تصعيد سريع على غزة .. لكنه الأخطر

تصعيد سريع على غزة .. لكنه الأخطر
تصعيد سريع على غزة .. لكنه الأخطر
د. عبير عبد الرحمن ثابت

لم تكون جولة التصعيد الحالية الأولى؛ وبالتأكيد لن تكون الأخيرة بين قطاع غزة وإسرائيل، لكن اللافت فى الأمر أن هذه الجولة هى الجولة الثانية التى تتصدر فيها حركة الجهاد الاسلامي المشهد العسكرى على الأرض باعتبارها رأس الحربة فى التصعيد العسكرى؛ وقد أصبحت على يمين حركة حماس سياسيا وربما عسكريا أيضا.

هذا المشهد وإن كان يبدو غريبا ومستهجناً من البعض إلا أنه فى ذات السياق يعكس حالة من التغير السياسي لأصحاب القرار العسكرى فى حركة حماس الحاكم الفعلى لقطاع غزة؛ فحركة حماس خلال التصعيد الحالى وما سبقه عندما اغتالت اسرائيل قائد الجناح العسكرى لحركة الجهاد  بهاء أبو العطا قبل عدة أشهر؛ خلال التصعيدين حافظت حماس على مسافة فى المواقف العسكرية المعلنة مع حركة الجهاد؛ وهو ما أعطى حصانة عسكرية لحماس فى قطاع غزة من استهداف الطيران الاسرائيلي لمواقعها ومقاتليها؛ كما أنه وفر حصانة ما للجبهة الداخلية المدنية فى القطاع بحيث لم تضطر أى من المؤسسات الحكومية التابعة لحركة حماس أن تخلى موظفيها وتعطل عملها، وهذا المشهد تحديدا يعود بنا إلى نحو عقدين إلى الخلف عندما كانت السلطة الوطنية الفلسطينية تحكم غزة؛ لكن وإن كان كلا المشهدين الحالى والسابق متشابهين إلا أن هذا التشابه هو تشابه تكتيكى آنى لأن طبيعة الوجود السياسي لكلا من السلطة الوطنية وحركة حماس يختلفان جذريا؛ حيث أن السلطة هى كيان سياسي يحظى باعتراف دولى ؛ فى حين أن حركة حماس تصنف دوليا واسرائيليا باعتبارها منظمة إرهابية؛ وهو ما يعنى أن هذا التكتيك من حماس هو سياسة تكتيكية من طرف واحد لا تستند إلى أساس سياسي متين يبنى عليه وهى مرهونة تكتيكيا برغبة اسرائيل  فى الاستفراد بحركة الجهاد وحدها دون توسيع رقعة عملياتها العسكرية لتشمل كل الفصائل المسلحة فى القطاع؛ كما أنها ومع الأسف مرهونة استراتيجيا برغبة اسرائيل منح حركة حماس دورا سياسيا فى تمثيل الفلسطينيين؛ وهو ما يحدث ازدواج مقصودا اسرائيليا فى التمثيل الفلسطينى ويكرس الانقسام ليتحول إلى انفصال بين غزة والضفة، وهذا هدف اسرائيلى قديم حديث طالما تطلعت اسرائيل إلى رؤيته واقع معاش .

إن التصعيد الحالى لا يختلف عن سابقيه عسكريا إلا فى الحاجة الماسة لتكتل اليمين الحاكم فى جبي فاتورة باهظة من حركة الجهاد عبرعملية استهداف لقيادة عسكرية أو سياسية من الصف الأول يرفع خلالها نتنياهو وتحالفه اليميني من عدد مقاعده فى انتخابات الكنيست القادمة إلى 61 مقعدا ليكون بإمكانه تشكيل حكومة جديده برئاسته لتبعد عنه شبح المحاكمة والمصير المحتوم نزيلا مدانا فى أحد السجون الاسرائيلية.

من هنا فإن استمرار المواجهة الحالية واستمرار سقوط الصواريخ على المدن والمستوطنات الاسرائيلية لوقت أطول فى ظل عدم تمكن اسرائيل من اقتناص هدف ثمين إنما سيضعف حظوظ نتنياهو فى الانتخابات التى من المقرر أن تجرى مطلع شهر مارس القادم؛ لذا لن يكون أمام اسرائيل من خيارات عملية إلا انهاء هذه الجولة سريعا والعودة إلى رزنامة تفاهمات التهدئة السابقة ونقل ملف غزة إلى الحكومة القادمة التى ستشكل بعد الانتخابات، أما عن خيار توسيع رقعة المواجهة الحالية إلى حرب شاملة فهو خيار مستبعد لأن اسرائيل والمنطقة والادارة الأمريكية غيرمهيئة اليوم؛ وفى هذه اللحظة التاريخية الحساسة لتقبل الثمن الذى سيجبى من الفلسطينيين بعملية من هذا النوع ليس من حيث الخسائر البشرية فحسب بل من حيث الثمن السياسي الذى ستضطر اسرائيل لدفعه على صعيد الاقليم والذى سيؤدى إلى تأخير الاعلان عن الكثير من مشاريع التقارب الاقليمى بين اسرائيل والعديد من الدول الإقليمية، وهو ما سيؤدى إلى تعطيل مشروع التحالف الأمريكى العربى الاسرائيلى التى تعد صفقة القرن أحد أجزائه.

لذا فإن إسرائيل ستحاول خلال الساعات القادمة جبي أكبر ثمن بأسرع وقت وصولاً إلى إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل يوم الأحد الأسود الذى سحلت فيه الجرافة الإسرائيلية جثمان الشهيد الناعم؛ وفى وضع كهذا لصانع القرار الاسرائيلى يكون الوضع محفوفا بالمخاطر ولا يستبعد أى عمل جنونى فالغاية هنا تبرر الوسيلة.

التعليقات