التسوية الأمريكية لم تنته بعد

التسوية الأمريكية لم تنته بعد
التسوية الأمريكية لم تنته بعد

د. عبير عبد الرحمن ثابت

يعتقد البعض إن التسوية الأمريكية أو ما عرفت بصفقة القرن قد ماتت في مهدها؛ ولكن في الواقع عدم الاعلان عن الصفقة أو التسوية لا يعنى أنها قد انتهت بقدر ما يعنى أنها تختمر فى أروقة صناع السياسة فى الولايات المتحدة الأمريكية لتخرج أقوى مما ينبغى عندما تتوافر الظروف السياسية الدولية والاقليمية على أرض الواقع؛ والتى سيكون إعلان الصفقة فى حينها تتويج لما تم إنجازه من تغيرات على الأرض.

وأمامنا التطورات التى تجرى على أرض الواقع فى الضفة الغربية وقطاع غزة والمنطقة والتي توضح معالم التسوية؛ وثمة علاقة وثيقة بتطورات الأحداث خاصة تلك التى تحمل فى طياتها تحولات استراتيجية لاتجاه تغير عميق الأثر فى السياسة الاقليمية فى المنطقة؛ وبنظرة بانورامية فى نهاية هذا العام سنرى أن تجدد رياح ثورات الربيع العربى هى أهم تلك الأحداث الاستراتيجية؛ والتى كان آخرها الانتفاضة العراقية واللبنانية وتأثر المشهد الايرانى بها والسير على خطاها فى ما بدا ربيع فارسي وإن كان على استحياء وبرغم حالة القمع الشديد الذى تواجه ربيع من هذا القبيل نظراً لشعور صانع القرار فى ايران ومحورها الدولى الممتد من بكين مرورا بطهران الى موسكو؛  فهذه الموجة من الربيع يراد لها أن تجرف معالم تم تثبيتها فى الجغرافيا السياسية للمنطقة لصالح ذلك المحور خلال العقدين الآخيرين؛  وهذا التجريف إنما هو لصالح محور أمريكي يتشكل رويدا رويدا وبهدوء؛ وصفقة القرن هى أحد أهم محاور تلك التشكيل.  

وعلى الطرف الآخر فإن ما تهدد وتقوم به اسرائيل من تغيرات للواقع على الأرض فى الضفة الغربية من خلال إعلان نية حكومتها ضم منطقة الأغوار وترافقه مع تسعيرها للاستيطان ومصادرة الأراضى هو فى الحقيقة تغيرات استراتيجية على أرض الواقع، وتقوم به اسرائيل طبقا لمخططات مدروسة ومقننة فى الفعل وقياس مدى ردة الفعل الفلسطينية والدولية لاستمرار أو التراجع وليس أدل على ذلك من حملة المصادرات التى قامت بها خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من إصدار عطاءات لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية وما رافقه من مصادرة آلاف الدونمات فى مختلف مناطق الضفة؛ وكذلك ما تقوم به اسرائيل فى القدس من إزالة لأى تمثيل سياسي حتى وإن كان رمزيا فى المدينة المقدسة فإننا أمام مشهد واقعي لما ستكون عليه الضفة عشية إعلان التسوية، أما إذا انتقلنا إلى قطاع غزة فإننا أمام مشهد مفعم بالتغيرات الاستراتيجية المتلاحقة؛  فثمة واقع سياسي يتشكل فى طبيعة العلاقة بين غزة واسرائيل باعتبار قطاع غزة جزء سياسي كامل الأهلية السياسية وذو شخصية سياسية مستقلة لا علاقة لها بما يجرى فى الضفة الغربية وليس أدل على ذلك من مفاوضات الهدنة طويلة الأمد التى ما تلبث أن تخبوا أخبارها حتى تتصاعد مجددا بأقوى مما سبق وسط تأكيد اسرائيلي ونفى حمساوى؛ ولكن الواقع الذى يتغير يوميا فى قطاع غزه يشي بأن وراء الأكمة ما وراءها؛ فسياسة ضبط النفس العسكري لحماس خلال هذا العام وخاصة فى التصعيد الأخير بالإضافة إلى إحكام السيطرة على ما يعرف بمسيرات رفع الحصار فى أدنى حدود التصعيد وإلغاء أكثر من ثلاث فعاليات متتالية إضافة إلى ذلك وصول المستشفي الأميركي إلى قطاع غزة ضمن تفاهمات تدعي حماس أنها ضمن تفاهمات التهدئة فى حين تنفي غالبية الفصائل ذلك وتقول فى حق هذا المشفي ما لم يقله الإمام مالك فى الخمر؛ كل ذلك يشى بما يمهد الواقع فى القطاع لما هو موجود بالفعل من تصور سياسي يمينى أمريكى واسرائيلي عن طبيعة الحل للصراع الفلسطينى الإسرائيلي. 

خلاصة القول أن من يريد أن يعرف آخر تطورات صفقة القرن عليه أن يراقب باجتهاد ما يجرى  من تغيرات على أرض الضفة والقطاع وما يحدث من أحداث استراتيجية فى المنطقة، فكلا المشهدين يكمل بعضهما الآخر فى تحديد توقيت الاعلان عن التسوية الأمريكية.

أستاذ علوم سياسية

التعليقات