فتح في ربيعها الخامس والخمسين أيها الفلسطيني.. إلى الفتح دُر

فتح في ربيعها الخامس والخمسين أيها الفلسطيني.. إلى الفتح دُر
فتح في ربيعها الخامس والخمسين أيها الفلسطيني... إلى الفتح دُر
كتب م. أحمد الشنطي

لم يكن حدثًا عاديًا حين تمرد مجموعة من شباب فلسطين على واقع اللجوء والنكبة والرضوخ للهزيمة واحتلال فلسطين، والفارق الأكبر بينهم وبين غيرهم من قادة الثورات في العالم أنه كان لديهم مصدر رزقهم في ظل بريق الخليج العربي النامي، فما كانوا من المهمشين والمسحوقين أو المضطهدين، بل وصل بعضهم إلى مراتب وظيفية كبيرة بمرتبات عالية كانت قد تغني غيرهم بطمع من الدنيا، إلا أنهم تجردوا من كل الماديات الشكلية معتبرين أن لا طعم للحياة ولا كرامة يحياها المرء بدون أرض الوطن السليب، تاركين كل ما وصلوا إليه وحاملين بنادقهم وأرواحهم ومشكلين لأعظم حركات التحرر الوطني في العالم.

فتح التنظيم الثوري الديمقراطي الذي لا يخشى الديمقراطية

لقد أنشأت حركة فتح في زمن الديكتاتوريات العربية والصراعات والانقلابات العسكرية لدول أنهكتها مشاريع الاستعمار وكانت حديثة العهد مع الاستقلال، وبالرغم من ذلك فقد تأسست هذه الحركة بتنظيم عسكري ثوري يؤمن بالديمقراطية سبيلا للفصل في حال تعدد الأراء واختلاف وجهات النظر، وليس غريبا أن تبدأ هذه الثورة العظيمة من منطلق ديمقراطي بالتصويت بين قيادة فتح على بدء العمل العسكري، واليوم ما زالت فتح التنظيم الفلسطيني الأكثر ديمقراطية بين التنظيمات الفلسطينية، وفي ظل غيابها عن الكيانات الخارجة عن فتح والتي تنادي بالديمقراطية والإصلاح، فقد عقدت فتح خلال العقد الأخير مؤتمرين عامين للحركة بالإضافة إلى عقد دوري لانتخابات الهياكل التنظيمية فيها، كما ينتخب الفتحاويون في العديد من المرات ممثليهم في الانتخابات النقابية والعامة فيما يعرف بينهم بالبرايمرز، إنطلاقا من مبدأ المركزية الديمقراطية الذي كفله نظامها الداخلي، وهذا يعبر عن فعالية وديناميكية الحركة التي تزداد قوتها وقدرتها كلما دخلت ربيعا جديدًا وأوقدت شعلة انطلاقتها.

فتح بخير...

ليس من المعقول أن حركة ستحيي خلال الأيام القادمة ذكرى انطلاق العمل الفدائي والثوري أن يعتريها الوهن والفتور، ولذلك لطالما استخدم الهامشيون والمرجفون والخارجون من فتح مصطلحات وشعارات تنادي بالإصلاح داخل فتح أو تنادي بضرورة استنهاضها، كما أن هذه الصيغ والمصطلحات ليست جديدة الذكر فحسب أو وليدة اللحظة، بل في أصعب مراحل الكفاح المسلح خرجت هذه العبارات والصيغ التي تنم عن عدم ممارسة مناديها للنظام الداخلي للحركة والذي كفل النقد والنقد الذاتي- وبوضع آلاف الخطوط تحت الذاتي- كما كفل مبدأ الثواب والعقاب وهنا لابد من وقفة على العقاب الذي يتهرب منه الفرد إلى المناداة بإصلاح فتح.

