مرضى السرطان في غزة معاناة لا تنتهي

مرضى السرطان في غزة معاناة لا تنتهي
رام الله - دنيا الوطن - عبلة البكري
كل إنسان يمر بلحظات من القوة و الضعف، و الشجاعة و الجبن ،و الصمود و الاستسلام، ولكن أحياناً يغرقنا الحزن و نستسلم للظلام و نترك أنفسنا رهائن لليأس فهذا ما يحدث تماماً مع مرضى السرطان في قطاع غزة عندما يسمعون خبر إصابتهم بهذا المرض، فيصبح السرطان بمثابة شبح يطاردهم و يهدد حياتهم و يفرض عليهم حالة من الذعر والقلق و أن هذا المرض قد يفتك بأجسادهم الضعيفة ، بسبب عدم وجود استراتيجية واضحة للعلاج.

وفكرة المرض نفسها تسبب حالة من الارباك النفسي الشديد لدى المواطن الغزَي حيث تتضاءل في أعينهم احتمالية العلاج و الشفاء، فتبدأ رحلة العذاب عندما يأخذ المريض نتيجة تحليله ويتفاجأ بأنه مصاب بالسرطان، فيقع ضحية معاناة لا تنتهي نظراً للظروف القاسية التي يواجهها قطاع غزة بسبب نقص الإمكانيات العلاجية و الأجهزة و المعدات و العقاقير و الأدوية اللازمة لمرحلة العلاج بالإضافة إلى صعوبة السفر و استكمال العلاج بالخارج بحجة الرفض الأمني المستمر و فرض القيود المشددة على حرية التنقل و السفر، الأمر الذي خلَف واقعاً كارثياً يهدد حياة المرضى، فمرحلة تلقي العلاج خارج قطاع غزة تشكل أحد ابرز الانتهاكات في حق مرضى السرطان، فمثل هذه الإجراءات التعسفية أودت بحياة العديد من المرضى.

تفشت الأمراض السرطانية بشتى أنواعها بشكل كبير لعدة أسباب كان أخطرها مخلفات الحروب السابقة وإلقاء القنابل الفسفورية الحارقة المحرم استخدامها دولياً بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التلوث البيئي، وفي ظل التدهور المستمر في الأوضاع السياسية و الإنسانية في قطاع غزة مازالت نسب الإصابة ترتفع و تتضاعف يوماً بعد يوم، فتتضاعف حالات الإصابة بنسبة 10-15% سنوياً بسبب الحصار الإسرائيلي و العقوبات المفروضة على القطاع والتدني الحاد في الخدمات التشخيصية للمرض و كذلك العلاجية وتراجع المنظومة الصحية ،كما بلغت نسبة العجز في توفير العقاقير العلاجية إلى أكثر من 60%.

قصص مرضى السرطان عديدة و كثيرة فالمرض يقتحم دون استئذان، ولكن عندما يتم التعامل مع المرض بقوة و عزيمة يمكن أن يقهر ، فهذه المرة اخترنا حكاية إحدى الناجيات من مرض السرطان و تدعى هناء سعيد شحادة (60 عاماً) ، تروي تفاصيل ذلك اليوم في حديثها معنا لتعود بذلك إلى عام 2009 و هو عام اكتشافها للمرض، قائلة "كنت أشعر بوجود كتلة في صدري و بعد إجراء الأشعة و الفحوصات اللازمة أبلغني الطبيب المختص بإصابتي بورم في الصدر، لن اقول أنني استقبلت هذا الخبر بهدوء، فبالواقع انتابني شعورا اليأس والخوف الشديدين، فالخبر كان بمثابة صاعقة لي واستقبلته بدموع عيني، ولكنني كنت أحاول تهدئة نفسي ،فقررت أن أواجه المرض بقوة امام زوجي و أولادي الذين كانوا المساندين و الداعمين لي في رحلة معاناتي و كانوا السبب الأساسي في رفع معنوياتي".

وواصلت قائلة:" إن العلاج الكيميائي هو أصعب مرحلة مررت بها كنت أبدأ جلسات العلاج الكيميائية بالبكاء شعرت بهزل شديد بجسدي وتساقط شعري وكان شعوراَ صعباً جدا أن أحلق شعري ولكنه كان أمراً محتوماً".

وأشارت أنه كان من الصعب جداً عليها و على أسرتها توفير التكاليف العلاجية آنذاك، فبسبب الأوضاع المتردية بقطاع غزة لم يكن لديهم إلا مصدر دخل زوجها الذي يعمل في دكان صغير يكاد لا يلبي أدنى احتياجات أسرته، فكان يقف عاجزاً عن التكفل بعلاج زوجته المريضة.

ولفتت هناء أن النظرة المجتمعية تؤثر و بشدة على نفسية مرضى السرطان، فالأزمة الأساسية هي أن المجتمع يتعامل مع مريض السرطان بأنه ميت لا محالة و أنه في المراحل الأخيرة من عمره كما أنهم لا يفرقون بين الشفقة والدعم، فترددت على مسامع هناء كلمات عدة منها " مسكينة، يا حرام" فهذه الكلمات كفيلة بأن تسبب إنهياراً نفسياً للمريض.

وتابعت هناء حديثها :" يجب على المريض أن يخلق لنفسه أجواء الأمل والثبات و التحدي و التمسك بالحياة، "فلا يأس مع الحياة و لا حياة مع اليأس"، قررت هناء الاعتماد على نفسها و مساعدة نفسها بنفسها، حيث وجدت ضالتها لتجاوز الأزمة المالية اللازمة للعلاج من خلال افتتاحها مشروعين إحداهما كان مشروع مشغولات يدوية تصنعها من الصوف و الآخر مشروع طبخ منزلي تروج له من خلال صفحتها على الفيسبوك "مأكولات الياسمين" فرغم إصابتها إلا أنها قررت عدم الاستسلام وتمكنت من خلال مشروعها تغطية تكاليف العلاج.

وأضافت قائلة: "تكمن أكثر الأخطاء المجتمعية بسبب عدم وجود توعية كافية حول مرض السرطان و كيفية التعامل مع المرضى". و دعت كافة النساء إلى ضرورة الالتزام بالفحص الدوري الذي قد يكون حتماً سبباَ للشفاء، فالخوف من المواجهة سيزيد من الأمر سوءاً ".

وتابعت: "ما بين الأمل و الألم يعيش مريض السرطان بين هذين الشعورين، فيحتاج المريض بجانب الفحص وتلقي العلاج إلى الدعم المعنوي فأنا بدوري أنصح جميع المرضى بالتوجه إلى مؤسسات تدعم مرضى السرطان ليس فقط ماديا بل ومعنوياَ مثل مؤسسة "العون و الأمل"  وغيرها من المؤسسات في قطاع غزة، فقد كان لهم دوراً كبيراً في دعمي النفسي في مرحلة العلاج، و انضمامي لتلك المؤسسات ساعد في تجديد رغبتي بالشفاء من خلال التعاون و الترابط و الدعم الموجود بين المرضى".

كما أكدت على ضرورة اتخاذ الاجراءات اللازمة للتقليل من معاناة مرضى السرطان وطالبت بضرورة تحييد القطاع الصحي من كافة الصراعات السياسية  و ضرورة وجود خطط استراتيجية واضحة و تخصيص ميزانيات لضمان العلاج و كذلك توفير المستلزمات و الأدوية و الأجهزة اللازمة وضمان حق المرضى في تلقي العلاج بالخارج و الالتفات لتحسين و تطوير قطاع الخدمات الصحية بشكل يخدم المرضى في تلقي الرعاية المناسبة.