الوجه القبيح لحياة الفلسطينيين بتركيا.. من الفقر للنصب والإدمان إلى الخذلان

الوجه القبيح لحياة الفلسطينيين بتركيا.. من الفقر للنصب والإدمان إلى الخذلان
صور تعبيرية
خاص دنيا الوطن- أمنية أبو الخير
حياة معيشية واقتصادية وسياسية واجتماعية صعبة، يعيشها الشباب بقطاع غزة، دفعتهم للهجرة إلى العنوان الأول والأسهل (تركيا) إما للاستقرار فيها، أو لاتخاذها كمحطة أولى نحو (اليونان) ثم (أوروبا)، بحثاً عن عمل ولقمة عيش ومستقبل أكثر إشراقاً.

عدا عن مَن حقق حُلم الهجرة، هناك الآلاف ممن يقبعون بأجسادهم في قطاع غزة، ولكن عقولهم وأحلامهم هناك في تركيا، متخذين ممن سبقهم من الشباب مثالاً أعلى وهدفاً يسعون إليه، فلا يكلون ولا يملون في محاولات جمع الأموال للحاق بهم والهجرة.

سمعنا خلال السنوات الماضية، الكثير من قصص النجاح أو ربما أشخاص، استطاعوا أن يحصلوا عن حياة مختلفة عن تلك الموجودة في قطاع غزة، وخطوا تفاصيلها عبر الكلمات والصور على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن هل سمعت على الوجه الآخر و(القبيح) لحياة الفلسطينيين في تركيا؟ رصدت "دنيا الوطن" بعض تلك القصص التي قد تجعلك تفكر ملياً قبل اتخاذ قرار الهجرة، فالحياة هناك ليست وردية، كما تبدو لك من بعيد. 

صورها حلوة وداخلها غابة 

الشاب إسحاق إبراهيم مصلح، يبلغ من العمر (30 عاماً)، قرر أن يغادر قطاع غزة، ويهاجر إلى (تركيا) منذ ما يقارب العامين، بسبب مضايقات تعرض لها في القطاع، بسبب ممارسته لحرية الرأي والتعبير على مواقع التواصل الاجتماعي على حد قوله.

يقول مصلح لـ"دينا الوطن": لم أقرر مغادرة قطاع غزة بسبب الفقر أو الحصار أو انقطاع الكهرباء لساعات، لكنني تعرضت للحبس والإهانة ولاتهامات مختلفة وقاسية من السلطات الحاكمة بقطاع غزة، بسبب منشور لي على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، هذا عدا عن معاناتي مع البطالة.

أما عن وضعه الحالي في تركيا، فيوضح أنه وبعد العمل لعامين لا يشعر باختلاف في وضعه عما كان يعيشه في قطاع غزة، قائلاً "في الصيف يكون العامل الذي يملك إقامة سياحية مُستغل ويحصل على راتب من 50 إلى 60 ليرة تركية، بينما نظيره التركي يأخذ من 100 إلى 200 ليرة، أما في الشتاء فيكون الوضع أكثر صعوبة ويتوقف العمل".

ويستطرد: "وإن وجد الشاب منا وظيفة وهو أمر صعب، وحصل على راتب من 250 إلى 300 دولار أمريكي، فلن تكفيه إلا للطعام والشراب والمسكن والدخان، فهو يعمل حتى يعيش فقط لا غير". 

وأفاد مصلح، أن الحكومة التركية، قررت منع من لا يملك إذن عمل (تصريح) من العمل، وأي شخص يقوم بكسر هذا القرار وتوظيفنا يتعرض لدفع غرامة مالية، مشيراً إلى أن ذلك القرار زاد من معاناة الشباب الفلسطيني المهاجر إلى تركيا، فالأغلب يحمل إقامة سياحية أو إقامة طالب، وليس تصريحاً أو إقامة عمل.

وأكمل: تقوم المطاعم والورش بتشغيلنا من باب الاستغلال، فيوظف عشرة عمال منا بأجرة خمسة عمال أتراك، لأننا نحصل على نصف راتبهم".

