الأخلاق في السياسة

الأخلاق في السياسة
د.يسر الغريسي حجازي
 الاخلاق في السياسة  


""الرحمة والتسامح ليست علامات ضعف ، بل هي علامات قوة. "(الدالاي لاما)

ما هي الرحمة؟ هل يجب أن يكون البشر رؤوف؟ هل يجب أن يكون السياسيون راحمون تجاه شعوبهم؟ أن تكون أو لا تكون إنسانًا، هذا هو السؤال. في الحقيقة ، يجب علينا جميعًا أن نتعاطف مع بعضنا البعض لأننا ملزمون بالعيش في تماسك. الرحمة هي جزء من تقويمنا المعرفي ومن عواطفنا. والتعاطف يعني قدرتنا على مشاركة مشاعر الآخرين، وخاصة اظهار الالتزام تجاه الأشخاص الذين هم في امس الحاجة الينا. على سبيل المثال، الإعراب عن التعازي لصديق أو أحد أفراد الأسرة يفقد شخصًا عزيزًا أو زيارة مريض. ذلك أيضًا يعبر عن التعاطف والدعم الذي يلزم لكل شخص يمر من ازمة مرحلية، ويتكلل التضامن بالمساعدة المتبادلة والإخاء. دعونا نعتني بالآخرين، وسيهتم الجميع بنا لأن هذا هو المكان الذي يبدأ فيه العالم الإنساني والمعايير الاخلاقية الأصيلة. اننا نسترشد بنوايانا،  فنريد كيفية الاستفادة منها وكيفية توصيلها للبشر من أجل جذب طاقاتنا الايجابية من حولنا. ولكي ننجح، نحتاج إلى أن نكون متاحين ومتفاهمين وحنونين مع الآخرين، أولئك الذين يحتاجون إلينا في الأوقات الصعبة. الوئام الديني والرحمة والقيادية هن الحقائق النبيلة لمسار الفكر الحر. ان الرحمة هي مهارة أساسية في تمييز الخير من القسوة والشر، فضلاً عن العقول الجشعة وعديمي الضمير. بعني ان ياتي التصرف وفقًا للاحترام والنزاهة والإجراءات العادلة. في القيادية، التعاطف هو ذلك الشكل الذي يدفع الإنتاجية والاستثمار البشري. إن الاعتراف بحقوق الآخرين يعني تنمية الإمكانات البشرية والاستماع إلى احتياجات بعضهم البعض. كما ان السياسة بدون تعاطف، تعني جلب الألم والقسوة والاضطهاد الي الناس لجعلهم مذنبون وبدون إبداع. في هذه الحالة، يتم الاستثمار في تعزيز الصور النمطية والمحظورات لقمع الناس بشكل متعمد، وجعلهم ضعفاء ومقتنعون بان هذا هو قدرهم. فالشعب  المكسور لم يعد لديه الدافع أو الإبداع ولا يبالي بشيء، وكل استثماره يتمحور حول الشكوك و الشر والمرارة. كيف تطلب من المقهورين الالتزام بانظمتهم؟ عندما يُحظرعليهم تمكينهم اجتماعيا واقتصاديا تطوير فرصهم في النجاح  بدلاً من ذلك، يتم توجيه الاتهام إليهم وتوبيخهم ويحكم عليهم بالعيش في الحيرة والتحديات والشك واليأس ولم يحصولوا حتي على حياة كريمة.

يتم صنع الفشل بجميع أشكاله، وبالتالي يصبح حقيقة واقعية يجب على جميع الناس المعوزين أن يؤمنوا بها ويجعلوها مصيرهم. كيف يمكن أن نطلب من الناس إظهار تعاطفهم، عندما لا يعرفون أبدًا معنى ذلك؟ الرحمة هي الفضيلة التي تعلمنا أن نعرف أنفسنا بعمق، لاكتشاف مواهبنا وتعلم الخطوط العريضة للحياة. إن معرفة انفسنا هو معرفة نقاط قوتنا وضعفنا، ومدي انسانيتنا مع الآخرين. اما الرحمة، فهي جزء من القيادية لأنها تحفز الوعي وبالتالي تساعد على كشف إمكاناتنا المعرفية. ان السياسي القاسي هو سياسي فاقد الوعي، وغير قادر على أن يكون قائداً. لا يمكننا أن نقدر لحظات الحياة الثمينة إذا كنا لا نعرف كيف نحب الآخرين، واذا اردنا  الخير فعلينا ان نحب لانفسنا. في البوذية على سبيل المثال، تتمحور الفضائل حول مشاركة  الآخرين في فهم معاناتهم وتبادل مشاعرهم. تركز العقيدة البوذية على الحقائق النبيلة للرحمة والطموح، للتغلب علي جميع المعاناة وأسبابها التي قد يواجهها البشر (في عالم الحقائق النييلة الأربعة. سوميدو، 1992). وفقًا لجين سمايلي (2000)، إن التعاطف والحنان والصبر والمسؤولية واللطف والصدق هن أفعال تثير ردود فعل مماثلة من الآخرين. كما ان للرحمة إمكانات كبيرة مثل الانسجام الديني في الإسلام، والذي يعرف بأنه سلام داخلي يحفز الحب والود واللطف بين البشر. ان السياسي الجيد هو الشخص الذي يلهم جمهوره، ويتفهم قلقهم ويتخذ الإجراءات الازمة لتلبية احتياجات الفقراء. يشمل التعاطف القيم الأخلاقية التي توجه الفرد، والأب، والقائد، والسياسي، والمجتمع. من المؤكد أن القيم الأخلاقية عالمية، وتنتقل عبر الأديان والأيديولوجيات والعقيدة والأخلاق الاجتماعية. إذا لم يكن هناك احترام للآخرين، فلن يكون هناك ولاء ولن نتمكن أبدًا من الوصول إلى أبعاد الرحمة والي التنوير الأعلى.

التعليقات