حثُّ الآباء على التدخل في حال تعرض أطفالهم للتنمر تجنباً للعواقب

حثُّ الآباء على التدخل في حال تعرض أطفالهم للتنمر تجنباً للعواقب
الدكتورة تاتيانا فالكون
كشفت مجموعة من الأبحاث وجود علاقة قوية بين ظاهرة التنمر وحالات الانتحار بين المراهقين، إلا أن دراسة حديثة، نشرت هذا العام في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية أشارت إلى أن تعرض الشخص لمضايقات وحالات تنمر مستمرة في مرحلة الطفولة يمكن أن تؤثر عليه لاحقاً عندما يصل إلى سن البلوغ. 

ومع انتشار ظاهرة التنمر على نطاق واسع نتيجة تطور وسائل التواصل الاجتماعي، تقدم خبيرة بارزة في مستشفى كليفلاند كلينك للأطفال مجموعة من النصائح لأولياء الأمور لتثقيفهم حول أهمية التخدل بشكل فوري لتحديد مؤشرات وآثار هذه الظاهرة لدى أطفالهم ومعالجتها في أسرع وقت ممكن.

وأوضحت الدكتورة تاتيانا فالكون، الطبيبة النفسية للأطفال في مستشفى كيفلاند كلينك للأطفال أن ظاهرة "التنمر" متغيرة في طبيعتها، ولا ينبغي إهمالها واعتبارها ظاهرة عرضية تحدث بين الأولاد وسيتمكنون من تجاوزها مع مرور الوقت، بل هي حالة تؤثر على كلا الجنسين بشكل سلبي وكبير لا سيما منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن آثار هذه الظاهرة يمكن أن تكون طويلة الأجل.

وأشارت الدكتورة إلى الدراسة التي نُشرت هذا العام في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية والتي أظهرت أن الأطفال الذين كانوا ضحايا التنمر كانوا أكثر عرضة لخطر الإصابة بأعراض اكتئاب عندما وصلوا مرحلة البلوغ.

وبالرغم من أنها لم تشارك في هذه الدراسة، إلا أن الدكتورة فالكون أكدت أن "النتائج التي تم التوصل إليها تتناسب مع نتائج دراسة سابقة أجراها فريق كليفلاند كلينك للأطفال قبل بضع سنوات، والتي وجدت أن آثار الصدمة العاطفية على الأطفال يمكن أن يكون لها تأثير شديد على الدماغ كما لو أن الشخص قد تعرض لإصابة دماغية".

مشيرة إلى أن الانتشار غير المسبوق للأجهزة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي كان له دور كبير في تغير طبيعة ظاهرة التنمر والتي أصبحت أكثر انتشاراً اليوم. كما أن التأثير السلبي لظاهرة التنمر الإلكتروني على نفسية الطفل يعادل تأثيرها على أرض الواقع. ووفقاً لمركز أبحاث التنمر الإلكتروني في الولايات المتحدة، فإن 36.7٪ من الفتيات المراهقات عانين من التنمر الإلكتروني في حياتهن، وذات الشيء ينطبق على 30.5٪ من البنين".

وأضافت أن التنمر الإلكتروني يختلف عن التنمر المباشر على أرض الواقع في أنه لا يؤثر فقط على الطفل  خارج حدود المدرسة، وإنما يتعداها إلى نطاق أوسع بكثير. فقبل بضع سنوات، إذا تعرض طفل ما لحالة تنمر من زملائه في الفصل، فثمة ثلاثة أو أربعة أشخاص فقط يعرفون ذلك، أما الآن سيشاهد المزيد من الأشخاص القصة سواءً داخل المدرسة أو خارجها.

المؤشرات وطرق العلاج

وأوضحت الدكتوروة فالكون أنه في حين أن الأطفال لن يخبروا أولياء أمورهم بالضرورة أنهم يتعرضون للتنمر، إلا أن هناك العديد من الإشارات والتغيرات التي يجب البحث عنها ومتابعتها.

ولعلَّ أكثر العلامات الشائعة هي تغير أنماط سلوك الأطفال، على سبيل المثال، عدم رغبة الطفل الذي كان يحب المدرسة واعتاد المشاركة في الأنشطة المدرسية في الذهاب إلى المدرسة مرة أخرى. إضافة إلى ذلك، تبدأ درجاتهم بالتراجع، وقد ينفصلون عن الأنشطة العائلية أيضاً.