وأردف: "يضاف إلى ذلك رسوم تجديد الإقامة السنوية التي تكلف 200 دولار أمريكي، هذا عدا عن عائق اللغة التركية الصعبة، إن لم أطارد في بلدي بسبب منشوراتي السياسية لما خرجت من قطاع غزة، ولا أندم حالياً على خروجي، فلم أترك خلفي ما أندم عليه، فلا أملك وظيفة ولا زوجة ولا بيت في غزة".

ونصح إسحاق في نهاية حديثه معنا، الشباب الغزي بعدم الهجرة إلى تركيا قائلاً: من يجد عملاً لو بـ 40 شيكلاً ما يطلع من غزة، الراتب في تركيا مهما وصل سيذهب على الإيجار والملابس والمواصلات، كثير من الشباب خسر 3000 دولار، وعندما وصل هنا وجد العمل "موت" ولساعات طويلة، وبرواتب ضعيفة جداً وبعد شهر أو شهرين يعود للقطاع.

وختم: "تركيا هي الدولة الوحيدة التي تلمّ من عليه قتل، والحرامي، ومن عليه ثأر، والمافيا، وكل من عليه شيء، تركيا صورها حلوة لكن من داخلها غابة".

نصب وخذلان من الأقارب 

انتقلت "دنيا الوطن" للحديث مع شاب آخر "رفض التصريح باسمه" من قطاع غزة، ويبلغ من العمر (30 ربيعاً)، مستقر حالياً في تركيا، حيث ترك القطاع بناء على وعد من أحد أقاربه المستقرين في أوروبا لإحضاره إلى حيث الحياة الرغيدة، ولكن عليه الوصول إلى تركيا في البداية، لتبدأ قصته.

يقول (أ. ن): استلفت من أقاربي وأصدقائي بقطاع غزة، ما يكفي لسفري، وأكثر 400 يورو، وعندما وصلت إلى تركيا، تحدثت مع قريبي المستقر في أوروبا؛ لكي يفي بوعده، ويأخذني عنده في أوروبا، فقال لي أن الوضع صعب، وعليه التزامات ولا يوجد عمل مناسب لي. 

وبعد توالي الأحداث وصل (أ. ن) لشخص يقوم بتهريب الناس إلى اليونان، وقال له ومجموعة من الشباب أنه سيوصلهم للنهر بـ 300 يورو، وقبل الوصول للنهر ألقى (الكوماندوز) الألماني القبض عليهم، وجردوهم من كل شيء حتي أنهم أخذوا جواز سفره، وأعادوه لتركيا ليسجن أسبوعاً، ويخرج بدون جواز سفر، والشخص الذي قال له إنه سيهربه لليونان اختفى، ومعه الأموال وجواز السفر بحوزة (الكوماندوز) الألماني. 

ويكمل: "عدت إلى العاصمة التركية اسطنبول، ولا أملك حتى إيجار مسكن لشهر واحد، وكان الأصدقاء يطعمونني طول تلك الفترة، فلا أملك حتى أموال أحضر بها الطعام، وحتى أنهم جمعوا من بعضهم، ودفعوا عني إيجار الشقة".

تواصل الشاب (أ. ن) مع أهله وأخبرهم أن جواز سفره سُرق ولا يملك أموالاً، ويريد العودة لقطاع غزة، فينقل لنا ردهم حرفياً "حكولي اشتغل زي الشباب، وهيهم مبسوطين بتركيا، وبنزلوا صورهم، من الآخر دبر نفسك".

ويختم: "حاولت استخراج جواز سفر بدل فاقد، ولكن استخراجه يحتاج إلى وقت طويل لا يقل عن خمسة شهور، ويحتاج لرسوم وأنا لا أملك أموالاً، وحاولت الحصول على وثيقة سفر لمرة واحدة من السفارة، لكنني لم أستطع الحصول عليها، وأنتظر الآن عودتي إلى القطاع".

الحياة بتركيا ليست وردية 

والقتينا بفتاة أخرى، فضلت عدم ذكر اسمها، وعمرها (24 عاماً)، من سكان مدينة غزة، درست الإعلام والاتصال جماهيري باللغتين الإنجليزية والعربية، بجامعتي فلسطين والإسلامية، ولم تترك مكاناً سواء له علاقة بمجال دراستها أو لا إلا وأخذت فيه دورات وتدريبات، وتطوعت بهدف الحصول على فرصة عمل على حد قولها. 

