السيادة والتفوق

السيادة والتفوق
السيادة والتفوق 

 د. يسر الغريسي حجازي

"التنوع الثقافي يرفض أي شيء لا يتوافق مع معايير الحياة. إنه يساهم في التقدم والعدالة الاجتماعية والتماسك والاحترام والوئام السماوي".

لقد وصلنا إلى النسبية الثقافية والجيوسياسية. اصبحنا متشابهون جميعًا و نرتدي نفس الملابس ونأكل ونشرب ونفكر بنفس الطريقة، كما ان عقولنا اصبحت تناضل جميعيها من أجل توحيد المبادئ الأخلاقية والاجتماعية والسياسية، والتي تتمحور كلها حول الانصاف والمساواة والحياة الكريمة للجميع. إننا نتجاهل كل العادات والتقاليد القاسية التي لا قيمة لها، وساهمنا في تغيير السياق الاجتماعي  تمامًا لإفساح المجال للتعرف علي الانسان الذي يختبئ في كل واحد منا حسب ثقافته وتفكيره. هل ان العولمة عملية لتوحيد الشعوب وتفتيت الانظمة الامبريالية؟ بالنسبة لي هذا احد اهدافها، لأن توسع الأسواق الدولية قد توسع تقنيات التكنولوجيا والنقل والاتصالات. انها قد تجمع جمعت بين الإنسانيين والمخترعين والعلماء والتكنوقراطيين والنخب الاكاديمية. انها سرعة السيادية والتفوق العالمي.

نحن الآن معنيون بعملية اقتصادية، يمكنها دمج التقدم والتنمية الاجتماعية والتحول الديمقراطي والحداثة في جميع قيمها الأخلاقية والدينية. كلنا نريد هزيمة الديكتاتورية والقمع البوليسي والتخلص من السياسي الفاسد والمفسد والنرجسي الشاذ، وذلك في سبيل تحقيق رفاهية الشعوب والدفاع عن كرامتهم، ومحاربة الفوارق  للقضاء على الفقر بكل قبحه ومعاناته. نحن الآن على اتصال مع بعضنا البعض طوال الوقت، عبر الأقمار الصناعية ويمكننا شرب القهوة، وزيارة أصدقائنا الذين يعيشون في جميع أنحاء العالم  بينما نبقى في المنزل جالسين علي الاريكة. هكذا تم إلغاء جميع الحدود الجيوسياسية ومعها الصور النمطية وكل وصمات العار، والعنصرية والعدوانية تجاه التعددية الثقافية. بدأ التقدم البشري من هذه اللحظة وبشكل نوعي، و يتمكن كل واحد منا من الوصول إلى الجغرافيا العالمية، إلى التوسع الاجتماعي والثقافي، وكذلك إلى التطبيع الجديد للتبادلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

تمت إزالة الحواجز، والعالم يتجه نحو التنمية الاقتصادية العالمية وتعزيز التنوع الثقافي بشكل نهائي. نحن نتحدث الآن عن رؤية جديدة استثنائية، والتي جندت معها الاستقلالية الاجتماعية والثقافية وكذلك رمز التوحيد العالمي. يبدو أننا صنعنا سياسة حماية الطبيعية والانسان، وذلك لإنقاذ اختلافاتنا، واحترامها وتبنيها اذا رغبنا في ممارستها. يمكننا أن نتذوق كل الأكلات الشهية  في كل جميع أنحاء العالم، مثل المعكرونة الإيطالية الرائعة، والشاورما التركية النضرة والفلافل الشامية، بالإضافة إلى السوشي الصيني الذي يتميز بطعم آسيا وتخصص منطقة المحيط الهادئ. وينضم الكسكس الشهير في شمال إفريقيا إلى الأطباق الغريبة والمطبوخة بنكهة وفرحة، كل من يريدون معرفة العالم وتقديره بشكل أفضل. كما ان التورتيلا المكسيكية، والأرز التايلاندي الحار مع الريحان، والخروف اليوناني مع النعناع والزعتر، والمأكولات البحرية المشوية، والمطهية، كلها من أفضل الأطباق الشهية علي قائمة المينو الدولي. هذه كلها أطباق لذيذة يتم إعدادها في جميع أنحاء العالم، ووفقًا للخصائص المحددة لكل بلد. يجتمع الناس دائمًا أمام طبق لذيذ ليستمتعوا بالحديث ويتشاركوا مشاعرهم ومخاوفهم وحماسهم، وبهذه الطريقة تتعاطف الناس مع بعضها وتتعزز فيهم الأخوة والمحبة والشراكة. هذه هي الحقائق التي كسرت العادات والتقاليد و المحظورات التي تم غرسها بشكل متعمد لآلاف من السنين. هناك عملية أنسنة جارية جنباً إلى جنب التنوع والتفوق الثقافي.

تقدم جميع الأسواق العالمية نفس المنتجات التجارية والسينمائية والفنية والتكنولوجية وفقًا منظومة منطقية ومتنوعة ترضي الجميع. نحن على وشك تصور تراث ثقافي متجانس ومتناسق. يمكننا تفسير الثورات الشعبية في دول العالم الثالث و ذات الديكتاتورية العالية واين يوجد عقلية الخدم الذين انولدوا لخدمة اسيادهم وهم بدورهم السلالة الحاكمة، حيث تشير الثورات إلى الرفض القاطع للاستمرار في التعرض الي اللأذى من قبل السياسيون الفاسدون و الذين ينتهكون حقوق شعوبهم بدون ان تتحرك اي شعرة من اجسامهم. ، انهم يعززون الفوارق ويزيدون الفقراء جحيم الفقر. من السهل اليوم رؤية العالم الغربي يزدهر وتتمتع شعوبهم بحقوقهم و في الوقت نفسه ، نشاهد عالمًا آخر ذليل وشعوب تحتقرها انظامة فاسدة وبدون ضمير. لم يعد هناك مجال للهيمنة الأيديولوجية والعسكرية ، لان الشعوب كلها اليوم في وعي كامل بحقوقها الأساسية. ليس هناك انتقال بارع فحسب ، بل أيضًا هيمنة لليبرالية الجديدة المعاد تعريفها علي انها تيار أيديولوجي ليبرالي ومتعدد الأوجه.

ان الليبرالية الجديدة التي يراها الاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان، هي بمثابة دفاع وضد الدول المتهمة بانكماش الأسواق والسيطرة عليها حتي يسوء أدائها. إن سياسة التحرير الاقتصادي هي زيادة مشاركة في دور القطاع الخاص، وتحرير الأسواق من الناحية الجيوسياسية لضمان التوسع والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول العالم بأسره. يتجه العالم أكثر فأكثر نحو معيار أخلاقي عالمي، واكثر تدفق لحرية للتدابير الاقتصادية والتي ستكون قادرة على حماية الإنسانية والتنوع البيولوجي والثقافي، وإرساء الديمقراطية والإجراءات الإنسانية، وإضفاء الشرعية على الوجود الإنساني. ان مكافحة الصراع الأخلاقي والقضاء على الفقر، هما التعبير الطبيعي للدفاع عن كرامة الإنسان وارضه. دعونا نستمر في الأمل في أن يتحرك العالم نحو الإيمان والضمير والتضامن بكل أشكاله.

التعليقات