الدرس الفلسطيني الأول

الدرس الفلسطيني الأول
الدرس الفلسطيني الأول
د. رياض عبدالكريم عواد

هل انتصر الفلسطينيون في مناطق ال 48؟!

سؤال غريب، وللإجابة عليه يجب علينا تعريف معنى الانتصار عمليا. أن استمرار وبقاء هذا العدد من الفلسطينين، ان مجرد بقائهم على الأرض وتكاثرهم العددي وتطورهم الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والوطني يبين معنى هذا الانتصار وأهميته.

واحد من أهم الإنجازات التي حققها الشعب الفلسطيني، البقاء على ارضه. ان بقاء 150 الف فلسطيني على أرضهم بعد النكبة والهجرة وصمودهم انجاز وطني ودرس هام للكل الفلسطيني.

أقلية صغيرة مشتتة تعيش تحت ظروف صعبة، مهجرة من قراها، فقدت العديد من الاهل والعائلة وفقدت كل ما تملك من أسباب الحياة الا إرادتها

خضعت هذه الاقلية إلى ضراوة أنظمة الطوارئ والحكم العسكري. كما تم إنشاء سلطات محلّية للبلدات العربيّة مرتبطة بالسلطة المركزيّة، وإثارة النزاعات المحلّية وإذكائها. قمع جميع محاولات بناء مجتمع مدنيّ وأحزاب ومؤسّسات تمثيلية بين السكّان العرب، ابتغاءَ تعزيز التبعيّة - على اختلاف الأصعدة. إفقار السكّان العرب في البلاد وسحب الأموال النقديّة من أياديهم، ابتغاءَ السيطرة عليهم اقتصادياً وتعزيز تبعيّتهم لسوق العمل اليهودي.

قوانين عسكرية صارمة، مجزرة كفر قاسم، المنع من العمل والتضييق عليهم في التعليم ورغم ذلك بقوا فوق أرضهم صامدون.

نشر المخدرات والأسلحة وتشجيع روح الفئوية والمناطقية والعائلية والشجار والمشاكل العائلية، ورغم ذلك بقوا صامدون.

تشجيع الشباب على الخدمة في جيش الاحتلال، وانضمام الاباء للأحزاب الصهيونية والتعاون مع الإدارة ورغم ذلك لم تنطفئ روحهم الوطنية

واصلوا بقائهم وصمودهم واثبتوا وجودهم وزاد عددهم وتحسنت مستوياتهم العلمية والأكاديمية وتحولوا من أقلية لاقيمة لها إلى شعب له حقوقه الاجتماعية والسياسية غزوا الجامعات والمستشفيات والمؤسسات ينافسون على المناصب والألقاب العلمية والعملية

شكلوا احزابهم الوطنية واصبح صوتهم يصرخ من داخل الكنيست لا يمكن تجاوزهم، انهم الرقم الصعب السهل الممتنع عن الكسر

شكلوا هيئاتهم الوطنية المستقلة، اللجنة القطريّة لرؤساء السلطات المحليّة العربية، ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل يتأهبون الآن لدخول انتخابات الكنيسة بقيادة القائمة المشتركة وعيونهم ترنوا ل 15 مقعدا فيها، أقلية قومية لا يمكن تجاوزها أو القفز على حقوقها، وحتى لا نكون مبالغين فإن الدولة لن تستطيع أن تعمل أو أن تستمر دون الاعتراف بدورهم وإعطائهم جميع حقوقهم السياسية والاجتماعية.

هل يتعلم الفلسطينيون في القدس والضفة وغزة هذا الدرس الأول الهام في الوطنية والصمود أن مجرد وجود شعبنا على أرضه وبقاءه عليها وصموده هو انجاز هام يجب المحافظة علية نحن أقرب إلى الخمسة مليون مواطن فوق أرضهم، نمتلك من الامكانيات والمؤسسات والعلم والخبرة والقوة ما يؤهله إلى مواصلة البقاء والصمود.

ان شرط انتصارنا وبقائنا هو أن نتعلم من شعبنا الذي بقي صامدا هناك في البلاد، كيف صمد وكيف انتصر صمد وانتصر بالصبر والواقعية وعدم الالتفات للثورين ولا لادعياء الدين الذين يطالبونه بالقطيعة مع مؤسسات الدولة وعدم للمشاركة في الانتخابات وحمل السلاح في وجهها الواقعية تتطلب التمسك بالسلطة الوطنية كاهم انجاز وطني وحاضنة سياسية واجتماعية لمواصلة هذا البقاء الواقعية تتطلب استمرار النضال الشعبي السلمي ونبذ كل أساليب العنف التي لا نستطيعها ولا تجلب لشعبنا الا القتل والدمار.

الواقعية تتطلب الاستمرار بالبقاء والبناء والتنمية

الواقعية تتطلب الاعتراف اننا كارض وشعب وسلطة تحت الاحتلال. ولن يزحزحنا عن التمسك ببقائنا على ارضنا بناء المستوطنات ولا تزايد عدد المستوطنين ولا ضم الأراضي ولا بناء الجدار، هذه جميعها من أشكال الاحتلال، والاحتلال وكل افرازاته زائل لا محالة

لا يهمنا توقف أو استمرار العملية السلمية، الاعلان عن صفقة القرن أو غيرها من المشاريع او عدم الاعلان

لن تثنينا مؤامرة فصل غزة عن هذا الهدف الاستراتيجي النبيل،

نحن لسنا في عجلة من أمرنا تحت هذه الضغوط وتحت صراخ الادعياء الثوريين والإسلاميين

كل ما يهمنا وما يجب مواصلة التمسك به هو بقائنا على ارضنا والتمسك والثقة والالتفاف حول السلطة الوطنية، رغم ما يعتريها من نواقص، ومواصلة عملية البناء والتنمية.

أن هذا الدرس هو الذي يجيب على سؤال الكثيرين إلى أين نحن ذاهبون. يجب تمثل هذا الدرس بكل ايجابياته وسلبياته، بعيدا عن المبالغة والتقديس، ودون أن نغفل عن حجم التحديات الداخلية والخارجية التي مازالت تواجه هذا المجتمع الفلسطيني والتي ليس أقلها استمرار 50% من المشاركين في الانتخابات في التصويت إلى الأحزاب الصهيونية، بما فيها أحزاب اليمين العلماني والديني، إضافة إلى تفشي الجريمة والسلاح ومشاكل الثأر بين العائلات وغيرها من المشاكل الكثيرة.

هذا هو طريق الانتصار، ان نتعلم الدرس الوطني الأول، كيف نواصل البقاء على الأرض.

هذا هو الصمود الاستراتيجي الذي سينتج عنه انتصار استراتيجي.

التعليقات