كما أن الأطفال الذين يتعرضون للتنمر يصبحون سريعي الانفعال والغضب، و"ربما يصبحون عدوانيين في مرحلة ما، ونجد أن بعض الأطفال الذين يتعرضون للتنمر لفترات طويلة يتحولون إلى متنمرين أيضاً. لذلك كلما كان التدخل أسرع، كلما كانت النتائج أفضل. وبمجرد أن يدرك أحد الوالدين تعرض الطفل لحالات تنمر أو أي نوع من الصدمات، يجب عليهم الاتصال بالمدرسة للإبلاغ عنها، وكذلك محاولة إخراج الطفل من تلك البيئة على الفور. وفي حال كان الطفل مراهقاً وكانت المدرسة تشجع الطفل وتعمل على حل المشكلة، فيجب وجود أشخاص بالغين للتوسط في المناقشة".

وأكدت الدكتورة على أهمية بقاء الوالدين متيقظين ومتابعين لحياة أطفالهم بشكل مستمر، كما يجب عليهما التواصل بشكل دائم مع المدرسة إلى جانب اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لوقف سلوك التنمر – إن وجد - لأن العواقب خطيرة.

طرق العلاج

وتابعت الدكتورة فالكون: "في حال كان الطفل قد تعرض مسبقاً للتنمر، فإن أفضل أشكال العلاج هو العلاج السلوكي المعرفي الذي يركز على الصدمات، حيث يمنح ذلك الأطفال أدوات لإدارة السرد وردود الفعل الفسيولوجية للصدمة التي تعرضوا إليها، مثل دقات القلب السريعة أو التعرق الزائد. إن العلاج المعرفي السلوكي الذي يركز على الصدمات يساعد الناس على إدراك الوقت الذي يتعرضون فيه للتوتر والضغط ويستخدمون الأدوات لخفض مستويات التوتر لديهم. ويمكن أن يقلل ذلك على المدى الطويل من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق ومتلازمة التوتر اللاحق للصدمة. وغالباً ما يتم استخدام مزيج من الأدوية والعلاج وفق نهج علاجي متكامل".

وبيّنت الدكتورة فالكون أن الاكتئاب لا يأتي نتيجة التعرض لموقف أو حالة واحدة، وإنما هناك عوامل أخرى قد تؤدي إلى إصابة الشخص أو الطفل بالاكتئاب، مثل عوامل التنشئة والنمو والعوامل الجينية والبيئية. ونظراً للآثار السلبية طويلة الأمد التي يمكن تسببها حالات التنمر خاصة في حياة الأطفال الصغار، ينبغي على أولياء الأمور عدم تجاهل هذه المسألة بتاتاً.

نصائح الدكتورة فالكون لمعالجة آثار التنمر

من المهم للغاية معالجة آثار التنمر في مرحلة مبكرة ذلك لأنه كلما كان الطفل أصغر سناً واستمر تعرضه التنمر، كلما كانت النتائج أكثر ضرراً.يجب إبلاغ إدارة المدرسة عن حالات التنمر التي يتعرض لها الطفل وطلب الباقء على اطلاع كامل بالإجراءات التي يتم اتخاذها والنتائج التي يتم التوصل إليها.إخراج الطفل من البيئة التي يتعرض فيها للتنمر في أسرع وقت ممكن، على سبيل المثال نقله إلى فصل آخر.

التحدث بشكل مستمر إلى الطفل وتثقيفه حول أشكال ظاهرة التنمر ليتمكن من التعرف إليها إذا تعرض هو أي شخص آخر لها.التأكد من أن أطفالك يدركون بشكل جيد أنهم يستطيعون التحدث معك بكل صراحة حول أي شيء يتعرضون له أو قلقون بشأنه.

التحقق من وسائل التواصل الاجتماعي وسجل الويب الخاص بطفلك، بما في ذلك مواقع الألعاب وأجهزة الحاسوب المحمولة المدرسية بشكل أسبوعي . 

وزيادة وعيهم بشكل مستمر حول أهمية عدم قبول طلبات الصداقة أو المتابعين الذين لا يعرفونهم بشكل جيد. وفي حال وجدت أي شيء يدعو للقلق، قم بالتقاط صورة للشاشة أو اجمع الأدلة المكتوبة واصطحبها معك إلى المدرسة عند الإبلاغ عن المشكلة.

إذا تعرض طفلك للتنمر على وسائل التواصل الاجتماعي، فعليك متابعة استخدامه لتلك الوسائل، وحظر أي موقع أو جهة تقوم بأفعال التنمر أو تعرض فيديوهات لحالات تنمر لأشخاص آخرين، إلى جانب السماح لطفلك باستخدام الإنترنت فقط تحت إشرافك.

اختيار "شخص بالغ وموثوق به" في المدرسة؛ مثل مستشار المدرسة، بحيث يمكن لطفلك اللجوء إليه عند الحاجة أو الشعور بالقلق.

التعليقات