية اﻟﻣﺳؤوﻟﺔ ﻋن طرح ﻣﺷروﻋﺎت اﻟدوﻟﺔ اﻟﺗﻧﻣوية والاستراتيجية كفرص اﺳﺗﺛﻣﺎرية وذﻟك وﻓق ﻧظﺎم اﻟﺷراﻛﺔ ﺑﯾن اﻟﻘطﺎﻋﯾن العام والخاص. تعمل الهيئة على الاستفادة من مهارات وخبرات القطاع الخاص في تحقيق قدر أكبر من الاستفادة وجودة الخدمة في سبيل إنجاز الخطة المُستقبلية لدولة الكويت عام 2035، ووثيقة الدولة لإصلاح الاقتصاد المحلي، ورفع العبء المالي عن الدولة.

في لبنان، تم إقرار قانون الشراكة لتلبية احتياجات تطوير البنى التحتية ضمن إطار قانوني وتنظيمي مُحفز لمستثمري القطاع الخاص، ويمنحهم الضمانات المُتعارف عليها بما يساعد على تكوين رؤية عن قواعد الشراكة والحد من مخاطر المشروع. كان صدور قانون الشراكة ضرورياً كي يكون لبنان أكثر قدرة على المنافسة وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإدخال الخبرات إلى البلاد، وخلق الآلاف من فرص العمل وزيادة الإيرادات وتحفيز النمو الاقتصادي.

في تونس، تتولّى الهيئة العامة للشراكة بين القطاع العام والخاص بالخصوص مساعدة الحكومة في إعداد وإبرام عقود الشراكة المُبرمة، وضمان تطبيق قواعد الحوكمة الرشيدة وأخيراً مراقبة ومتابعة تنفيذ عقود الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص. تُمكّن عقود الشراكة الدولة من تكليف القطاع الخاص بتطوير مشاريع منشآت أو تجهيزات أو بنى تحتية لتوفير مرفق عام. ولا تؤدّي الشراكة بين القطاع العام والخاص، في أي حال من الأحوال وبغض النظر عن الشريك الخاص، إلى خصخصة الموارد والبنية التحتية، أو إلى تنازل الدولة عن ملكية المرافق المحدثة. بل على العكس من ذلك، يقوم الشريك الخاص في إطار عقود الشراكة بتمويل وإحداث بنى تحتية جديدة أو تغيير بنى تحتية قائمة ويعقب ذلك نقل الملكية للدولة وفقاً لمقتضيات العقد.

فيما يتعلق بالانعكاسات على صعيد السياسات أكد التقرير أهمية وضوح الإطار التشريعي والقانوني للشراكة مع القطاع الخاص في الدول العربية، وضرورة قيام السلطات في الدول العربية بتحديد الصيغة المناسبة للتعاقد مع الشركاء من القطاع الخاص وذلك بما يضمن الحقوق القانونية والمالية لكافة أطراف التعاقد ويحفظ حقوق الدولة في هذا الشأن. إضافة إلى أهمية قيام السلطات في الدول العربية بتطبيق الأساليب المناسبة للمحاسبة والحوكمة والرقابة، مما يعمل على الحفاظ على تقديم الخدمة في التوقيت وبالتكلفة المناسبة والالتزام بالبنود التي تم الاتفاق عليها في التعاقد. كما يتعين على الحكومات العربية تحديد الأنشطة والمجالات التي يمكن أن يشارك فيها القطاع الخاص وذلك في إطار الخطط التنموية المستقبلية للدول العربية، وفق أطر محفزة وداعمة للشراكة مع القطاع الخاص وبيئة استثمارية جاذبة من مختلف الجوانب المكونة لها.