تقول لـ "دنيا الوطن": منذ زمن والصورة مطبوعة في خيالي، بأن تركيا هي جنة الله على الأرض، بدأت بالتواصل مع شخصيات إعلامية في تركيا، إلى أن حصلت على فرصة عمل في مجال الإعلام، لكن سياسة القناة مخالفة لنظام دولة ما، فلم أحصل على الوظيفة.

وتضيف: "قررت السفر إلى تركيا كسياحة لتفريغ الطاقة السلبية التي أشعر بها بسبب معاناتي مع البطالة بعد التخرج، لقد أجريت مقابلات عمل في شركة (جوال) وتلفزيون فلسطين، وشركة الاتصالات، ووكالات إعلامية، لكن الواسطة والبطالة لا ترحم مثابر".

سافرت الفتاة الغزية إلى تركيا كسياحة لمدة 15 يوماً مع شقيقتها، وهناك حصلت على فرصة عمل في شركة عقارات كوجه إعلامي مرشد للعقارات في اسطنبول عن طريق صديق لها، يعمل في ذات المهنة في الشركة.

وتصف حياتها في تركيا قائلة: الحياة ليست وردية في تركيا، الأمر يبقى غربة، والحياة بعيداً عن الأهل قاسية، ولكن من يملك طموح، ويريد الوصول إليه يكافح ويعافر ليصل إلى هدفه، على الأقل ليشعر أهله بالسعادة والفخر، لعل وعسى نستطيع العودة لغزة فنجد فرص عمل عادلة أو بمقدار تعبنا في الحياة.

الانزلاق في الإدمان

وكان للشاب الثلاثيني (ت. س) قصة مختلفة تماماً، فكان يعمل مصوراً صحفياً، بنظام القطعة لعدة وكالات محلية وعالمية، إلى أن تعرض للإصابة في قدمه خلال تغطية (مسيرات العودة)، ثم بدأت رحلة العلاج، ودخل إلى سراديب الحبوب المسكنة وحبوب الأعصاب بسبب إصابته. 

وبسبب إصابته، فقد السيطرة على أعصابه، وبالتالي قدرته على التحكم بالكاميرا، وبذلك فقد عمله مع الوقت، فقرر أن يهاجر إلى تركيا بحثاً عن العلاج والعمل والاستقرار، وساعدته والدته على ذلك عبر بيع (مصاغها الذهبي) بالإضافة لبيع أدوات التصوير الخاصة به، وذهب إلى تركيا. 

ويقول لـ"دنيا الوطن": عندما وصلت إلى تركيا، لم أجد عملاً برغم بحثي المتواصل، وعندما وجدت عملاً كان يتطلب عمل لأكثر من 12 ساعة متواصلة، ووضعي الصحي لا يسمح بذلك، وبالأخص أن العائد المادي متواضع جداً. 

ويكمل: بدأ إيجار المنزل يتراكم علي، والألم يزداد، وكل فترة أطلب الأموال من أهلي في قطاع غزة، إلى أن تعرفت على بعض تجار الممنوعات في تركيا، أعطوني في البداية بعض المسكنات وأدوية الأعصاب، دون أي ضغوطات من قبلهم على دفع ثمنها كاملاً. 

ومع الوقت أصبح (ت. س) يعمل في النهار، ويصرف كل أمواله على تلك الحبوب، وأصبح الأمر يزداد سوءاً عندما بدأ بتعاطي المخدرات، وأصبحت الديون تتراكم عليه لتجار الممنوعات، حتى باع كل ما يملك بما في ذلك ملابسه الشخصية.

ويختم: صاحب المنزل أخذ مني جواز سفري، حتى أدفع الإيجار المتراكم علي، وأخاف الخروج للشارع بسبب ديون تجار المخدرات، ولا أستطيع النوم بسبب الألم المستمر، ولا أتواصل مع أهلي حالياً فلا أعرف ماذا سأقول لهم، فقد قرروا أن يرسلوا أخي إلى تركيا لإحضاري إلى القطاع".