الافتخار بالعمل الفدائي والسياسي والدبلوماسي

لقد مارست وكرست حركة فتح كافة أساليب النضال والكفاح لإنهاء الاحتلال من الكفاح المسلح إلى الكفاح السياسي والدبلوماسي والذي عرّف باسم حرب الأدمغة، فقد خاضت فتح منذ الانطلاقة عددًا من الحروب بين حرب الوجود التي استطاعت أن ترسخ فيها أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأسقطت مقولة أرض بلا شعب، ثم خاضت حرب القبول والاعتراف الدولي بعد اعلان الاستقلال حيث سارعت العديد من دول العالم للاعتراف بالدول الناشئة خارج أرض الوطن في قفزة سياسية في الهواء لتقف بعدها على أرض الوطن بعد سنوات من الكفاح... واليوم تخوض فتح حرب الحدود في معركة حين تستخدم فيها دولة الاحتلال آلة الحرب تكن غير متكافئة، وحين يستخدم الفلسطيني فيها عقله وصبره وإيمانه تكن أيضَا غير متكافآة بين صاحب الحق والمحتل لصالح صاحب الحق، لذلك على الفتحاوي أن يفتخر بالكفاح الواعي والعقلاني الذي يحشد فيها وعي الشعب نحو كسب وعي العالم دون أن يجر الشعب لمواجهة مسلحة غير متكافأة بين المجنزر وبين الأعزل، وما خاضته فتح من كفاح مسلح لهو معركة وعي سابقة كسبت فيها الاعتراف العالمي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وما الكفاح المسلح إلا محصلة رعب ممتدة إلى اليوم تخيف الاحتلال أكثر من حاضر الآخرين.


تتعالى ولم ترد الإساءة إلا بالحسنى

يتردد البعض ويقف عند هذا الموقف العظيم الذي تمارسه فتح في تعاملها مع رفاق الدرب ومع الأشقاء، ومنذ انطلاق العمل الفدائي كيلت لفتح الاتهامات من رفاق الدرب ومن الإخوة العرب، وما زالت الأبواق والصفحات الممولة بتمويل داخلي وخارجي والإعلام الموجه يهاجمون الحركة وقيادتها، كما وللاسف ما زالت البيانات الصادرة عن رفاق الدرب تتحامل على فتح، ومع ذلك لم تصدر حركة فتح بيانًا واحد هاجم فيه أحد، أو أشاعت عن أحد أو شهّرت بشخص أو أحرقت صورة لفرد أو زعيم أو أحرقت علمًا لدولة أو راية لحزب، ولن تجد ذلك في حركة تتعالى على الجراح، بل ستجدها أول المدافعين عن خصومها السياسين إذا ما تم مهاجمتهم من قبل الاحتلال وأعداء الشعب، كما لم تسئ إلى نظام عربي ولو اختلف معها أو كاد لها وموّل خصومها، كل ذلك أدى بالنأي عن الاحتواء والتبعية وحماية الثورة من الوصاية ومن الارتهان للتحالفات الإقليمية، مما عزز وضع القضية الفلسطينية وقوّى موقف قيادتها بحرقها لكل أوراق الضغط السياسي والمالي والشعبي لاجبار الثورة وقيادتها لأخذ المواقف السياسية التي ستضر بالثورة فيما بعد لو حدث ذلك، ولعل هذه النهج الوطني أوقع فتح في العديد من الأزمات وحقول الألغام السياسية والأخوية التي مرت وستمر من بينها بسلام لأنها تسير واثقة الخطى بسياستها ومبادئها الثورية الواعية.

الريادة...

فتح رائدة العمل الوطني ورائدة الكفاح المسلح، الريادة في فتح هو جرأة قيادتها على اتخاذ القرار، فلا تتردد قيادة فتح في اتخاذ القرارات وتحمل المسئوليات منذ قرار الانطلاقة إلى قرار السلام، وكلا القرارين أصعب من بعضهما في كلا الموقفين. إن المسئولية الواقعة على عاتق فتح أن تكون قدر الشعب الفلسطيني في قيادة المسيرة للحرية والاستقلال نابع من تعبئتها لحالة الفراغ السياسي والوطني بعد النكبة وعجز الآخرين عن تجاوز عقباتهم، ولذلك نجد أن كل الحركات لحقت بفتح وسارت على ما سلكته فتح سواء بالكفاح المسلح أو بخوض غمار العمل السياسي الذي تمارسه فتح من خلال قيادتها لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولطالما كانت قرارات فتح صعبة ولطالما كانت الظروف أمامها عسيرة ولطالما كانت الساحة الفلسطينية غير مهيئة لقرارات فتح التي ترى قيادتها ببعد نظر للمستقبل وتقرأ الخارطة الإقليمية وتتأقلم معها لحماية الثوابت الفلسطينية والشعب الفلسطيني من خطر إعادة الإنكار الدولي لها. 

هذه الحركة سيجدد أعضاؤها قسم الإخلاص لفلسطين في الأيام القادمة بالتزامن مع إشعال شعلة الربيع الخامس والخمسين إحتفاءا بانطلاق العمل الفدائي الذي أتقنت فتح بتنويعه وبرعت فيها، ستستمر بثورة الشعب للحرية والخلاص من يوم حمل طليعتها الرشاش لنصل إلى الجيل الذي سيحمل المنجل ويزرع في الأرض الفلسطينية، فيا أيها الفلسطيني... للفتح دُر وبالفتح افتخر، لنمضي بالثورة

التعليقات