السفير الفلسطيني يعقب

قال سفير فلسطين لدى تركيا، الدكتور فائد مصطفى: المشاكل التي يعاني منها المهاجرون في تركيا ليست محصورة في فئة معينة أو في جنسية معينة، أو جالية معينة، تركيا بلد لها قوانين، وهي تحاول أن تنظم الوجود الأجنبي فيها، وأعداد القادمين إليها من الدول التي تعيش أزمات ومشاكل داخلية تتضاعف، والبعض يأتي إليها ضمن مخطط للوصول إلى دول أوروبا، لذلك تعمل الدولة على سن قوانين ولوائح داخلية؛ لتنظيم هذا الوجود الأجنبي، وهذا وضع طبيعي.

وأضاف السفير مصطفى لـ"دنيا الوطن": "فيما يتعلق بموضوع (الإقامات) التي يشتكي منها شباب غزة، إجمالاً تركيا تتعاطى بإيجابية مع كل الوجود الفلسطيني، والجهات الحكومية التركية، تتعاون مع الجهات الرسمية الفلسطينية في حل أي مشاكل تعترض أي مواطن فلسطيني على الأرض التركية".

تجديد الاقامة 

وكشف السفير الفلسطيني في تركيا أن هناك قراراً صدراً من الجهات التركية الرسمية، بدءاً من 1/1/2020، لن يعاد تجديد الإقامات السياحية على النهج السابق، بمعنى أن مواطناً ما من أي جنسية أخذ إقامة سياحية بناء على مسوغات ومعطيات قدمها للجانب التركي، عندما تنتهي إقامته السياحية، ويريد تجديدها، الجانب التركي لن يقبل بذلك، إذا جاء بنفس المعطيات من أجل تجديدها.

وأكمل: حالياً هذا قانون لدى الدولة التركية، ونحن في السفارة الفلسطينية بتركيا، تحدثنا مع الجانب التركي، وبالمناسبة الجانب التركي يتفهم خصوصية المواطن الفلسطيني، ولذلك أجابوا أنهم لا يستطيعوا إصدار قانون يستثني منه جنسيات معينة، حتى لا يثير الأمر حفيظة باقي الجنسيات. 

واستطرد: القانون يصدر عاماً، أما في التطبيق قالوا لنا: إنهم سيراعون خصوصية المواطن الفلسطيني، وسنعمل كل جهدنا ألا يتضرر أي مواطن فلسطيني من هذا القانون.

العمل بظروف قاسية

قال السفير مصطفى: لا علاقة لنا كسفارة بهذا الموضوع، لأنهم يعملون بوسائلهم الخاصة وبعلاقاتهم الخاصة، البعض يصور تركيا وكأنها (جنة الله على الأرض) هي كذلك، ولكن فيما يتعلق بموضوع العمل، الأمور ليست ممهدة كما يتصور البعض، تركيا فيها بطالة وأعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين، بالتالي فرص العمل محدودة، والحياة ليست مفتوحة وسهلة.

وأضاف: "تركيا جيدة للسياحة، لكن الشخص الذي يأتي للاستقرار ويريد عمل سيواجه بصعوبات، لا يتخيل أن الأمور ممهدة، فهناك عامل اللغة يلعب دوراً، أيضاً العمل في تركيا يحتاج لرخصة عمل، وبالتالي العمل الذي يعملون فيه لساعات طويلة مقابل عائد مادي متدنٍ، هو عمل غير قانوني".

وأكمل: بالتالي من يفكر أن يأتي لتركيا من أجل العمل، ويلاقي فرص عمل برواتب مجزية، لا.. هذا الكلام غير صحيح، ومن يفكر بهذا الاتجاه عليه أن يعيد حساباته، أما تركيا حلوة وجميلة لشخص يريد أن يعمل سياحة.

وشدد على أن من يأتي سياحة، ثم يريد أن يعمل، فان الفيزا السياحية لا تعطيه الحق في العمل، ومدتها شهر أو شهرين، إذا لم يأتِ بشكل قانوني بفيزا عمل، ثم يعمل إقامة فلن يحصل على حياة بظروف جيدة. 

التعليقات